كالمغناطيس، جذبني عنوان هذا الكتاب في إحدى مكتبات ديربورن العامة، وبنهم قرأته حتى آخر صفحة منه في ليلة واحدة، وهذا لم يحدث لي منذ زمن طويل، أن أجد كتاباً أستمتع بقراءته.
الكاتبة جمانة حداد، تعترف في الكتاب، بأنها إمرأة عربية تمشي على الطريق بثبات وقوة، وترفض السير قرب جدار إرث المرأة منذ الأزل، جدار الدين والسلطة والجنس. الذي يكبل المرأة ويحد من طموحاتها، حريتها ومكانتها، «والحل برأيها هو الهدم، ثم الهدم، ثم الهدم، فالبناء من جديد رجالاً ونساءً. معاً واليد في اليد» ص ٣٦.
تعترف الكاتبة إنها نشأت في كنف والدين تقليديين وتعلمت في مدارس الراهبات. سنوات الحرب الأهلية اللبنانية التي أصابتها برهاب قصف القنابل والقتل المجاني للناس، لكن تلك السنوات علمتها حب القراءة، فكانت تقرأ لتعيش ولتكبت دوي إنفجارات الحرب. القراءة أكسبتها التحرر والوعي. «ماتقرأه حين لا يتعين عليك القراءة يحدد ما ستكون عليه حين لا يعود في إمكانك التفلت من مصيرك». (أوسكار وايلد). وكان مصيرها، وهي في الثانية عشرة فقط أن تقرأ مؤلفات مصنفة «للراشدين فقط»، كتباً خطيرة جداً أفضلها مذيلٌ بتحذير: «هذا الكتاب كفيلُ بتغيير حياتك». هذا عدا عن إتقانها القراءة باللغة الفرنسية الذي فتح لها آفاقاً واسعة للقراءة الحرة في مواضيع الجسد والشهوة والكتابة عنهما لاحقاً بالسليقة، وبدون إيحاءات مواربة وكليشهات مغلوطة. وطبعاً لم يكن سهلاً أن تكتب إمرأة، بلا مساومات في مجتمع شرقي وعربي يصدر أحكاماً بلا رحمة، لكن ثقتها بنفسها التي درّبتها على تحمل الجدل دفعها سنة ٢٠٠٦، لإصدار مجلة «جسد»، وهي مجلة فصلية تعنى «بآداب الجسد وعلومه وفنونه». ليست بورنوغرافية أو إباحية، «لكنها تشق طريقاً مجهولاً وصعباً وغير آمن في مجتمع مفهوم الشرف فيه لا يزال محصوراً بين فخذي إمرأة» (ص٩١).
سياق الكتاب يؤكد أن المرأة لا يمكن إختصارها بعناصر تافهة مثل إرتداء حمالات الصدر وإمتلاك شعر طويل أو إستخدام المكياج، وتدعو الكاتبة أن تكون المرأة إمرأة ذاتها، لا أي ذات أخرى. خصوصاً ذات الرجل. الآب والأخ والزوج والحبيب والأبن، إذا كانت المرأة تحتاج إلى الرجل. فالرجل يحتاج إليها أيضاً، لكن الفرق هائل بين الحاجة إلى الآخر والإتكال عليه، وإذا كان لا بد للمرأة من أن تتساوى مع شيء أو أحد، «فلتتساوى إذاً مع هويتها كأنثى لا غير، ومع كيانها الجوهري الذي يختبر تحولاً مستمراً» (ص ٣٧). فإن المرأة ليست ناقصة عقل ولا هي دون الرجل فهماً وحكمةً ولا هي عورة ولا موضوع إغراء. ولا يجوز الإستمرار في النظر اليها بعين القبيلة الذكورية والتذرع بالدين لحرمانها من حقوقها كإنسان.
صرخة جمانة في كتابها الرائع «هكذا قتلتُ شهرزاد: إعترافات إمرأة عربية غاضبة» دعوة للمرأة العربية للتفكير والبحث في نفسها عن نفسها وتحدي النماذج المفروضة عليها سلفاً في الدين وفي السياسة وفي المجتمع. وصرختها محاولة لمواجهة التحديات المسبقة التي تفرض على الأنثى لتدجين حريتها، أثمن ما تملك، وأن لا تستسلم لقدرها وللحدود المفروضة عليها. هي دعوة لخلق «إمرأة قوية بما يكفي لتعيش وتقول لا، حتى عندما يفترض هذان، العيش والرفض، أن تمنى بخسائر».
الكاتبة جمانة حداد، هي أيضاً مسؤولة عن القسم الثقافي في جريدة النهار، في آخر فصل من الكتاب تعترف وبدون صراخ، إنها قتلت شهرزاد، كونها نموذجاً مؤذياً للنساء حيث وضعت النساء في موقع الضعيف، ليسايرن الرجل وبرطلته ولو حتى بقصة مشوقة، أو طبخة لذيذة، لتنال رضى الرجل المانح والمستفيد. برأي الكاتبة، كان على شهرزاد عدم قبول التسوية مع شهريار ومواجهته حتى الرمق الأخير.
Leave a Reply