واشنطن، ديربورن
دخل المعسكر الديمقراطي في حالة من التخبط والذعر، بعد الأداء الهزيل للرئيس جو بايدن خلال المناظرة الرئاسية الأولى التي عززت الشكوك حول قدراته البدنية والعقلية لقيادة البلاد لأربع سنوات إضافية، لتظهر على أثرها موجة من الأصوات الإعلامية والسياسية المطالبة باستبدال بايدن بمرشح ديمقراطي آخر يكون قادراً على هزيمة الرئيس السابق دونالد ترامب في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) القادم.
الأداء الذي وصفه الديمقراطيون أنفسهم، بـ«الكارثي» للرئيس بايدن خلال المناظرة التي نظّمتها شبكة «سي أن أن» في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا ليل الخميس 27 حزيران (يونيو) الفائت، أثار حالة من الصدمة في أوساط وسائل الإعلام الميالة للديمقراطيين، بعد تعثر الرئيس مراراً وتكراراً في التعبير عن أفكاره، إلى جانب تلعثمه وارتباكه وتجمده للحظات خلال الإجابة عن قضايا جوهرية، ما دفع بالعديد من المنصات الإعلامية الكبرى إلى المطالبة بتنحيه عن السباق، بما في ذلك صحيفة «نيويورك تايمز».
غير أن بايدن وفريقه سارعوا إلى رفض الحديث عن إمكانية الانسحاب من السباق، مؤكدين قدرة الرئيس الثمانيني على هزيمة ترامب في نوفمبر، كما فعل قبل أربع سنوات.
ورغم حديث وسائل الإعلام عن تصدع كبير في «السد الديمقراطي»، لم يجرؤ أي من سياسيي الصف الأول في الحزب الأزرق على المجاهرة بطلب تنحي بايدن، باستثناء النائب عن ولاية تكساس لويد دوغيت، غير أن العديد من كبار المانحين تبنوا هذا التوجه علناً، بمن فيهم مؤسس شركة «نتفلكس» ريد هايستينغز.
في المقابل، عمد البيت الأبيض إلى محاولة طمأنة قيادات الحزب والمانحين الكبار بشأن صحة بايدن، عبر عقد اجتماع مع حكام الولايات ومقابلات إعلامية في مسعى لإزالة الصورة السيئة التي بدا عليها الرئيس في المناظرة التلفزيونية.
وبينما تظهر استطلاعات الرأي تراجعاً ملحوظاً في أوساط الديمقراطيين لشعبية بايدن والثقة بقدراته العقلية والبدنية لمواصلة قيادة البلاد، أفادت المصادر الإعلامية في كبريات الصحف والمواقع الأخبارية الأميركية، أن البحث يجري بجدية عن «مرشح بديل» لبايدن، رغم أن الأخير لم يبد أية نية –حتى الآن– للتخلي عن ترشيحه قبل أربعة أشهر من موعد الانتخابات.
في الأثناء، يجادل آخرون بأن استبدال بايدن بمرشح آخر لن ينقذ الحزب الأزرق من الورطة المستعصية، إذ لا أحد يعرف مدى حظوظ المرشح الجديد في الفوز أمام ترامب التي ارتفعت شعبيته بشكل جارف في أعقاب المناظرة الأولى، فضلاً عن أن المرشح الجديد قد لا يجد متسعاً من الوقت لتنظيم حملة انتخابية قادرة على مواجهة المرشح الجمهوري.
وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت عقب المناظرة عن توسيع الفارق بين ترامب وبايدن لصالح الأول، بأكثر من ست نقاط مئوية.
الديمقراطيون يدرسون إمكانية استبداله بمرشح قادر على هزيمة ترامب .. والناخبون العرب غير معنيين
وخلال المناظرة، تمتم بايدن بكلمات بصوت خافت وفقد التركيز خلال طرح أفكاره في بعض الأحيان. وفي مرحلة ما، تحدث عن التغلب على برنامج الرعاية الطبية. وعلل الرئيس ذلك بأنه كان متعباً بعد رحلتين إلى الخارج، وقال البيت الأبيض إنه أصيب بنزلة برد ،لكن تلك التبريرات لم تكن كافية لتبديد المخاوف من أهليته للرئاسة.
وتتداول الأوساط السياسية والإعلامية في الولايات المتحدة أسماء العديد من المرشحين «البدلاء» الذين يمكن اعتمادهم من قبل مؤتمر الحزب الديمقراطي المقرر عقده في مدينة شيكاغو خلال شهر آب (أغسطس) القادم، من بينهم، حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم، وحاكمة ولاية ميشيغن غريتشن ويتمر، وحاكم ولاية إلينوي جيه بي بريتزكر، إلى جانب نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس، وصولاً إلى ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأسبق باراك أوباما.
