تقرير أسبوعي من إعداد: وفيقة إسماعيل
جولتنا هذا الأسبوع ستقتصر على البؤرتين الأكثر سخونة في المنطقة العربية، ونبدأها من العراق الذي نجا بأعجوبة –حتى الآن– من الانزلاق نحو فتنة شيعية–شيعية إثر الاشتباكات الدامية التي شهدتها مدينة بغداد بين «سرايا السلام» التابعة للتيار الصدري والقوى الأمنية. وإلى لبنان، الذي يعيش أخطر مراحله، وسط الغموض الذي يحيط بملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل متأرجحاً بين التفاؤل والتشاؤم، في ظل جمود في المسار الحكومي وشبه تسليم بوقوع الفراغ الرئاسي.
العراق
في خطوة لافتة وغير متوقعة، أصدر المرجع الديني العراقي السيد كاظم الحائري بياناً يوم الإثنين الماضي، أعلن فيه اعتزاله المرجعية بسبب المرض والتقدم في العمر، طالباً من جميع مقلّديه «إطاعة قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي وتقليده، لأنه الأجدر والأكفأ على قيادة الأمة وإدارة الصراع مع قوى الظلم والاستكبار».
كما أوصى العراقيين بشكل خاص، بالحفاظ على الوحدة فيما بينهم وبعدم إفساح المجال لإشعال الفتنة والتناحر، وبالحفاظ على «الحشد الشعبي»، مشدّداً على أن من يسعى إلى تفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين، أو يتصدّى للقيادة باسمهما، وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية، فهو في الحقيقة ليس صدريّاً مهما ادّعى أو انتسب، في إشارة واضحة إلى زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر.
ولم يطُل الأمر، حتى أصدر السيد مقتدى بياناً أعلن فيه اعتزال العمل السياسي نهائياً، وإغلاق جميع المؤسسات التابعة له، في خطوة تحصل للمرة السابعة منذ دخوله المعترك السياسي عام 2003، مضيفاً أنه لم يدّعِ يوماً العصمة أو الاجتهاد ولا حتى القيادة، في ردّ منه على بيان السيد الحائري، وأعلن تعليق كل الصفحات الرسمية المرتبطة به، في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن بينها حساب محمد صالح العراقي المعروف بـ«وزير القائد».
خطوة الصدر دفعت بالعديد من أنصاره –الذين كانوا يعتصمون للأسبوع الخامس على التوالي للمطالبة بحل البرلمان وإجراء انتخابات نيابية مبكرة– إلى اقتحام القصر الجمهوري ومقر مجلس الوزراء، ما دفع بالجيش العراقي إلى إعلان حظر التجوال في العاصمة بغداد.
من جانبه، أعلن رئيس مجلس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي تعليق جلسات المجلس بعد اقتحام متظاهرين القصر الحكومي، لتتدحرج الأمور في اليوم نفسه بنحو دراماتيكي، لكنه كان متوقعاً، حيث استُهدفت المنطقة الخضراء بعدد من القذائف والصواريخ، كذلك شهدت شوارع بغداد اشتباكات متنقلة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية امتدت حتى صباح اليوم التالي، ونقلتها وسائل الإعلام على الهواء مباشرة، حيث تعمّد بعضها تأجيجها من خلال بث أخبار كاذبة وتضخيم الوقائع على الأرض، لتصل إلى طريق اللاعودة.
حالة من الهلع سادت الشارع العراقي استدعت مروحة واسعة من الاتصالات للجم التدهور شملت المرجعية نفسها، وأدت في نهاية الأمر إلى خروج زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في مؤتمر صحافي مقتضب، أطلق فيه مواقف لافتة ومسؤولة، مغايرة للمنحى التصعيدي الذي انتهجه التيار خلال الأشهر الماضية، حيث أمهل أنصاره 60 دقيقة للانسحاب من الشوارع، ومن أمام البرلمان تحديداً، وأمرهم بإلغاء الاعتصام، وإلا فإنه سوف يتبرأ منهم. كما كشف السيد الصدر من خلال خطابه، بأنه لم يكن راضياً عمّا تطورت إليه الأمور ووصولها إلى حد الاشتباك المسلح، حين اعتبر أن القاتل والمقتول في النار، وأن «الثورة» بعد ما حصل لم تعد «ثورة»، مبرّئاً «الحشد الشعبي» مما حصل شاكراً إياه والقوى الأمنية ورئيس الحكومة على أدائهم.
