نبيل هيثم
مات الملك… عاش الملك. هي قاعدة لا استثناء لها فـي الانظمة الملكية، فـي ما عدا محطات تاريخية هنا او هناك، ارتبط خلالها رحيل رأس المملكة بانقلاب ابيض او احمر، انتقلت معه السلطة الى الشعب، او الى نخبة عسكرية حاكمة.
فـي الظاهر يبدو أن السعودية لم تشذ عن تلك القاعدة، بعد رحيل ملكها عبد الله بن عبد العزيز فـي 23 كانون الثاني الحالي، فكان الانتقال السياسي الهادئ من ملك راحل إلى ولي عهده.
لكن السرعة التي جرى فـيها الاعلان عن انتقال الحكم من الاخ الى اخيه، والتي اتخذت شكل بيان تلي مباشرة بعد بيان نعي عبد الله بن عبد العزيز، وتضمن قبول بيعة الامير سلمان ملكاً على البلاد، وما اعقب ذلك من تغييرات فـي رأس القيادة الملكية، بدأت بتعيين الامير مقرن، الاخ المحبب لعبد الله، ولياً للعهد الجديد، ومحاصرته بولي ولي عهد هو الامير محمد بن نايف، وصولاً الى عزل رئيس الديوان خالد التويجري، الملقب بـ«صانع الملوك»، والذي كان العقل المخطط للملك عبد الله، واستبداله بمحمد بن سلمان الذي تولى ايضاً منصب وزير الدفاع… كل ذلك يوحي بأن السعودية طوت صفحة الملك عبد الله وفتحت صفحة الملك سلمان، فـي ما يمكن وصفه بـ«الانقلاب الهادئ»، الذي ستترتب عليه تغييرات معينة على مستوى السياستين الداخلية والخارجية.
وجاءت تغريدات الامير السعودي الملقب بـ«مجتهد»، والذي صار حسابه على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي قبلة للباحثين عن خفايا القصور الملكية فـي السعودية، لتعكس الصراع على الحكم سيتخذ منحى اكثر خطورة خلال الفترة المقبلة، خصوصاً ان كل الامراء يتربصون لبعضهم البعض.
وفـي الداخل، فإن السؤال الاول الذي يتبادر الى الاذهان، بعد هذه التغييرات فـي القيادة السعودية، هو: هل حسمت مسألة الخلافة فـي المملكة النفطية بعد تعيين الامير محمد بن نايف، وهو احد امراء الجيل الثالث من اسرة آل سعود، ولياً للعهد؟ وما مصير الامير مقرن، فـي حال قدّر الله ان يأخذ امانة الملك سلمان، البالغ من العمر 79 عاماً، والذي يعاني، على غرار اخيه الراحل، من مشاكل صحية قد تجعل فترة حكمه قصيرة نسبياً؟
فـي الظاهر، اوحت الاجراءات السريعة التي اتخذت بعد قبول البيعة، بأن الملك سلمان قد حسم الموقف، ونجح فـي ترتيب اوضاع البيت الداخلي، من خلال إجراءات صارمة تضمن انتقالاً سلساً للسلطة من الجيل الثاني الى الجيل الثالث.
لكن المطلعين على تعقيدات الحكم فـي المملكة السعودية، التي تتشعب فـيها العائلة الحاكمة الى فروع عائلية تضم ما يقرب من 15 ألف امير، يدركون جيداً ان المرحلة المقبلة ستكون مليئة بالمشاكل والمخاطر، وان «المناورات داخل العائلة الملكية ستكون كثيفة للغاية، على رغم أن الأمراء يكرهون الإعتراف بهذه الحقيقة»، على حد تعبير الباحث الاميركي صاموئيل هندرسون المختص بالشأن السعودي.
ولعل ما غرّد به «مجتهد» خير مثال على المؤامرات والدسائس التي بدأت تحاك خيوطها فـي القصور الملكية والاميرية. ومما كشفه الامير المجهول ان أهم شخص بايع محمد بن نايف ولياً لولي العهد، كان ابن الملك الراحل متعب بن عبدالله، متسائلاً: «هل متعب صادق ويريد جمع كلمة الأسرة، أو يريد خداع محمد بن نايف كما خدعه، ثم يكيد له؟ الله أعلم». ويضيف «من أبناء عبد العزيز لم يبايع حتى الآن إلاّ عبد الإله وممدوح… ولا أدري إن غاب الآخرون لعذر صحي أو تأجيل أو غياب مقصود!». وتساءل المغّرد السعودي عن سبب عدم مبايعة محمد بن نايف من قبل أبناء الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، وأبناء طلال بن عبد العزيز، وأبناء متعب بن عبد العزيز، قائلاً «هل هو مجرد تأجيل أو مقصود؟».
