نبيل هيثم – «صدى الوطن»
السعودية عالقة فـي قعر سلسلة من الأزمات المعقدة، لم يسبق لهذة المملكة أن مرت بمثل ما تمر به اليوم من خلل وانعدام توازن، وقلق داخلي جراء عقل مغامراتي يدير دفتها فـي الاتجاه الصدامي المباشر ليس فقط مع من تفترضهم أعداءها، لا بل مع الجميع.
لم تعد السعودية تجد حرجاً فـي المجاهرة بعلاقاتها وتعاونها السياسي والاستخباري مع إسرائيل، كشفت عن أنياب قاتلة فـي اليمن وسوريا وكذلك ضد العراق وايران والمقاومة فـي لبنان. سياستها فـي السنوات الأخيرة تكاد ترمي المنطقة بأسرها فـي اتون نار قد تأتي عليها كلها من دون ان توفر المملكة نفسها.
تلك حقيقة وضعت مصير المملكة ووجودها على حافة التهديد، لا بل السقوط، ومع ذلك يبدو أن الطقم الحاكم فـي السعودية إما هو جاهل وإما أعماه الحقد، وإما هو مراهق ويتعمد عن قصد أو عن غير قصد، ضرب مسمار فـي نعش المملكة، وإما هو عاجز يغمض عينه عن تلك الحقيقة ويهرب منها الى الامام بخطوات كبرى وبإلقاء طروحات اكبر على شاكلة مشروع «السعودية ٢٠٣٠»، ليس معلوماً كيف ستتوفر له أسباب الحياة والاستمرار.
إنه مشروع أقرب ما يكون الى «بيريسترويكا ميخائيل غورباتشوف» وانهيار الاتحاد السوفـياتي. وليس ما يمنع أبداً أن يستنسخ هذا الانهيار فـي السعودية لأسباب وأسباب، ولعل من أبرزها الازمة الخانقة التي تعيشها حالياً على المستوى المالي والاقتصادي والسياسي والحربي، وصولا الى سلسلة الهزائم التي منيت بها فـي اليمن وصولا الى سوريا من دون أن ننسى إيران ولبنان.
والطامة الكبرى إن كان هذا المشروع تعبيراً عن طموح ولي ولي العهد محمد بن سلمان لوراثة العرش فـي حياة والده، مطيحا بذلك بولي العهد محمد بن نايف. وإن صح ذلك فـيبدو أن صراع المحمدين قد يأخذ منحى عنيفاً فـي الآتي من الأيام..
مغامرة
فـي اي حال، يبدو مشروع «السعودية ٢٠٣٠» فـي الظاهر مشروعاً طموحَ الهدف على المستويين الاقتصادي والسياسي، برع الأمير الشاب فـي تسويقه عبر وسائل الاعلام العربي والاجنبية.
ولكن هذا المشروع وبقدر ما نال من تهليل اعلامي، قوبل بتوقعات متفاوتة، ذهب بعضها الى القول انه يمثل تطوّراً جوهرياً طرأ على «الفلسفة الاقتصادية» لمملكة آل سعود، فـيما ذهب بعضها الآخر الى وصفه بأنه مجرّد مغامرة -أو مقامرة- يسعى من خلالها ولي ولي العهد محمد بن سلمان الى تقديم أوراق اعتماده محلياً وغربياً لقطع الطريق على ابن عمه ولي العهد محمد بن نايف لتأمين انتقال عمودي للسلطة فـي السعودية، بدلاً من الانتقال الافقي المنحني المفترض بعد أن يرحل الملك سلمان.
وبرغم التفاوت فـي التقديرات بشأن المشروع السعودي المعلن، والذي سارع مجلس الوزراء الى اقراره، كما لو كان خطة منزلة من حاكم بأمر الله، فإن تلك التقديرات نفسها تلتقي عند موقف موحد، وهو ان «السعودية 2030» ستعيد رسم وجه المملكة النفطية على المستوى الاقتصادي -والسياسي بطبيعة الحال- بما يشمله ذلك من تغييرات على مستوى الشرق الاوسط بأكمله.
