سامر حجازي – «صدى الوطن»
التقى مدير مكتب التحقيقات الفدرالي فـي ديترويت بول أباتي، يوم الأربعاء الماضي، مع قيادات سياسية وحقوقية من الجالية العربية لمناقشة تقرير إعلامي نشرته صحيفة «ديترويت نيوز» عن طائرة استطلاع تابعة للـ«أف بي آي» قامت بالتحليق فوق ديربورن بغرض التجسس على العرب والمسلمين من سكانها، بحسب زعم الصحيفة.
جانب من الإجتماع في مقر «صدى الوطن» |
الاجتماع الذي انعقد فـي مقر «صدى الوطن»، بدعوة من ناشر الصحيفة ورئيس تحريرها أسامة السبلاني، خرج بأجواء إيجابية، حيث طمأن أباتي الحضور بأن ليست هناك برامج مخصصة لمراقبة العرب والمسلمين، داعياً الى تهدئة المخاوف التي أثارها التقرير الصحفـي.
وأكد أباتي أن الوكالة «لا تستخدم برامج المراقبة لاستهداف جماعات عرقية أو دينية»، مشيراً الى ان مكتب التحقيقات الفدرالي يستخدم بشكل روتيني مصادره الجوية فـي كافة أنحاء البلاد للمساعدة فـي التحقيقات الجنائية التي تستهدف أفراداً معينين لا جماعات.
وكانت صحيفة «ديترويت نيوز» قد نشرت تقريراً صباح الأربعاء الماضي يكشف بأن طائرة مرتبطة ببرنامج المراقبة والاستطلاع لدى الـ«أف بي آي» المخصص لرصد تحركات الإرهابيين المشتبه بهم والمجرمين، وهي من طراز «سيسنا»، قامت مؤخراً بعدة طلعات جوية فوق مناطق متعددة من مترو ديترويت، لكن التقرير أشار الى تحليق مكثف نسبياً فوق منطقة جنوب غربي ديربورن التي كانت هدفاً لطلعتين جويتين خلال الأسبوع الماضي.
التقرير نُشر تحت عنوان «طائرة تجسس تابعة لـ«أف بي آي» تتقصد منطقة ديربورن»، وانتشر على الفور عبر وسائل الإعلام المختلفة، ليثير موجة المخاوف فـي أوساط الجالية العربية فـي منطقة ديربورن لاسيما وأن المدينة كانت ولا تزال عرضة لحملات اعلامية تحريضية منذ سنوات طويلة.
ويعد تقرير «ديترويت نيوز» أحدث حلقة فـي سلسلة من التقارير التي تحدثت عن قيام الوكالات الفدرالية بالتجسس على ديربورن، المدينة ذات الكثافة العربية.
ففـي العام الماضي، صدر تقرير عن نشرة «ذي إنترسبت» الالكترونية حول ما سمي حينها بقائمة حكومية مزعومة للمدن التي فـيها أكبر عدد من الارهابيين المحتملين، وقد وضعت ديربورن فـي المرتبة الثانية على مستوى الولايات المتحدة بعد نيويورك، بالرغم من الفارق الشاسع فـي نسبة عدد السكان، واللافت أن التقرير المذكور، لم يتم تأكيده أو نفـيه حتى اليوم بالرغم من خطورته والهمروجة الإعلامية التي أحدثها.
الطائرة، التي ذكرها تقرير «ديترويت نيوز»، هي من طراز «سيسنا-سكاي لاين» ذات المحرك الواحد موديل ٢٠١٠، تخضع لنظام صارم تابع لوزارة العدل، وهي تمتثل امتثالاً كاملاً للقوانين وللمبادئ التوجيهية لوزير العدل.
ووفقاً للتقرير، أظهرت بيانات الرحلة ان الطائرة قامت بالتحليق فوق ديربورن بشكل دائري على ارتفاع ميل واحد فقط، وذلك يومي السبت والأحد الماضيين، وكذلك فوق المدن المجاورة مثل ألين بارك وملفـينديل وديربورن هايتس وتايلور.
ورصد نشاط الطائرة لأول مرة عند الساعة ٥:٥١ عصر السبت الماضي، وهي تحلق فوق حي سكني فاخر يفوق سعر المنزل الواحد فـيه ٣٠٠ ألف دولار فـي بلدة هاريسون، شمال مترو باركواي فـي مقاطعة ماكومب. وأكملت الطائرة مسارها بطريقة «زيغ زاغ» فوق البلدة وبلدة كلينتون تاونشيب، قبل أنْ تتوجه جنوباً وتقطع المسافة متوجهة نجو الغرب عبر هامترامك وديترويت. وبحلول الساعة ٧:٣٢ مساء، كانت الطائرة قد أصبحت فـي سماء ديربورن، حيث هبطت الى ارتفاع ميل واحد وغطت العديد من المعالم السياحية والصناعية والدينية فـي المدينة.
