بقلم: كمال العبدلي
اسمها في السجلّ العربي «فتحية محمود عواضة»، وفي السجلّ الأميركي «فاي عواضة» وفي السجلّ الإنساني «الناشطة الاجتماعية» وفي سجلّ الخالدين «العادلة الراحلة فاي» . قدِمتْ من وطنِها الأم (لبنان) إلى الولايات المتحدة بمعيّة عائلتها وهي في سنّ الخامسة، تدرّجت في تعليمها حتّى إذا وقفت على مشارفِ أعتاب المستقبل، اختارت الحقوقَ طريقاً لشَقِّ رحلتها مع الحياة، فافتتحتْ كاتبة العدل الشابة في ثمانينيات القرن الماضي مكتباً متواضعاً سرعان ما جنّدت عبره نخبةً من المحامين المتوشّحين بفتوّة الشباب، إيذاناً بالإعلان عن خدمة الجالية العربية في تحصيل حقوقها بالطرُقِ الميسورة والتكاليف المُبتسَرَة من دون استغلال أو استغفال لما يجهلونه في تحصيل ما يرومون إليه من تلك الحقوق.
ومن خلالِ انبرائها –لا انبراعها– باتّجاه هذا الهدف النبيل، تقاطر على بابِ مكتبِها الآلاف من المضيومين والمحرومين، طلباً في ما يأملون من حقوقهم الدستورية بدءاً من لمّ الشمل الأسري إلى التثبيت التوطيني وما يتبع ذلكما من الخدمات والمساعدات الإنسانية المُقرَّرة وفق القوانين المحلية والوطنية العامّة. الأشخاص الذين طرقوا بابها وقابلتهم بابتسامتها الصادقة كانوا أكثر من أن يعدّوا أو يحصوا إذ يشير أرشيف الزميل كامل بزي نقلاً عن مجلّةُ «السبيل» بعددها المرقم 271 بتاريخ 27 كانون الأوّل (ديسمبر) 2015، إلى أنّهم تجاوزا –حينها– 200 ألف حالة مساعَدَة، فيا للحكمة من الخِفّة في تحمُّلِ مثل ثقلِ هذا العبء من أجل خدمة الآخرين دون مقابلٍ مُجزٍ سوى إرضاء الضمير.
وإزاءَ هذا العطاء الثرّ من لَدُن إنسانةٍ منبثقةٍ من قلبِ الجالية، لم يفُتْ المنظمات العربية الأميركية الاحتفاء بفاي وبمنجزاتها الرائعة في أكثر من مناسبة، كما نالت العديد من الشهادات التقديرية تكريماً لعطائها الممتد على مدار أربعة عقود.
موقفان شخصيان رسَما بريشة واحدة ملامحَ شخصيتها:
الموقف الأوّل: زارني ابن شقيقتي قادماً من العراق ورامَ الحصول على شهادة دكتوراه الاختصاص في هندسة الطيران، لكن مشكلة اصطحاب أسرته حالت دون ذلك، فاصطحبتُه إلى حيث مكتب «فاي»، فقامت بواجب الضيافة خيرَ قِيام فخيّرته بين رغبته في الحصول على الشهادة أو العودة إلى أسرته، فعادَ من دون أن تستوفي منه رسمَ المراجعة.
الموقف الثاني: أراد أحد معارفي الحصول على الجنسية وهو لا يجيد القراءة والكتابة العربية فضلاً عن الإنكليزية، فاصطحبته هو الآخَر إلى الإنسانة الكبيرة «فاي»، فأرشَدَته بما ينبغي عليه اتّباعه لهذا الغرض، من دون أن تستوفي منه، كذلك، رسمَ المراجعة.
وحين كتبتُ قصيدتي الطويلة «بوريقِ معشرِكُم أطوي مفازةَ الغربة» المنشورة في ديواني الثالث «مفازة الغربة» أهديتُ لها المقطعَ التالي:
«بين وظيفتِكِ وبين السلوك
يحتفلُ العدلُ بميلادِه
كلَّ دقيقة»
وكأيّة قامةٍ شامخة تنبري لخدمة البشر، تعرّضت الشهيدة «فاي» لتخرّصات المُرجّفين –الشهيدة هنا بمعنى الشاهدة على عصرها والقائمة على خدمة أبناء عصرها– فردّتْ عليهم بـ«بيان» نشرَته في جريدة «صدى الوطن» بعددها المرقم 508 والمؤرّخ في 27 أيار 1995 داحضةً افتراءاتهم.
الآن، وقد التحقت «فاي» بالرفيق الأعلى فبماذا يتذرّع المُفترون؟
لقد عاشت «فاي» حياتَها مُكرِّسةً إيّاها في خدمة المضيومين والفقراء والمحرومين متّخذةً من العدالة نبراساً لها طيلة حياتها النبيلة، فوا أسفاً على العدالة في رحيلِها أن تتوسَّدَ ترابَ القبر.
يقام ذكرى أسبوع عن روحها الطاهرة يوم الأحد الواقع في ١٤ كانون الثاني (يناير) الجاري عند الساعة الثانية ظهراً في «المركز الإسلامي» على شارع فورد في ديربورن.
Leave a Reply