واستبق «مجتهد» كل ذلك بالتأكيد على وجود نية لإبعاد مقرن عن ولاية العهد، ومتعب عن الحرس الوطني.
ولعل ما كشف عنه الامير المغرّد يتطابق مع ما لاحظه معظم المحللين المختصين بالشأن السعودي بأن وفاة الملك عبد الله قد اعاد الفرع السديري (تيمناً بالزوجة المفضلة لدى الملك عبد العزيز حصة بنت أحمد السديري) الى حكم المملكة النفطية، وبأن تعيين محمد بن نايف ولياً لولي العهد سيثير من دون شك حفـيظة العديد من أمراء الجيل الثالث، وفـي مقدمهم الأمير خالد بن سلطان، والأمير مُتعب بن عبد الله، والأمير خالد الفـيصل، والأمير بندر بن سلطان وغيرهم كثير.
واذا سلمنا بفرضية ان مقرن يبقى الحلقة الاضعف فـي ثلاثي الحكم السعودي الحالي (خصوصاً انه من غير السديريين، وهو ابن محظية يمنية)، فإن الهدوء الذي اتسم به انتقال السلطة من عبد الله الى سلمان سيتحول الى صخب حالما ينتقل الحكم الى الجيل الثالث، وهو ما سيفرز على اقل تقدير صراعاً بين الفرع السديري الحاكم حالياً وبين من يعرفون بـ«الامراء الاحرار»، وعلى رأسهم طلال بن عبد العزيز، وهم من ذوي النزعة القومية، ومن المطالبين بالتحول الى الملكية الدستورية.
ولكن ما تأثير كل ذلك على السياسات الداخلية والخارجية؟
وفـي الداخل، وبالنظر الى التعقيدات السابق ذكرها، فإن التوقعات تتجه نحو معضلة جديدة سيواجهها الملك سلمان، وتتمثل فـي تنامي نفوذ المؤسسة الدينية الوهابية، والتي ستحول دون امكانية لتحقيق الإصلاحات المطلوبة على مستوى جهاز الدولة، وعلى مستوى المجتمع. واذا ما اضفنا الى ذلك النزعة المحافظة للملك الجديد، بحسب ما اظهرت برقيات «ويكيليكس»، يمكن القول، من دون تردد، ان المملكة السعودية تسير نحو ردّة على الاصلاحات النسبية التي ارساها الملك عبد الله طوال سنوات حكمه الخمس، وهو ما سيدفع، بطبيعة الحال، الى صدام بين سلمان والقوى الحية فـي المجتمع السعودي، فـي ظل تفاقم السخط الشعبي فـي أوساط الشباب بسبب انعدام الحقوق المدنية، وغياب فرص الشراكة السياسية، وفـي ظل ازمة اقتصادية مرتقبة، مردّها الى السياسات النفطية التي انتهجتها الرياض، والتي قادت الى هبوط سعر برميل النفط الى ما دون الخمسين دولاراً، بما يترتب على ذلك من عجز فـي الميزانية والانفاق العام.
كل ذلك، يوحي بأن السياسة الجديدة ستتركز على الداخل اكثر منه على الخارج، او على الاقل فإن السياسة الخارجية للملك سلمان ستقوم على احتواء الاخفاقات التي تعرضت لها السعودية منذ بدء «الربيع العربي»، عبر ترميم آثار هذه السياسات، وخصوصاً فـي المناطق ذات التأثير المباشر على المملكة النفطية، ومنها اليمن والبحرين، وتحصين البيت الخليجي عبر تعزيز الجسور مع قطر، فـي موازاة استمرار السياسات السعودية فـي الملفات الاخرى، كالملف السوري والملف المصري، مع بعض التعديلات التي ستعكس انكفاء الدور السعودي بشكل نسبي فـي تلك الملفات.
وفـي هذا الإطار، لا بد من الإشارة الى ان السياسة الخارجية السعودية كانت متسقة على نحو مثير للانتباه منذ اغتيال الملك فـيصل فـي العام 1975. وبرغم الخلافات الداخلية التي يفترض ان تطفو على السطح، خلال الفترة المقبلة، فإن ثمة قاسماً مشتركاً بين اقطاب العائلة الحاكمة وهو ان هؤلاء من المحافظين الذي يمتلكون رؤية متشابهة لدور المملكة العربية السعودية سواء على مستوى الملفات الاقليمية او الملفات الدولية.
وهناك العديد من المؤشرات التي تشير إلى أنه من غير المرجح أن تقوم الخلافة السعودية بتغييرات كبيرة فـي السياسات على المدى القصير.