واذا كان المدافعون والمهللون لمشروع «السعودية 2030» قد ذهبوا بعيداً فـي توقعاتهم، كما هي حال عراب المشروع نفسه محمد بن سلمان، بأن مملكة آل سعود ماضية نحو تطور اقتصادي-سياسي لا مثيل له، فإن التقديرات المقابلة تشير الى ان الخطة «الطموحة» ليست سوى محاولة جديدة من قبل النظام السعودي للهروب الى الأمام فـي وجه الأزمة الاقتصادية الكبرى التي بدأ يتحسسها.
طموحات ومبالغات
ويستند المشككون فـي الخطة الاقتصادية الجديدة الى مجموعة عوامل، منها سلوك نظام آل سعود، الذي بات رهناً بمزاج أمير متهوّر، يهوى اطلاق النار بين رجليه، ويخوض من أجل تسلم العرش كل صنوف المغامرات على جبهات مختلفة، تمتد من اليمن الى سوريا، لتصل الى اسواق النفط العالمية.
ويبدو واضحاً ان محمد بن سلمان قد انتشى بلقب «رجل كل شي» فـي مملكة آل سعود، وهو الوصف الذي اعتمده موقع «بلومبرغ» مؤخراً، فراح يغامر بكل شيء فـي سبيل تقديم نفسه كخليفة شاب لملك عجوز، او بمعنى أصح ولي عهد من الجيل الثاني لأبناء عبد العزيز آل سعود قادر على تقديم وجه عصري للمملكة المترهلة.
وبصرف النظر عن قدرة الامير الشاب على تسويق فكرته محلياً ودولياً، وبعيداً عن محاولات تلميع الصورة التي ساعده فـيها الاعلامان العربي والاجنبي، فإن الأرقام التي قدّمها محمد بن سلمان تطرح الكثير من علامات الاستفهام بشأن مدى جدّيتها.
وعلى سبيل المثال، فإن الحديث عن «صندوق سيادي» بحجم تريليوني دولار أميركي يبدو امراً مبالغاً فـيه، فـي ظل العجز المالي الذي بدأت تواجهه مملكة آل سعود، كنتيجة لحرب الاسعار النفطية التي شنتها منذ فترة ضد ايران وروسيا، والتي أصابتها قبل خصومها.
وللتوضيح فإن المؤشرات الاقتصادية الحالية تشي بأن «الصندوق السياسي»، ولو تحقق فعلاً، سيفقد قيمته مع التراجع المستمر فـي أسعار النفط، خصوصاً ان هذا الصندوق يعتمد على القيمة السوقية لشركة «آرامكو» ومتفرعاتها، والمقدّرة بنحو 2 الى 2.5 تريليون دولار، مع العلم بأن «أرامكو» تواجه أزمة جوهرية، تتعلق بأن اسهمها متداولة فـي السوق المحلية، وليس فـي الاسواق العالمية، ما يفقدها القيمة الفعلية لدى المستثمرين، قياساً الى حال شركات النفط العالمية الاخرى، ولا سيما الشركات الاميركية.
كذلك، فإن الجدول الزمني الملحوظ فـي مشروع «السعودية 2030»، يبدو اقرب الى النمط الدعائي منه الى الواقعية الاقتصادية، وذلك لأسباب عدّة، ابرزها أن الانتقال من اقتصاد يعتمد بنسبة 80 بالمئة على عائدات النفط، الى اقتصاد سوق يعتمد على الصناعة والخدمات، بحلول 15 عاماً، يعد امراً شبه مستحيل، وفقاً لكل النظريات الاقتصادية، التي ترى ان أمراً كهذا يحتاج الى عقود طويلة وليس الى بضع سنوات، بالاضافة الى الصعوبات التنافسية مع الدول الخليجية، وبعض الدول العربية، التي سبقت السعودية الى هذا المضمار، ولعلّ ابرزها دبي، ناهيك عن ضعف البيئة التشريعية للاستثمارات، ولا سيما فـي المجال السياحي والمصرفـي.
