لا نعرف الأسباب الحقيقية التي دفعت النائبة الديمقراطية في الكونغرس الأميركي إلهان عمر إلى التوقيع على مذكرة مجلس النواب المتعلقة بتمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، ولكننا نعرف بأن إقدامها على ذلك الفعل المشين، أكثر من محبط للآمال، وأنه –ببساطة– مخزٍ ومعيب.
حتى صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية وصفت توقيع النائبة الصومالية الأصل بـ«المفاجأة الصادمة»، لاسيما وأن الرسالة التي وقع عليها 391 نائباً أميركياً مدعومة من «اللوبي الإسرائيلي» في الولايات المتحدة، والذي يعرف باسم «لجنة الشؤون الأميركية الإسرائيلية» (آيباك).
وسبب الحيرة يعود إلى أن عمر، التي انتخبت كأول مشرعة مسلمة في الكونغرس الأميركي عام 2018، معروفة بدعمها للحقوق الفلسطينية في الولايات المتحدة، وبنقدها المتواصل لسياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب بشأن التعامل مع الجمهورية الإسلامية، حيث انتقدت مطلع العام الجاري قرار ترامب بتصفية قائد القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني.
لكن توقيعها على الرسالة الموجهة لوزير الخارجية مايك بومبيو، وحثه على تجديد حظر الأسلحة الذي ينتهي في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، ليس المناسبة الأولى لإثارة التساؤلات حول سلوك عمر السياسي المثير للريبة والشكوك، ففي العام الماضي، امتنعت عمر عن التصويت لصالح قرار في مجلس النواب الأميركي يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن في أوائل القرن العشرين، وتذرعت حينها بأن الوقت غير مناسب لإصدار هكذا قرارات، وأنه يتوجب على مجلس النواب الأميركي أن يتبنى قراراً شاملاً ضد الإبادات الجماعية، وألا يقتصر على مذابح الأرمن. وهنا يبرز سؤال آخر: هل هنالك أوقات محددة لإدانة الجرائم والمذابح الجماعية؟
وإذا كانت النائبة الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا تهتم حقاً بـ«الشمولية»، فهل الرسالة التي وقعت عليها الأسبوع الماضي تتسم بالشمولية فعلاً؟ ألم تدرك عمر بأنها تستهدف إيران وحدها، دون سواها، وأنها تتغاضى عن مبيعات الأسلحة إلى دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، وفي مقدمتها إسرائيل التي لا تتوقف عن سعيها لتكريس احتلالها غير المشروع للأراضي الفلسطينية، وكذلك السعودية التي لاتزال تشن حرباً طاحنة ضد الشعب اليمني، أمام أسماع العالم وأنظاره؟
إننا نتفهم بأن العالم العربي يشهد صعوداً متزايداً للتناحرات السياسية والطائفية بغية ترسيخ النفود الإقليمي للأطراف المتصارعة، ولكن وصم طهران بهذه التهمة دون غيرها من عواصم الشرق الأوسط، يجعل منا أشخاصاً منحازين في هذه المعركة، وإذا كانت عمر من أصحاب المبادئ، ومن المؤمنين بـ«الشمولية»، التي تختبئ خلفها عندما يحلو لها الأمر، فعليها أن تدين الطائفية بكل أشكالها وتلميحاتها، وفي جميع المناسبات، بغض النظر عن مصدرها.
في هذا السياق، لنكن واضحين تماماً، ولنعترف بلا لف ولا دوران، بأن السياسات التي تحاصر طهران تعود إلى مواقف الجمهورية الإسلامية من القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها تمسكها المبدئي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، الذي يجرّ عليها نقمة السياسيين الأميركيين الموالين للدولة العبرية ومنظمة «آيباك» التي دعمت الرسالة آنفة الذكر، والتي وقفت ضد «الاتفاق النووي الإيراني» الذي ألغته إدارة ترامب.
ألم تنتبه عمر إلى أن الرسالة التي وقعتها تتبنى قطبة مخفية في خيوط التأييد المتواصل لدولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تزعم نائبة مينيسوتا بأنها من معارضي سياساتها العنصرية ضد الفلسطينيين؟
تنص مذكرة مجلس النواب على أنه: «يجب على القيادات الأميركية من الحزبين أن تواصل الجهود للحد من أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء العالم». غير أنه في ضوء مواقف إيران الداعمة لقضية فلسطين، يدرك أنصار الحقوق العربية، بأن هذا البيان في حقيقته ليس أكثر من دعاية مؤيدة لدولة الاحتلال.
كنا نعتقد بأننا نتشارك مع النائبة المسلمة في الكونغرس، الكثير من الأفكار والمواقف، ولكن انسجامها غير البريء مع سياسات «أيباك» نحو إيران يدفعنا إلى وضع ذلك الاعتقاد جانباً، والتعامل مع توقيعها على تلك المذكرة المشؤومة كما لو أنه صفعة على الوجه!
لقد أصبحت عمر شخصية رئيسية في الأوساط العربية والإسلامية في الولايات المتحدة بعد وصولها إلى الكونغرس، ونالت الكثير من التأييد المعنوي والمادي من العرب والمسلمين، ولكن دعمنا لها لن يكون مجانياً، ولن يستمر إذا واصلت تنكرها لقضايانا المحقة إرضاءً للوبي الإسرائيلي من أجل حماية مقعدها التشريعي تحت قبة الكابيتول في واشنطن.
إلهان عمر.. العار عليك لهذا التصرف المشين!
«صدى الوطن»
Leave a Reply