كمال ذبيان – «صدى الوطن»
قبل تسع سنوات، وقع العدوان الإسرائيلي على لبنان ومقاومته وجيشه وشعبه، ومنذ ذلك الحين، وقادة العدو يحسبون ألف حساب لأي مغامرة جديدة لهم فـيه، وبعد أن رحل جيشهم مرغماً عن الجنوب بفعل عمليات المقاومة فـي 25 أيار 2000، قرروا أن يعاودوا اعتداءهم من جديد، فكان 12 تموز صيف 2006، رداً على عملية اختطاف جنودٍ من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، المحاذية للشريط الشائك فـي بلدة عيتا الشعب، لمبادلتهم بأسرى لبنانيين وفلسطينيين ومنهم عميد الأسرى سمير القنطار فـي السجون الإسرائيلية، وكان العدوان مخططاً له من قبل القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية، وتحديداً رئيس الحكومة إيهود أولمرت، ورئيس الأركان داني حالوتس، والهدف هو القضاء على المقاومة وترسانتها الصاروخية، التي قدرها الكيان الصهيوني ما بين 12 و14 ألف صاروخ تهدد الأمن الإسرائيلي، لاسيما مستوطناته فـي الجليل المحتل، والموانئ والمرافق الصهيونية.
حصل العدوان ودام 33 يوماً، وانهزم الجيش الذي لا يُقهر والمصنف الرابع فـي العالم من حيث الجهوزية البشرية والتدريبات ونوعية السلاح الذي يملكه، فشكّلت هزيمته دوياً داخل الدولة العبرية، التي شكّلت لجنة تحقيق سميت باسم رئيسها «فـينوغراد» لتخلص فـي تقارير لها، الى ضعف الأداء العسكري للقوات البرية، وعلى عدم فعالية سلاح الطيران فـي ضرب قواعد صواريخ المقاومة، وشل قدرة البحرية بعد قصف البارجة «ساعر» فـي عمق البحر فـي المياه الإقليمية، بعد 48 ساعة على بدء العدوان، وهو ما شكّل صدمة للمؤسسة العسكرية ونكسة للمواطنين الصهاينة الذين وُعدوا من قادتهم، أن الحرب لن تدوم أكثر من 72 ساعة ويكون قُضي على المقاومة ودُمّر سلاحها النوعي لا سيما الصواريخ منه، لكن هذا الوعد كان كاذباً، إذ أمطرت المستوطنات بالصواريخ، فلم يرَ المستوطنون ملاجئ تؤويهم، لأنه توقف تأهيلها وتجهيزها، ولم تعد الحاجة الى أن يهرع الإسرائيليون الى الملاجئ، بعد أن سكتت الجهات العربية معها.
والمفاجأة التي أذهلت الدولة العبرية، أن المقاومة كانت تمطر كل مساحة فلسطين المحتلة من شمال الجليل الى الجنوب فـي النقب وعمقها فـي تل أبيب وساحلها من حيفا، وهو وضع لم يعرفه اليهود فـي تاريخ حروبهم مع الأنظمة العربية، ولا فـي اعتداءاتهم المتكررة على لبنان، منذ نهاية الستينات فـي القرن الماضي، مروراً باجتياح لبنان فـي العام 1978 وغزوه فـي العام 1982، والدخول قبل ذلك الى مطاره الدولي فـي العام 1968 ونسف طائراته، الى اغتيال ثلاثة من قادة المقاومة الفلسطينية فـي نيسان من العام 1973، وهم كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار.
