قصة شهيرة للأديب الفرنسي جي دي موباسان بعنوان «الجواهر» روى فيها قصة فتاة شابة، جميلة كالملائكة. ذات عيونٍ خضر وحياء ووداعة، تزوجت من موظف بوزارة الداخلية، فسعد بها وسعدت به، وكانت مثالاً للإخلاص والوفاء والطهر، وتتفنن في إرضاء زوجها، وفي تدبير معيشتها براتبه المحدود بلاشكوى ولاأنين.
لم يكن يعيبها في نظره سوى شيئين هامشيين هما ولعها الشديد والغريب بمشاهدة المسرح، وولعها الأغرب بإرتداء المجوهرات المقلدة رخيصة الثمن لتكمل بها زينتها البسيطة. كان الزوج يتجاوز عن هواية الجواهر المزيفة ويشفق عليها من فقره وعجزه عن أن يهديها ذات يوم جوهرة حقيقية.
لكنها كانت سعيدة بحياتها وراضية عنها ولاتشكو ولا تتبرم من شيء. رجعت من المسرح ذات ليلة مصابة بالتهاب رئوي من أثر البرد القارس. أشتدّ بها المرض خلال فترة قصيرة حتى أودى بحياتها. كاد زوجها يهلك حزناً عليها وأفتقد برحيلها عن الحياة. أنس عشرتها الطيبة له وإخلاصها ووفاءها وأخلاقها الملائكية الطاهرة.
إزداد إفتقاده إياها حين عجز عن أن يدّبر شؤون حياته بمرتبه المحدود، وتعجب كيف كانت تتفنن في تدبير أمور حياتهما معاً بهذا المرتب نفسه.
إشتدت أزمته المالية ذات يوم. رأى أمامه صندوق مجوهراتها المزيفة الذي كان يطلق عليه، مازحاً، صندوق الخردة. قرّر أن يبيع عقداً منه لعلّه يأتيه ببضعة قروش تعينه على أمره. توجّه إلى أحد محلات الجواهر وعرض العقد الزائف على صاحبه على إستحياء، فإذا به يكتشف إنه من اللؤلؤ الحقيقي وباهظ القيمة!!
صدمه إكتشافه بعد ذلك أن صندوق الخردة الذي خلفّته وراءها زوجته الراحلة، يضم ثروة ثمينة من الجواهر الحقيقية، أهداها إليها عشاقها خلال السنوات التي عاشتها معه. ويتأكد من إنه كانت لها حياة سرية مؤسفة، لم يكن يدري عنها شيئاً ولم تتكشف له أية إشارة إليها إلا بعد رحيلها المفاجيء عن الحياة.
«في مكتب البريد»
قصة مشهورة ثانية للأديب الروسي تشيخوف بعنوان «في مكتب البريد» إشتهرت بمناسبة موت زوجة رئيس البريد، حيث ذهب المعزون لمواساته وإحياء ذكراها بعد عملية الدفن.
كان الكعك على المائدة. فقال زوج المرحومة: هذه الكعكات طازجة ونضرة تماماً مثلما كانت عليه زوجتي من الجمال واللذة. وافق الجميع وقالوا: هذا صحيح. لقد كانت جميلة ولطيفة من الدرجة الأولى! قال زوج المرحومة: إنني أحببتها، فليرحم الله روحها، لأنها كانت وفيّة لزوجها كل الوفاء. إن عمرها لم يبلغ العشرين، بينما أنا شارفت على الستين.. سعل حارس المقبرة سعالاً مصطنعاًَ لغاية كانت في نفسه، فإلتفت إليه زوج المرحومة قائلاً: يبدو أنك لا تريد أن تصّدق ذلك. فأجاب الحارس مرتبكاً: لا، لا أبداً!! فقاطعه الزوج الحزين وقال: لقد إنتشرت شائعة خبيثة في المدينة. شائعة تقول إن زوجتي كانت عشيقة لمدير البوليس إيغان أكستسن. بعد ذلك لم يجسر أحد على التطلع إلى المرحومة زوجتي خوفاً من مدير البوليس. وتمتم حارس المقبرة وقال: أرجو من الله أن تتزوج ثانية.
الدرس الذي ينبغي لنا أن نتعلمه من هذه القصة ومثيلاتها في الحياة، هو أن ليست هناك حياة سرية، يمكن أن تبقى طي الكتمان إلى ما لا نهاية. وإنه من الحكمة أن تخلو حياة المرء الخاصة مما يسوؤه أن يعرفه عنه الآخرون في حياته
Leave a Reply