و وفـي حين أن «ديترويت نيوز» التي اعتمدت على الموقع الالكتروني flightradar24.com لرصد وتتبع مدة الطلعات الجوية، حصرت القضية بإصرارها على «أن مكتب التحقيقات الفدرالي كان يتجسس على السكان العرب والمسلمين»، غير أن أطول مدة لتحليق الطائرة فـي منطقة ديربورن حصلت فوق غرب المدينة، حيث عدد السكان العرب الأميركيين هو أقل من شرق ديربورن
ولا يبدو ان الاستطلاع والمراقبة الأمنية تقتصران على مترو ديترويت فقط. إذ تظهر السجلات، أن مكتب التحقيقات الفدرالي نفذ أكثر من مئة رحلة جوية مشابهة فـي ١١ ولاية خلال آخر ٣٠ يوماً.
فـي جميع الأحوال نجح تقرير «ديترويت نيوز» فـي إثارة مخاوف الجالية العربية، حيث عبر العديد من السكان عن هواجسهم التي تراوحت بين الاعتراض على العنصرية واستهداف ديربورن بسبب الحضور العربي القوي فـيها، وصولاً الى المخاوف من أن تكون لهذه الطلعات الجوية صلة بتهديدات إرهابية محتملة، وهو ما دفع «صدى الوطن» الى الاتصال بمكتب الـ«أف بي آي» فـي ديترويت قبل أن يدعو السبلاني الى عقد اجتماع عاجل ضم مسؤولين فدراليين وقياديين بارزين فـي الجالية.
مكتب ديترويت أكد خلال اتصال هاتفـي سبق الاجتماع أنه ليس على علم بوجود أية تهديدات ارهابية جدية فـي منطقة ديترويت، وشدد على أن الوكالة الفدرالية لم تكن تستهدف فئة معينة فـي طلعات طائرة المراقبة خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي. وقال المكتب فـي بيان إنه «خلافا لايحاءات بعض تقارير وسائل الإعلام مؤخراً، يهمّ مكتب التحقيقات الفدرالي ان يعلن انه لا يستخدم مصادره الجوية لإجراء مراقبة جماعية ولا لاستهداف مجتمعات محددة»، وأضاف أن «أف بي آي» لا يقوم بمراقبة النشاطات المكفولة فـي التعديل الأول من الدستور (حرية الرأي والحركة وحقوق أخرى). و«علاوة على ذلك، فإن مكتب ديترويت الميداني ليس على علم بأي تهديدات محددة أو ذات مصداقية فـي منطقة مترو ديترويت».
وكرر مسؤولو الــ«أف بي آي» ما ورد فـي بيان صحفـي صدر فـي شهر حزيران (يونيو) الماضي مؤكدين أن الطائرات المستخدمة فـي برنامج المراقبة غير مجهزة ومصممة أو مستخدمة لجمع المعلومات بشكل شامل. كما أنها ليست مجهزة بتكنولوجيا تماثل أبراج الهواتف الخلوية وليست قادرة على اعتراض الاتصالات من الهواتف المحمولة والأجهزة اللاسلكية.
وتشير تقارير الى أن طائرات المراقبة التابعة للـ«أف بي آي» مجهزة بكاميرات ذات تقنية عالية وتكنولوجيا حديثة تسمح للوكالة بتتبع الأفراد واقتفاء أثرهم عبر هواتفهم المحمولة.
وكان فرع ميشيغن التابع لـ«مجلس العلاقات الاسلامية الأميركية» (كير) قد سارع الى الرد على تقرير «ديترويت نيوز»، حيث أعرب المجلس فـي بيان صدر بعد ظهر الأربعاء الماضي عن مخاوفه من استمرار استهداف الوكالات الحكومية للمجتمعات الإسلامية.
وقال مدير «كير-ميشيغن»، داوود وليد فـي البيان إنه «نظرا للأدلة القاطعة على أن مكتب التحقيقات الفدرالي قد شارك فـي مسح مواقع المسلمين فـي ديربورن، نعبر عن قلقنا من ان استخدام طائرة تجسس يشير إلى زيادة وتيرة التجسس المنتهِك لخصوصية المجتمع الاسلامي»، وأضاف وليد «عندما يصبح حق الخصوصية مهدداً لدى الأقليات تحت مظلة غامضة تتعلق بالأمن القومي، تعتبر هذه إشارة الى وجود تهديدٍ واضحٍ للحريات المدنية للجميع فـي المجتمع».
