Vanity is so secure in the heart of man that everyone wants to be admired: even I who write this, and you who read this.
Blaise Pascal
«الغرور له موقع أثير في قلب كل شخص، فكل امرئ يريد أن يكون موضع إعجاب الآخرين، حتى أنا كاتب هذه السطور والقارئ الذي يقرؤها».
بلايز باسكال، فيلسوف وفيزيائي فرنسي.
قلنا في مقال سابق إن الخطة والإستراتيجية من أهم أسرار نجاح أي شخص أو مجموعة. لكن قبل أن نتكلم عن أي خطة لا بد أن نبدأ بإزالة بعض العوائق التي من شأنها أن تُفشل أكبر خطة وأهم إستراتيجية.
الغرور والشخصانية هما يشكلان معاً الإسفين الأول الذي يدق في نعش أي عمل جماعي، هما يسببان فشل أي جهد مهما بلغت أهميته.
قد يكون الغرور والاعتداد الزائد بالنفس مصدر نجاح للفرد في عمل فردي، فهو يعطي صاحبه شعوراً بالثقة ويمنحه القدرة على المنافسة في مقابل شخص آخر. لكن أي مجموعة أو مجتمع ناجح لا يمكن أن يحقق أي تقدم إذا كان افراده الناجحون يسعون لإشباع غرورهم وحب الظهور لديهم.
في مجتمعنا العربي داخل أميركا، ووسط هذه الجالية بالتحديد، قصص نجاح عظيمة وعديدة على الصعيد التجاري. فقد حقق العرب الأميركيون قفزات هائلة في مجال الاعمال ويوجد العديد من الأمثلة لرجال ونساء عصاميين بنوا أنفسهم من العدم وسطروا انجازات في أوقات قياسية وبإمكانات ضئيلة.
وكذلك على الصعيد العلمي، فشباب اليوم وخريجو الجامعات يحتلون مراتب عالية في شتى العلوم من طب وهندسة ومحاماة. وهناك أمثلة عديدة لا مجال هنا لذكرها عن عائلات استثمرت كل ما تملك في تعليم ابنائها وحصد هؤلاء ما بذر فيهم أهلهم من دفع نحو العلم وتبوؤا باجتهادهم أعلى المراكز.
وكذلك هي الحال في ميادين أخرى، حيث أثبت العرب الأميركيون أنهم يبرعون أينما حلوا وفي أي مجال عملوا.
كلنا نفتخر بقصص النجاح تلك، ولكل بيت من بيوت جاليتنا قصة كفاح يرويها. ومع ذلك تجدنا مقصرين حين يأتي الحديث عن انجازات حققتها الجالية ككل. وهذا برأيي يعود إلى عوامل عديدة رأسها غياب الجهد الموحد وأول أسباب ذلك نزعة الشخصنة في معظم اعمالنا.
نعم، نحن نعرف كيف ننجح كأفراد ولكننا لم نتعلم بعد كيف نعمل كمجموعة لننجح كمجموعة.
مشكلتنا أن البعض حين ينجح ينأى بنفسه عن المجتمع الذي أنجبه والذي ربما كان سبباً في نجاحه. حاله كالذي ولد لأبوين فقيرين معدمين سهرا ليتعلم وينجح، ولما وصل إلى المال والعلم صار يستحي من فقر أبويه.
لا يمكن لأحد أن يدعي أن بيئته ومجتمعه لم يؤثرا به. فكل واحد منا هو حصيلة ما بذره أبواه أولاً، ثم المجتمع الذي نشأ فيه ثانياً.
لذا فكما ان برُّ وشكر الأبوين واجب أخلاقي، كذلك أن نبقى بررة للمجتمع الذي حضننا وساهم في صقلنا هو واجب أخلاقي أيضاً. وهذا الأمر معروف في أوساط كل مجتمع ناجح في أميركا، رد الجميل (Giving back) للمجتمع أو الجامعة أو المؤسسة أو المدرسة أو أي مجموعة منحتني شيئاً ساعدني في أن أصل الى ما أنا عليه اليوم.
خلال تجوالي في محل اميركي لبيع الكتب المستعملة خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت لفتني ملصق (poster) للبيع من إعداد إحدى الجمعيات اليهودية، وهوعبارة عن تواريخ ومحطات للنجاحات اليهودية في أميركا منذ سنة 1650 وحتى عام 2002.
وقد قسم لجدول وصور ذكرت فيه تواريخ ومحطات رئيسة منها إنشاء أول معبد يهودي في أميركا (سيناغوغ) وأول مدرسة عبرية وأول رئيس بلدية يهودي ثم أول عضو كونغرس، وتأسيس جامعة يهودية وغيرها من التواريخ والأحداث «المشرقة» في قصة نجاح الجالية اليهودية في هذا البلد وصولاً إلى خوض جوزف ليبرمان معركة الرئاسة كأول نائب رئيس يهودي مع المرشح الرئاسي آل غور عام 2000.
الشاهد هنا أن مجرد النظر إلى هذا الجدول من الانجازات خلال 450 سنة من تواجد اليهود كما يزعمون في هذا البلد، يستنتج الناظر أنه لولا الجهد الجماعي والوعي الجماعي الجبار لما نجح هؤلاء، ولما نجح الفرد منهم في نهاية المطاف في الوصول إلى معركة الرئاسة كنائب رئيس.
والجدير بالملاحظة أيضاً أن معظم أقطاب الجالية اليهودية في أميركا والناجحين فيها يفاخرون بانتمائهم الى جاليتهم ويدافعون عنها أيما دفاع، لا يخجلون منها ولا يتوانون عن نصرة أفرادها وقضاياها.
فما الذي ينقصنا أن نكون كذلك ونحن ندّعي أن تبنّي القول: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً».
إذاً فلنجير اهدافنا الشخصية لخدمة هذا المجتمع الذي انتجنا لعل ذلك يعود بالفائدة إن لم يكن علينا فعلى واحد أو واحدة من أولادنا. من يعلم فلربما نجحت إحدى بنات هذه الجالية في التربع على كرسي الرئاسة في المستقبل فالجمال ليس آخر الخصال فيهن!
إن الشخصنة والأنا لن تصنع أي مستقبل لنا هنا، وفي بلادنا العربية خير أمثلة عن الدرك المنحدر الذي اوصلتنا إليه عبادة الشخص وحب الذات.
لا ينقصنا سوى الاخلاص والتعاون والرغبة المقرونة بالوعي لضرورة التغيير. ولا بأس بقليل من التفاعل، فبوادر الخير بادية في الوجوه الشابة التي تترشح للإنتخابات المحلية في ديربورن، تلك بداية وإذا عملنا كوحدة متراصة فمن نجاح لآخر.
ليس هدفنا من الخوض في غمار هذا الحديث توجيه الإنتقاد فحسب، بل هو دعوة نفكر من خلال هذا النقد الذاتي في آليات وسبل للنهوض بهذا المجتمع. بالرغم من أن الأفراد هم من يصنع نسيج هذا المجتمع إلا أنهم بحاجة للعمل من خلال المؤسسات كما هي حال كل المجتمعات الناجحة في أميركا. سنتابع في مقالات لاحقة الحديث عن نقاط القوة والضعف لجاليتنا علنا نصل لتلك الإستراتيجية المنشودة.
Leave a Reply