وبحسب المراقبين، هناك مخاطر سياسية عديدة لعملية استبدال ترشيح بايدن، إلا إذا قرر الرئيس بنفسه الانسحاب لإفساح المجال أمام مرشح آخر قبل مؤتمر الحزب الذي قد يشهد إعادة خلط الأوراق وفوضى داخل الحزب الأزرق قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات.
من جانبه، تعهد بايدن، الخميس الماضي، بـ«مواصلة النضال»، مشددا خلال احتفال بعيد الاستقلال في البيت الأبيض على أنه «لن يذهب إلى أي مكان».
وأقر بايدن بأنه كان «سيئاً في مناظرة» خلال مقابلة مع إذاعة محلية في بنسلفانيا، لكنه قال «90 دقيقة على المسرح لا تمحو ما فعلته على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة». كما أصر الرئيس الأميركي في اجتماعات مع النواب الديمقراطيين وحكام الولايات على أنه لائق للترشح لفترة جديدة. وتحدث بايدن خلال مكالمة مع أعضاء فريق حملته القلقين يوم الأربعاء الماضي وأخبرهم بأنه مستمر في مسعاه الرئاسي، وفق مصدرين على دراية بتفاصيل المكالمة وفقا لـ«رويترز». وقال بايدن في رسالة عبر البريد الإلكتروني كشفتها حملته: «لا أحد يدفعني للرحيل. لن أغادر. أنا في هذا السباق حتى النهاية».
زاوية عربية أميركية
وسط حالة الصمت التي سادت معظم السياسيين الديمقراطيين تجاه ترشيح بايدن، حذّر مفوض مقاطعة وين، سام بيضون، من تلاشي حظوظ الرئيس جو بايدن في الفوز بسباق البيت الأبيض بعد أدائه «الكارثي» خلال المناظرة الأولى. ورغم معارضته لوصول ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية مجدداً، فقد أكد المسؤول الديمقراطي، اللبناني الأصل، بأن «الرئيس السابق كسب المناظرة بشكل صريح».
بيضون، المنخرط في صفوف الحزب الأزرق منذ أكثر من ربع قرن، أوضح بأن الرئيس الديمقراطي كان «مشتتاً» و«ضائعاً» وغير قادر على التواصل البنّاء مع قواعد الناخبين، معرباً عن قلقه «العميق» من نتائج الانتخابات الرئاسية «التي ستنتهي بفوز محقق لترامب إذا أصر بايدن على استكمال السباق». وقال: «إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فسوف يشكل ذلك خطراً على الديمقراطية ومجمل القيم الأميركية».
كذلك، حذّر بيضون من أن خسارة بايدن في السباق الرئاسي ستكون لها عواقب وخيمة على معظم المرشحين الديمقراطيين في الولايات المتحدة، ولاسيما المرشحون في انتخابات الكونغرس الأميركي، مهيباً بالمسؤولين الديمقراطيين إجراء «حوار صريح ومستفيض حول الخيارات التي يمكن أن تجنب الحزب الديمقراطي من الخسارات الفادحة المحتملة».
وأفاد بيضون لـ«صدى الوطن»، بأن أوساط الحزب الديمقراطي في ولاية ميشيغن «تتجنب الحديث عن هذا المأزق الذي لا يستطيع أحد إنكاره»، وقال: «لا أعرف بالضبط، لماذا لا يبحثون عن البدائل.. أعتقد أنهم قلقون ومرتبكون»، معرباً عن أسفه على الحالة التي وصل إليها الحزب الأزرق.
وأضاف بيضون بأن جميع وسائل الإعلام الأميركية، وكذلك وسائل الإعلام الأجنبية، تتحدث حول هذه المشكلة، وتتداول أخبار البحث عن بدائل لترشيح الرئيس، وقال: «يجب على قادة الحزب أن يحسموا هذا النقاش في أسرع وقت تفادياً للاضطراب والتشويش، فعليهم إما تسمية مرشح بديل، أو المضي قدماً في ترشيح بايدن»، مردفاً بالإشارة إلى أن قاعدة الناخبين الديمقراطيين تتقلص بشكل يدعو إلى القلق.
وعبّر بيضون عن ثقته بوجود العديد من المرشحين البدلاء القادرين على استكمال السباق الرئاسي بحظوظ أوفر من حظوظ الرئيس، وقال: «لدي مخاوف عميقة حول أرجحية عودة ترامب إلى البيت الأبيض إذا بقي بايدن على اللائحة الانتخابية»، مشدداً على ضرورة جلاء الصورة الديمقراطية، لأن «الأمور لا يمكن أن تبقى على هذه الشاكلة»، على حد تعبيره.