وفور انتهاء خطاب الصدر انسحب أنصاره المسلحون من محيط المنطقة الخضراء، وأزيلت العوائق وفتحت الطرقات والمحال وعادت الحياة إلى طبيعتها.
مجريات الأحداث أكدت أن الصدام الذي استُخدمت فيه الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، كان حصراً بين «سرايا السلام» والقوى الأمنية التي أخرجتهم بالقوة من داخل القصر الحكومي والساحات المحيطة به، في منطقة لا تتعدى مساحتها 10 كيلومترات مربعة من المنطقة الخضراء، بحيث لم تتمدد الاشتباكات إلى كل مناطق العاصمة أو باقي المحافظات، كما كان موقف العشائر والشعب العراقي مهماً جداً، لناحية عدم الانجرار إلى الخطاب التحريضي، ووأد الفتنة.
وبالتالي فإن من شارك في أحداث الإثنين الدامية، كانوا مجرد جماعات صغيرة لا تمثل الأكثرية الشعبية، استغلت تحركات أنصار الصدر لتوتير الأجواء أكثر. وقد سقط بنتيجتها 30 قتيلاً وأُصيب 700 آخرون، من بينهم 110 من أفراد القوات الأمنية.
كما حاول تنظيم «داعش» تنفيذ عمليات إرهابية مستغلّاً انسحاب قوات «سرايا السلام» من مدينة سامراء المقدسة وانتقالها نحو بغداد، لكن «الحشد الشعبي» تصدى لهم. وفي تقويم سريع لما حصل يوم الإثنين الفائت، فإن الاقتتال الذي وقع لا بد أن يترك أثره الكبير في نواحٍ عديدة لعل أهمها إدراك جميع القوى السياسية –وفي مقدمتها مفتعلو الأزمة– أن الخاسر الأكبر من أي اقتتال داخلي هو الشعب العراقي، فيما الرابح الوحيد هو من يتربص بالبلاد شراً، وبأن تحريك عجلة الحل والسير في تنفيذ الاستحقاقات الدستورية لم يعد يحتمل التأجيل، وعلى الجميع الدفع باتجاه مفاوضات حثيثة وجادة للتوصّل إلى حلّ سياسي للأزمة السياسية التي تتخبط بها البلاد منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
لبنان
مع بداية شهر أيلول (سبتمبر) تشي الأجواء في لبنان بأن الفترة المقبلة ستشهد الكثير من المنعطفات الخطرة التي تُضاف إلى الاهتراء الذي يتغلغل في كل مؤسسات الدولة ومرافقها، ما قد يدفع البعض إلى سلوك خيارات متهورة تزيد الطين بلة، في ظل تقارير أمنية تحذر من أسابيع ساخنة، فيما الاشتباك السياسي يتفاقم يوماً بعد يوم على صلاحيات الرئاسة وإمكانية نقلها إلى حكومة تصريف الأعمال أو حكومة معوّمة من عدمه.
ففي ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، تبلغت بيروت من الوسيط الأميركي عاموس هوكستين تأجيل عودته إلى العاصمة اللبنانية إلى السابع من الشهر الحالي. وفي المعلومات المسرّبة، فإن هوكستين يراهن على موافقة تل أبيب على مطالب لبنان مثلما يراهن على مرونة لبنانية في بعض التفاصيل، وسط الحديث عن جهود حثيثة تُبذل مع «حزب الله»، يقودها الأوروبيون بطلب من إسرائيل، لثنيه عن الإقدام على أي عمل عسكري ضد منشآتها البحرية قبل انتهاء المفاوضات وحسم نتيجتها سلباً أم إيجاباً.