وفـي ما يخص العلاقة مع الولايات المتحدة، فمن غير المرجح أن تقوم المملكة السعودية بتغييرات كبيرة فـي سياساتها بعد وفاة الملك عبد الله، خصوصاً أن الملامح العامة للعلاقات بين واشنطن والرياض ما زالت تحت سيطرة ولي العهد الجديد محمد بن نايف، الذي ظل محور العلاقات الأميركية-السعودية على مستوى وزارة الداخلية والاستخبارات.
كما يرجح ان تبقى السياسة السعودية على الجبهة الإيرانية على حالها، خصوصاً ان العداء للجمهورية الاسلامية قاسم مشترك بين افراد العائلة الحاكمة، بما يترتب على ذلك من تداعيات على ملفات عدّة فـي الوطن العربي.
وبحكم تخصص الأمير محمد بن نايف بالشأن السوري، والأمير بندر بن سلطان بالشأن المصري، فمن المتوقع ألا تتغير السياسات السعودية تجاه البلدين مع مجيء الملك السعودي الجديد.
وفـي الازمة السورية، فإنّ المملكة السعودية، التي قادت حرب اسقاط الرئيس بشار الاسد، تبدو امام خيارين: «إما الاستمرار فـي دعم هذه الحرب، وهو ما سيولد مزيداً من المشاكل بالنسبة الى العهد الجديد فـي المملكة، واما الإسهام فـي فتح نافذة امل للخروج من الازمة عبر حل سلمي».
اما بالنسبة الى مصر، فقد يجري استمرار لتقليص المساعدات السعودية، وثمة خطوات واضحة اتخذت منذ الايام الاخيرة للملك عبدالله، حين كان ولي العهد السابق والملك الحالي الحاكم الفعلي، للضغط على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإجراء إصلاحات فـي الدعم، حيث إن السعوديين لا يمكنهم مواصلة الدعم لأجل غير مسمى مع تدني أسعار النفط، وعجز الميزانية المتوقع لأكثر من 1 فـي المئة فـي العام 2015. وهو أعلى عجز موازنة فـي تاريخها.ويبقى اليمن التحدي الاكبر بالنسبة الى الملك الجديد، خصوصاً ان هذا البلد يواجه اليوم ازمة حادة تتمثل فـي سيطرة الحوثيين على قصر الرئاسة، واستقالة رئيس الجمهورية، الذي جاء بموجب ترتيبات المبادرة الخليجية التي رعاها الملك عبد الله لنقل السلطة من علي عبد الله صالح الى عبد ربه منصور هادي. ورأى هيثم ان «ما يجري فـي اليمن يبدو استحقاقاً كبيراً للسعودية، وثمة تحدّ كبير امام الملك الجديد فـي هذا الإطار، فهو اما سيعتمد تغييرات فـي سياسات الرياض تجاه الدولة الجارة، بما يضمن استقرارها، وإما سيكون خياره مزيداً من التصعيد فـي الوضع الداخلي والدخول فـي حرب ضد الحوثيين.
ولا تقل البحرين خطورة فـي هذا السياق عن اليمن، فقد تحولت تلك الملكية الصغيرة الى خاصرة مثيرة للقلق بالنسبة الى السعوديين. وتشهد البحرين خطراً كبيراً، وقد تنفجر الاوضاع هناك، نتيجة لحالة الغليان الشعبي، وهو ما عكسه حديث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مؤخرا»، والذي اثار عاصفة انتقادات حادة من قبل الخليجيين.
وبصرف النظر عن السياسات الجديدة للملك سلمان، ولاي مدى يمكن ان تذهب، يبقى الثابت الوحيد فـي السعودية هو عمق العلاقات التي تجمع الحكم بالولايات المتحدة الاميركية، وهو ما عكسه الاستقبال الاستثنائي الذي حظي الرئيس باراك اوباما لدى قدومه الى الرياض للتعزية، والذي قابله الرئيس الاميركي بطمأنة العهد الجديد قائلاً: نحن معكم!
الملك سلمان
ولد سلمان فـي العام 1939، ويحتل التسلسل 25 بين أبناء الملك عبد العزيز الذكور، وكان من أركان العائلة المالكة السعودية، إذ احتل منصب أمين سرها ورئيس مجلسها لسنوات، كما عمل مستشاراً لعدد من الملوك السابقين.
بويع سلمان فـي 18 حزيران العام 2012 بولاية العهد، بعد وفاة أخيه الأمير نايف بن عبد العزيز، الذي كان يشغل ولاية العهد فضلاً عن منصبي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية.
سلمان هو أخ شقيق للملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز، وغير شقيق للملك الراحل عبد الله، وواحد من الأمراء الذين يطلق عليهم لقب «السديريون السبعة»، وهم أبناء الملك عبد العزيز من زوجته حصة بنت أحمد السديري.