من جانبه، أكد رئيس «مجموعة عرب أميركيون من أجل ترامب»، الدكتور بشارة بحبح، بأن فرصة الديمقراطيين في حسم السباق الانتخابي باتت «شبه معدومة»، مع ارتفاع شعبية ترامب بعد المناظرة الرئاسية الأولى، لافتاً إلى أن قاعدة التأييد للرئيس السابق ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة.
ولفت الدكتور الفلسطيني الأصل إلى أن ترامب نال زهاء 76 مليون صوت انتخابي في انتخابات العام 2020، مؤكداً بأن الأرقام الحالية تشير إلى ارتفاع ذلك العدد إلى حوالي 84 مليون، وقال: «سواء بقي بايدن في السباق، أو تم اختيار بديل عنه، فإن نتائج الانتخابات المقبلة ستصب في مصلحة ترامب بكل تأكيد».
واستدرك بحبح بالتأكيد على أن معظم الناخبين العرب والمسلمين الأميركيين لن يصوتوا لصالح الرئيس الديمقراطي، أو البديل عنه، وقال: «إننا من حيث المبدأ، لن نصوّت لبايدن بسبب سياساته الداخلية والخارجية، بما في ذلك مواقفه من الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وهذا الموقف لن يتغير في حال قرر الديمقراطيون ترشيح بديل عنه، لأن المرشح الجديد سيحظى بمباركة بايدن».
وأبدى بحبح تفهمه لقلق العرب والمسلمين الأميركيين من تصريحات ترامب حول الحرب في الأراضي المحتلة، بما في ذلك وصفه لبايدن «بالفلسطيني السيء»، وقال: «لقد كانت تلك العبارة زلة لسان، كان ترامب يعني بذلك حركة حماس، وليس الفلسطينيين»، لافتاً إلى أن الرئيس الجمهوري قد يصدر بياناً توضيحياً حول ذلك الشأن خلال الأيام المقبلة.
وأهاب بحبح بالناخبين العرب والمسلمين الأميركيين في عموم الولايات المتحدة، وفي الولايات المتأرجحة كولايتي ميشيغن وأريزونا على وجه الخصوص، بالتصويت للمرشح الجمهوري، وعدم الانجراف وراء الدعوات المطالبة بالتصويت لـ«الخيار الثالث». وقال: «إن فوز ترامب بسباق الرئاسة محقق، وعلى العرب والمسلمين الأميركيين أن يدركوا أهمية أن يكونوا جزءاً من هذا النصر، لكي يتمكنوا من حجز مكان لهم حول الطاولة».
الناشط والحقوقي عامر زهر، أعرب عن يقينه بأن بقاء بايدن أو خروجه من اللائحة الانتخابية لن يغيّر المعادلة في أوساط العرب والمسلمين الأميركيين، لافتاً إلى أن كلا المرشحين الحاليين يدعمان إسرائيل بشكل واضح وعلني. وقال: «بايدن وترامب كلاهما غير مؤهل لقيادة الولايات المتحدة، البلد الأعظم في العالم، كلا الخيارين سيء، وكلاهما يشكل خطراً عليها».
وأوضح رئيس منظمة «جيل جديد من أجل فلسطين»، بأن مشكلة العرب والمسلمين الأميركيين ليست مع الرئيس الديمقراطي على وجه التحديد، وإنما مع معظم المسؤولين الديمقراطيين الذين أيدوا جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة خلال الأشهر التسعة الماضية.
زهر، وهو من منظمي «حملة التخلي عن بايدن» خلال الانتخابات التمهيدية في شباط (فبراير) المنصرم، أكد بأن «بايدن يمثل جميع مسؤولي الحزب الأزرق، وبالتالي فإن ترشيح بديل عنه لن يغيّر في الأمر شيئاً».
وأوضح زهر بأن الخيار الأمثل أمام الناخبين العرب والمسلمين الأميركيين خلال الانتخابات الحالية هو «الخيار الأخلاقي هذه المرة، على عكس المرات السابقة حيث كان الخيار سياسياً محضاً»، داعياً إلى التصويت لمرشحة حزب الخضر، الدكتورة جيل ستاين، التي اتخذت موقفاً حازماً وشجاعاً حيال جرائم الاحتلال في الأراضي المحتلة، والتي دعت منذ اللحظات الأولى إلى وقف إطلاق النار وتجميد المساعدات العسكرية والمالية للدولة العبرية.
Leave a Reply