نبيل هيثم
حين خرج الاميركيون من العراق، هلل كثيرون لهزيمة المشروع الاميركي. لكن مجريات الاحداث خلال السنوات الأربع التي تلت انسحاب جنود الاحتلال اظهرت ان هذا المشروع الاستراتيجي ما زال قائماً، وإن بتكتيكات مختلفة، بما يؤكد وجهة نظر يطرحها خبراء السياسة الدولية بأن الإدارات الاميركية المتعاقبة لا تأتي اي منها لتنقض ما اعتمدته سابقاتها… بل لتكمّل ما بدأته وإن بوتيرة مختلفة!
هذه الاستراتيجية، بشكلها الحالي، تبدو امتداداً للحقبة الريغانية، او ربما النيكسونية، وتقوم على اضعاف الدول القومية فـي الوطن العربي، تمهيداً لتقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ، وفق اقتراحات عدّة تقدّم بها المنظرون التفكيكيون.
ولم تكن مصادفة ان تترافق «غزوة الموصل» التي قام بها تنظيم «داعش» بزعامة «ابو بكر البغدادي»، والتي كرّست دولة امر واقع، تحت مسّمى «الخلافة»، على رقعة تكاد تقارب فـي مساحتها ثلث مساحة سوريا والعراق، مع جدل فـي اوساط الباحثين فـي مراكز الدراسات الغربية، والاميركية خصوصاً، بشأن نهاية اتفاقية «سايكس- بيكو»، التي رسم من خلالها البريطانيون والفرنسيون الخريطة السياسية المتهالكة للعالم العربي.
ولعلّ الكل، من ليبراليين ويساريين عرب، وحتى قوميين عروبيين، قد وقعوا فـي فخ المفاضلة التي حفلت بها نقاشات الباحثين، بين رأي يقول إن «شفـين، ما يسرّع فـي القضاء عليهم»!
كل ما سلف، يؤكد ان ما يرسم للمنطقة العربية من مخططات تقسيمية بدأ يدخل مرحلة متقدمة. وباسترجاع اقتراحات تقسيمية سابقة، يمكن القول، من دون اي تردد انها لن تقتصر على العراق وسوريا… ما يوحي بأن الصراع قد انتقل الى ابعد من مجرّد حرب على التكفـيريين.
مشاريع التقسيم
لا يمكن الفصل بين «الاقليم السني» وبين مخططات عدّة طرحت طوال السنوات المئة والخمسين الماضية لتقسيم الوطن العربي.
الخطط الصهيونية منذ العام 1860
ادركت الحركة الصهيونية ان قيام دولة اسرائيل واستمراريتها لا يمكن ضمانهما من دون القضاء على اي نزعة وحدوية عند العرب، ومنع قيام اي تحالف – سياسي او عسكري او اقتصادي بين ثلاث دول هي العراق وسوريا ومصر، وبالتالي فقد وضع الصهاينة نصب اعينهم نشر «الفوضى الخلاقة» والعمل على منع اي تكامل عربي عن طريق الفتن و«الثورات». ولعل ابرز من عبّر عن هذا التوجه كان ديفـيد بن غوريون حين قال إن «عظمة اسرائيل ليست فـي قنبلتها الذرية ولا ترسانتها المسلحة، ولكن عظمة اسرائيل تكمن فـي انهيار دول ثلاث هي مصر والعراق وسوريا».
خطة موشيه ديان لتقسيم الدول العربية (1957)
ظهر ذلك المخطط حين نشرت مجلة «بليتز» الهندية لقاءات صحافـية مع موشيه دايان قبل حرب العام 1967. وتقضي خطة موشيه دايان بتقسيم مصر الى دولتين مسيحية واسلامية، وسوريا الى ثلاث دويلات درزية وعلوية وسنية، وتقسيم لبنان الى دولتين مارونية وشيعية، وتفتيت العراق بين الأكراد والسنة والشيعة .
خطة عوديد ينون
تعتبر خطة عوديد ينون من اهم الوثائق الصهيونية، وقد نشرتها مجلة «كيفونيم»، المنظمة اليهودية العلمية فـي القدس، فـي عدد 14 شباط العام 1982، وهي تعبر عن خطط اسرائيل الاستراتيجية بوضوح، وتعتبر احياء لمخطط موشي دايان لتقسيم الوطن العربي بشكل اوسع وبتفاصيل ادق. وتفـيد الخطة بأن اي استراتيجية لتفتيت العالم العربي لن تنجح الا اذا كانت قادرة على اضعاف الدولة التي تضم ثلث سكانه والمرشحة الطبيعية لزعامته، وذلك عن طريق اشعال الفتن لتصبح مصر مقسمة على هذا النحو :
– فصل سيناء عن مصر ووضعها من جديد تحت الهمينة الاسرائيلية .
– دولة ذات اغلبية سنية فـي شمال الدلتا .
– دولة ذات اغلبية مسيحية فـي صعيد مصر .
وشمل هذا المخطط ايضا سوريا ولبنان والاردن وغيرها من الدول العربية.
وتشير الوثيقة إلى ان البنية الطائفـية لسوريا ستساعدنا على تفكيكيها الى دولة شيعية على طول الساحل الغربي ودولة سنية فـي منطقة حلب واخرى فـي دمشق وكيان درزي سيقاتل بدعمنا لتشكيل دولة انفصالية فـي الجولان.
اما العراق، بحسب الوثيقة، فانهياره «سيكون بالنسبة الينا اهم من انهيار سوريا، لان العراق يمثل اقوى تهديد لاسرائيل».
خطة برنارد لويس
تعتبر خطة برنارد لويس من اخطر المخططات فـي العصر الحديث بل انه يعد الاب الروحي لمخطط التقسيم الدائر والجاري العمل عليه الان فـي الشرق الاوسط، وهو مفكر ومؤرخ يهودي صهيوني بريطاني – اميركي، والاب الروحي لغزو العراق . ومشروع لويس من خرائط ومخططات نشرت خريطته للمرة الاولى فـي مجلة «اكسيكوتيف انتلجنت ريفـيو»، وفـيها تصور استراتيجي لتقسيم الشرق الاوسط الى اكثر من دويلة على اساس طائفـي وعرقي.
Leave a Reply