بدأ مشواره السياسي فـي العام 1954 عند تعيينه أميراً لمنطقة الرياض بالنيابة عن أخيه الأمير نايف بن عبد العزيز، ثم عين أصالة فـي المنصب ذاته فـي العام 1955 وظل فـي هذا الموقع حتى استقالته منه فـي العام 1960.
وعاد لتولي المنصب ذاته بمرسوم صدر فـي العام 1963 عن الملك سعود بن عبد العزيز، وظل أميراً لمنطقة الرياض لنحو خمسة عقود.
وفـي تشرين الثاني من العام 2011، أصدر الملـــك عبد الله أمراً ملكياً بتعيـــينه وزيراً للدفاع خلفاً لأخـــيه سلطان بن عـــبد العزيـــز الذي توفـي فـي العام نفـــسه. كما تولى سلمان إلى جانـــب ولايــة العهد، منصبي نائب رئيس مجـــلس الـــوزراء ووزيـــر الدفاع.على صعيد التعليم، تلقى سلمان تعليماً تقليدياً مبكراً فـي مدرسة الأمراء فـي الرياض، حيث درس العلوم الدينية وختم القرآن وهو فـي سن العاشرة.
وتفـيد تقارير أن سلمان كان خضع لجراحة فـي العمود الفقري فـي الولايات المتحدة الأميركية فـي العام 2010.
الأمير مقرن
ينتمي مقرن، وهو فـي أواخر العقد السابع من العمر، إلى الجيل الأول من أبناء مؤسس الدولة السعودية الحديثة الملك عبد العزيز، شأنه شأن الملكين الراحل والحالي.
وتثار تساؤلات داخل البلاد بشأن إمكانية انتقال الحكم إلى الجيل الثاني، من أحفاد الملك عبد العزيز، بعدما أصبح أبناء هذا الجيل الأول طاعنين فـي السن.
ويعد الأمير مقرن، وهو أخ غير شقيق للملك الراحل، من أصغر أبناء مؤسس المملكة. وقد أعفـي مقرن من منصبه كرئيس لجهاز الاستخبارات السعودية فـي تموز العام 2012، واعتبر الكثير من المراقبين حينها أن هذه الخطوة ستقلل من مكانة الأمير. لكن الملك الراحل عبد الله عينه فـي شباط ولياً لولي العهد.
الأمير محمد بن نايف
بتوليه منصب ولي ولي العهد، يصبح الأمير محمد بن نايف الشخصية الثانية التي تتولى هذا المنصب الذي استحدثه الملك عبدالله بن عبد العزيز فـي 27 آذار العام 2014، وعيّن فـيه أخاه غير الشقيق الأمير مقرن بن عبد العزيز. وبذلك، يصبح أول حفـيد من أبناء الملك عبد العزيز مرشحاً لتولي أعلى منصبين فـي قمة هرم السلطة فـي السعودية، ولي العهد، ثم الملك مستقبلاً.
ولد محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود فـي 30 آب العام 1959، وهو أحد أبناء الأمير نايف، ولي العهد الراحل من زوجته الأميرة الجوهرة بنت عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود.
درس فـي مراحل التعليم الابتدائية والمتوسطة والثانوية فـي معهد العاصمة فـي الرياض، ثم درس المرحلة الجامعية فـي الولايات المتحدة، وحصل على بكالوريوس فـي العلوم السياسية فـي العام 1981، كما خاض عدة دورات عسكرية متقدمة داخل المملكة وخارجها تتعلق بمكافحة الإرهاب.
وعمل محمد بن نايف فـي القطاع الخاص، إلى أن صدر أمر ملكي فـي 13 أيار العام 1999 بتعيينه مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية بالمرتبة الممتازة.
وفـي حزيران العام 2004، صدر الأمر الملكي بتعيينه مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية بمرتبة وزير.
وجاء تعيين محمد بن نايف فـي فترة كانت تشهد فـيه السعودية موجة من الإرهاب، وقيل إن لديه «رؤية متميزة فـي محاربته»، بتركيزه على الأمن الفكري فـي محاربة الإرهاب إلى جانب الحل الأمني. وفـي 27 آب العام 2009، تعرض محمد نايف لمحاولة اغتيال فـي مكتبه الكائن داخل منزله فـي جدة، وذلك عندما قام انتحاري بتفجير نفسه بواسطة هاتف جوال، وتناثر جسده إلى أشلاء، فـيما أصيب الأمير بجروح طفـيفة. وأعلن تنظيم «القاعدة فـي جزيرة العرب» مسؤوليته عن الهجوم حينها.
Leave a Reply