هكذا كانت «إسرائيل» تنظر الى لبنان، وتعتبره الحلقة الأضعف بين الدول العربية، لا بل الدولة الوحيدة التي يمكن دخوله بالدراجات الهوائية تقودها مجندات، لكن المشهد تغيّر، والتقدير العسكري تبدّل، منذ النتائج التي حصدها الغزو الصهيوني للبنان فـي العام 1982، وخروج المقاومة الفلسطينية منه، إذ ظهرت المقاومة الوطنية والإسلامية، وبدأت عمليات المقاومة من بيروت، التي خرج منها جنود الإحتلال، وهم يصرخون لا تطلقوا النار علينا إننا راحلون، ليشمل الإنسحاب بعد ذلك الجبل وشرق صيدا وجزين والنبطية وراشيا والبقاع الغربي، بعد أن تمّ إسقاط المشروع السياسي الإسرائيلي الممثل بإتفاق 17 أيار، ويبدأ عصر المقاومة الذي امتد على مدى عقدين تكبّد الإحتلال وعملاؤه خسائر مادية وبشرية، ولم يسكت قادة العدو على اندحارهم من لبنان فـي العام 2000، فحاولوا تكرار التجربة فـي العام 2006، فكانت الهزيمة الثانية من نصيبهم، لتخلق المقاومة قوة ردع فـي وجه العدو الإسرائيلي الذي ومنذ تسع سنوات يفكر بالإنتقام، لكنه يتردد، بالرغم من أنه أجرى سبع مناورات، وعزز ترسانته العسكرية، بما سمي «القبة الحديدية» لمنع الصواريخ من تحقيق أهدافها، كما جرى تمتين «الجبهة الداخلية» التي انهارت فـي حرب تموز، وأثّرت على معنويات الضباط والجنود فـي أثناء القتال، حيث كانت الجثث تصل من المعارك التي أُدخل إليها سلاح البر، بعد أن فشل سلاحا الجو والبحر من تحقيق أهدافه، فدخل 35 ألف جندي وضابط، المعركة، ومنهم من ألوية النخبة فـي الجيش الإسرائيلي، فوقعوا فـي كمائن المقاومة فـي مارون الراس وبنت جبيل والطيري والغندورية، وحاولت دبابات «الميركافا» التقدم من سهل الخيام، فطالتها صواريخ المقاومة وقذائفها، ثمّ جرت محاولة أخرى من وادي الحجير، حيث كانت مجزرة الدبابات، فخسر العدو ما بين 14 و22 دبابة من الجيل الرابع المتطور، وقتل العشرات من ضباطها وجنودها.
ومعركة الحجير، هي التي يؤسس لها «حزب الله» فـي أي عدوان يشنّه العدو الإسرائيلي على لبنان، ويحاول غزوه، وهذه الإستراتيجية تحدّث عنها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، فـي مهرجان الإنتصار بالذكرى التاسعة، فـي وادي الحجير، حيث أرسل رسالة واضحة لقادة العدو، أن هذا ما ينتظركم فـي لبنان إذا ما قررتم غزوه، فلم يعد ذلك نزهة إليكم، وبأن تصلوا الى مشارف عاصمته فـي أقل من أسبوع، كما حصل فـي العام 1982، وأن تعتمدوا سياسة الأرض المحروقة كما يؤكد قادة العدو العسكريين عن استراتيجية الضاحية الجنوبية، فـيهددون بتدميرها كلياً، ويشملون معها بيروت، التي حاولوا تحييدها فـي العام 2006، كي لا يحرجوا الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة، التي كانت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندليزا رايس تضغط ، للقبول بقرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع، تدخل فـيه قوات أطلسية لإنهاء وجود المقاومة، بعدما عجزت «إسرائيل».