نتائج الاجتماع مع أباتي
وفـي مساء اليوم نفسه، انعقد الاجتماع التوضيحي فـي مكتب «صدى الوطن» بمدينة ديربورن بحضور أباتي ومسؤولين فدراليين وبمشاركة عضوة مجلس النواب الأميركي الديمقراطية ديبي دينغل وقيادات عربية، مثل علي جواد وشاكر عون والدكتور يحيى الباشا الرئيس المشارك للقاء «بريدجز» والمحامي عبد حمود وممثلين عن مؤسسات اجتماعية ودينية الى جانب حقوقيين بينهم مديرة مكتب ميشيغن فـي «اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز» (أي دي سي) فرع ميشيغن، المحامية فاتنة عبدربه، ورئيس «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» (ACRL) المحامي نبيه عياد والإمام محمد مارديني، ورئيس «أيباك» المحامي علي حمود، والمحامي هلال فرحات، ورئيس كونغرس المؤسسات العربية علي بري والناشط اليمني علي بلعيد المكلاني ممثلاً جمعية «يابا» وعضو مجلس بلدية ديربورن مايك سرعيني وآخرين.
من جانبه، قال السبلاني فـي مؤتمر صحفـي عقد بعد الاجتماع وحضرته وسائل إعلام أميركية، إن مسؤولي الـ«أف بي آي» أكدوا أنه لا يتم استهداف الجالية على نطاق واسع فـي النشاطات التجسسية للوكالة، على الرغم من استهداف أفراد منها. وأوضح السبلاني بأنه «لا توجد مراقبة خاصة للجالية من أي نوع كان. ونحن نؤيد أي جهد يقوم به «أف بي آي» لحماية بلدنا ووطننا، طالما أن نشاط الوكالة يلتزم بسقف القانون والدستور، فـي ملاحقة واستهداف المجرمين».
بدوره، قال عياد فـي المؤتمر الصحفـي إن التقارير المضللة التي غالباً ما تستهدف الجاليات العربية والإسلامية قد زعزعزت الثقة بين الناس والسلطات الفدرالية، غير أنه أثنى على مدير مكتب «أف بي آي» فـي ديترويت، لتحركه السريع واحتوائه الموقف ومعالجة ذيول هذه القضية. وتابع بالقول إن «شخصية أباتي وعلاقته الممتازة مع هذه الجالية، مكنت من بناء جسر ثقة ربما لا مثيل له فـي هذا البلد»، وأشاد المحامي العربي الأميركي بـ«هذه العلاقة القوية، التي وصلت إلى حد أنه أبلغنا بعد ظهر اليوم أنه لا توجد مراقبة جماعية مستمرة»، وذلك بعد ساعات قليلة على صدور التقرير.
وأشار عياد إلى أن رابطة الحقوق المدنية (ACRL) دعت وزارة الخارجية الأميركية، قسم الحقوق المدنية، والمدعية العامة الفدرالية للمنطقة الشرقية من ميشيغن باربرا ماكويد، إلى إجراء تحقيق حول دقة التقرير. أما المحامية عبدربه فقالت إن «أي دي سي» ستطلب أيضاً المزيد من التحقيق فـي هذا الملف، لكنها أعربت عن سرورها من كيفـية تعاطي الــ«أف بي آي» مع الموقف.
ومضت للقول «إنَّ أي أشكال حول التنميط العنصري أو التجسس الجماعي، ولو كان مجرد ادعاء أو اتهام، يثير قلقاً لدى العرب الأميركيين والمسلمين، الذين غالباً ما يتم استهدافهم ظلماً لأسباب سياسية مهيمنة. لذا نحن نرى فـي ذلك فرصة لمواصلة هذا الحوار ونقدر فـي هذا الإطار الاعتبار الذي أظهره (بول أباتي) وأولاه للجالية الإسلامية والعربية لكننا سنستمر فـي متابعة ورصد هذه المسألة».
أما النائبة دينغل فأبلغت الصحفـيين «ان تركيز وسائل الإعلام المستمر على ديربورن يسبب الضرر للمجتمع المحلي». وأضافت «إنهم أميركيون، يعيشون هنا لأنهم يحبون هذا البلد. هلا نتذكر ما فعله هذا البلد باليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية؟ الناس هنا يريدون فقط أن يعرف العالم أنهم أميركيون يحبون هذا البلد.. لكننا لا نتحدث عن ذلك بما يكفـي». ورددت عبدربه أصداء تلك المشاعر، مشيرة إلى أن قدر الجالية التعامل باستمرار مع السحب الإعلامية السوداء التي تثيرها التقارير غير المسؤولة فـي وسائل الإعلام.
واستطردت بأنه لا يمكن محو الماضي، «فبالرغم من تطمينات أباتي التي تستحق كل التقدير منا، فإن نتائج وتأثيرات التقرير ستبقى ماثلة على أرض الواقع وتترجَم بتمييزٍ أكثر وعلى نطاق اوسع ضد العرب الأميركيين فـي هذا البلد».
وقال السبلاني أنه دعا أيضاً لعقد اجتماع مع ناشر «ديترويت نيوز» ورئيس التحرير جوناثان وولمان لبحث تضمين حساسية وشفافـية أكبر فـي تقارير الصحيفة حول الجالية الإسلامية والعربية فـي مترو ديترويت.
Leave a Reply