تزامناً، يقوم بعض الشركات الأجنبية مع الأطراف المعنيين باتصالات مكثفة لاستكشاف الواقع الميداني لضمان سلامة سفنه وطواقمه، ولا سيما بعد أن سادت أجواء من التوتر أشاعتها وسائل إعلام إسرائيلية تفيد باحتمال وقوع مواجهة عسكرية مع لبنان.
وبعد أكثر من اجتماع عقده مع مسؤولين وموفدين إسرائيليين، تحدث هوكشتين عن حل وسط يمنع الانفجار ولا يربط المسائل بعضها ببعض، يسمح بمنح الأطراف الفرصة الكافية لترتيب أمورهم، وبتمرير الانتخابات الإسرائيلية كأولوية أميركية، ويتلخص هذا الحل بإعلان إسرائيل تأجيل الاستخراج من حقل «كاريش» بالنزامن مع إعلان «توتال» الفرنسية والشركات العالمية الأخرى نيتها استكمال التنقيب في الحقول اللبنانية. حل يشبه وضع الملف في ثلاجة الانتظار، لمصلحة إسرائيلية مؤكدة بانتظار طارئ ما قد يبدّل الوقائع.
على مسار التشكيل، وبعد سجال بين فريقي الرئاستين الأولى والثانية، زار رئيس الحكومة المكلفَّ نجيب ميقاتي يوم الأربعاء الماضي، قصر بعبدا، في مؤشر إيجابي لكنه لا يرقى إلى إمكانية التأليف، وما يؤكد ذلك التزام ميقاتي الصمت بعد خروجه. رغم ذلك، أكدت مصادر مطلعة استعداد ميقاتي لتقديم تنازلات لعون، حيث بات يتقبل تسمية رئيس الجمهورية للوزيرين البديليْن عن وزير الاقتصاد ووزير المهجرين لكونهما من حصته، لكن آخرين يبدون تشاؤماً حيال موقف ميقاتي بالنظر إلى التجارب السابقة معه.
أما على جبهة الاستحقاق الرئاسي، التي تتداخل فيها جميع العوامل الداخلية والخارجية، فإن «حزب الله» الذي يعتبر اللاعب الأقوى في هذا الملف، لم يقل كلمته بعد. وإذ تبدو المرحلة المقبلة مرحلة ترتيب أولويات وتفتيش عن الرئيس ومواصفاته يواصل نواب المعارضة اجتماعاتهم وينوون التقدم بمبادرة رئاسية يوم السبت المقبل، وسط اتهامات للرئيس ميشال عون بمحاولة تعويم صهره النائب جبران باسيل.
غير ذلك، فإن الذهاب نحو الفراغ الرئاسي سيحرّر الأطراف الداخليين من تبعات الشروط والحملات التصعيدية، ولن يكون وقتذاك لأي طرف داخلي وحده الأخذ بزمام المبادرة.
إلى جنوب لبنان، وخلال لقاء جماهيري حاشد في مدينة صور لمناسبة الذكرى 44 لإخفاء السيد موسى الصدر ورفيقيه، ألقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، خطاباً استهلّه كالعادة بتحميل النظام الليبي السابق مسؤولية جريمة إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه، وشدد فيه على حق لبنان في ثرواته الغازية والنفطية، معتبراً أن الكرة الآن في ملعب المفاوض الأميركي.
وفي موقف متماهٍ مع «حزب الله» قال بري: «سنكون حاضرين للدفاع عن مياهنا كما دافعنا عن أرضنا ونحن لن ننتظر إلى ما لا نهاية». كما أشار بري إلى أن لبنان يمر بأسوأ وأخطر مرحلة عرفها في تاريخه الحديث، متوجهاً إلى المراهنين على خلاف بين «أمل» و«حزب الله» بأنهم «واهمون».
رئيس المجلس أكد أيضاً أنه يشجع عقد لقاء عام للاتفاق على الاستحقاقات المقبلة. وفي ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي قال: «سنقترع للشخصية التي تؤمن بأن إسرائيل تمثل التهديد الأول للبنان ودوره وموقعه والتي تؤمن بعروبة لبنان والتي توحد ولا تفرق وتمتلك حيثية وطنية لا لشخصية تكون هي التحدي» مجدّداً التزامه بالقضية الفلسطينية ووقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني.
Leave a Reply