فاستراتيجية الضاحية التي يهدد بها العدو الإسرائيلي، ردّ عليها السيد نصرالله، باستراتيجية الحجير، التي تعني الإشتباك المباشر مع قوات العدو فـي داخل لبنان، كما فـي فلسطين المحتلة، بالعبور الى المستوطنات، وإسقاط الخط الأحمر وليس الأزرق المرسوم دولياً، وتكون المقاومة قد بدأت فعلياً معركة تحرير فلسطين، وهو ما بدأ يقلق قادة العدو، الذين يأخذون تهديدات نصرالله على محمل الجد، وقد كان صادقاً فـي ما يعد به، وسمي النصر الذي حققته المقاومة فـي صد عدوان تموز 2006، بالوعد الصادق، وهذا ما بات يقلق المستوطنين الذين ينتظرون ما سيقوله الأمين العام لـ «حزب الله»، ليبنوا مواقفهم وخياراتهم، إذ تمّ تسجيل هجرة معاكسة من الكيان الصهيوني بعد صيف 2006، وستزيد هذه الهجرة، مع نشر المسؤولين الإسرائيليين معلومات تشير الى أن المقاومة تملك حوالي 180 ألف صاروخ، منها «أس – أس 300» وفاتح – 1 وشهاب، وقذائف «كورنيت» متطورة، وباستطاعتها رمي ألف صاروخ يومياً على معاقل الكيان الصهيوني لتزلزله، ويمتد القصف ما بين ستة أشهر وسنة، لا يستطيع المستوطنون تحمله وفق تقارير عسكرية، إذ أن استراتيجية تدمير الضاحية، ستقابلها المقاومة باستراتيجية تدمير مقابلة لكل شمال فلسطين المحتلة، حيث كثافة السكان فـي هذه المنطقة إضافة الى مرفأ حيفا وخزانات النفط ومصانع البتروكيماويات، كما أن السيد نصرالله وفـي الحرب السابقة وضع معادلة تل أبيب مقابل بيروت، وهذا التهديد حيّد العاصمة اللبنانية عن استهداف الطائرات لها، والتي سيتم تعطيل حركتها فـي أية حرب مقبلة، مع امتلاك المقاومة لأسلحة مضادة للطائرات، ستكون مفاجأة الحرب المقبلة إن وقعت، إضافة الى الطائرات من دون طيار، التي لدى المقاومة، وستلجأ إليها، وأجرت أكثر من تجربة حولها، فتمكّنت من التحليق لساعات فـي سماء فلسطين المحتلة، دون أن تتمكّن منها «الرادارات» وسلاح الجو الإسرائيلي.
لقد تأمّن للبنان, الردع, لمواجهة أي عدوان إسرائيلي، ولم يعد هذا البلد ضعيفا، بل باتت «إسرائيل» هي الضعيفة أمامه، لأن أمنها القومي الذي كانت تقيسه على مدى الشرق الأوسط وصولاً الى الشرق الأقصى، قد تراجع وانحسر الى حدود دولة تزنّر أرضها بجدار فاصل، لمنع تسلل المقاومة، كما سقطت نظرية السلاح المتفوق لديها، مع مئات آلاف صواريخ المقاومة، التي لن تصدأ فـي المخازن، كما أعلن البعض فـي لبنان من قوى 14 آذار، بعد صدور القرار 1701 عن مجلس الأمن الدولي الذي أوقف إطلاق النار، ولم يوقف الحرب المفتوحة مع العدو الإسرائيلي، والذي جرّب المقاومة قبل أشهر باستهداف مجموعة لها بقيادة جهاد مغنية نجل عماد مغنية الذي اغتاله «الموساد الإسرائيلي» فـي دمشق، وسقط جهاد فـي ريف القنيطرة حيث كان ينشئ خلايا للمقاومة من أبناء الجولان المحتل، لبدء عمليات تحرير هذه المنطقة كما حصل فـي جنوب لبنان، لكن العدو اكتشف تحركه، فقصف موكبه مع ضابط إيراني، فكان رد المقاومة سريعاً، بعملية استهدفت دورية للإحتلال فـي مزارع شبعا فقُتل وجُرح أفرادها، ولم تلجأ «إسرائيل» الى توسيع العدوان، وبلعت رد المقاومة التي أكّد قائدها، أن إنشغالها فـي سوريا، بمقاتلة الجماعات الإرهابية التكفـيرية لن يمنعها عن استمرار مرابضة قوات منها فـي الجنوب، لصد أي عدوان إسرائيلي، والذي تؤكّد التقارير الإسرائيلية، أنه كلما فكر بنيامين نتنياهو به، فإن التقارير العسكرية توقفه، لأن الدخول من جديد الى لبنان ستكون كلفته عالية جداً، ولن يكون من السهل الخروج منه من دون خسائر بشرية ومادية كبيرة، وقد يكون العدوان الأخير فـي مسلسل الحرب الإسرائيلية، لأنها لن تواجه بردع المقاومة لها فقط ، بل بتحولها الى حرب ومعارك داخل فلسطين المحتلة، وإن هذا الكيان الذي زُرع فـي العام 1948 قد تكون نهايته، وهذا ما تبشر به المقاومة دائماً أن الغدة السرطانية ستقتلع من جسد الأمة.
Leave a Reply