هذا الأمر ينسحب بدوره على حديث الامير سلمان عن امكانية إيقاف الاعتماد على الايرادات النفطية بحول العام 2020، وهو طرح دعائي محض، كما تدل الأرقام الاقتصادية، غير القابلة للجدال، وأبرزها أن السعودية تعتمد حالياً على 80 بالمئة من إيراداتها على النفط (وهذه النسبة تصل الى 90 بالمئة إذا ما احتسبت معها ايرادات الصناعات البتروكيميائية)، وتعاني من عجز فـي ميزانيتها يناهز العشرين بالمئة، وخسارتها الهائلة للاحتياطيات من العملة الاجنبية، وهذه الخسارة قدرت بنحو 135 مليار دولار فـي اقل من عامين.
هكذا يبدو مشروع «السعودية 2030» مغامرة محفوفة بالمخاطر، سواء بالنسبة لولي ولي العهد او لنظام آل سعود بأكمله.
امتحانات عسيرة
ولا شك فـي ان الاعلام السعودي المنبهر بخطة الأمير الشاب قد فاته ان الاعلان عن «السعودية 2030» ترافق مع خبر لم يحتل حيزاً كبيراً فـي التغطية الاخبارية، وهو خبر إقالة وزير المياه على خلفـية الاحتجاج الشعبي ضد غلاء الفواتير، وربما فات «رجل كل شيء» أن الضمانة الوحيدة لنفوذه حالياً تتمثل فـي ان والده ما زال على قيد الحياة، وهو ما يضمن استقرار المملكة النفطية، باعتباره آخر السديريين السبعة، وآخر ابناء الملك المؤسس من الجيل الأول، ما يعني ان اي خطة يطرحها ولي ولي العهد قد تمرّر حالياً، كما حدث فـي مجلس الوزراء، ولكنها ستبقى خاضعة لمساومات مرتقبة مع ابناء العائلة الحاكمة التي باتت جسماً مترهلاً.
ومن المؤكد كذلك أن تلك المساومات لن تقتصر على العلاقة المستقبلية بين محمد بن سلمان وباقي أفراد العائلة، فـ«عصرنة» مملكة آل سعود ستفرض عليه المواجهة مع المؤسسة الدينية الوهابية المتشددة، وهو ما يعتبر لعباً بالنار، فـي ظل التوازن التاريخي بين المؤسستين الدينية والسياسية، والتي شكلت العمود الفقري لمنع انهيار العرش السعودي، ما يعني أن اي ميل نحو الاصلاح الاقتصادي -بما يترتب عليه من اصلاح على المستويين السياسي والاجماعي- سيصل فـي نهاية المطاف الى صدام مباشر مع عرّابي «داعش»، وهو ما لن يقدر الملك المحتمل على مواجهته.
واذا كانت الرؤية التي يطرحها محمد بن سلمان تبدو براقة فـي الاعلام المرئي والمكتوب، فإن التطبيق على ارض الواقع سيكون مختلفاً بطبيعة الحال، خصوصا ان للأمير الشاب رؤى بدت براقة ايضاًع على الورق، ولكنها واجهت الفشل الذريع عند التطبيق، ولعل الأمثلة على ذلك كثيرة، بدءاً بـ«عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» فـي اليمن، مروراً بـ«التحالف الاسلامي» والتدخل المستحيل فـي سوريا، وصولاً الى انحسار عاصفة الحرب الديبلوماسية لعزل «حزب الله» وتصنيفه «منظمة إرهابية».
قبل ما يقرب من ثلاثين عاماً، كان ميخائيل غورباتشوف يعمل جاهداً على تطوير الاتحاد السوفـياتي. طرح يومها خططاً برّاقة على مستوى الاصلاح السياسي والاقتصادي، عرفت باسم البريسترويكا والغلاسنوست، واستقبلت يومها بحفاوة كتلك التي استقبلت بها «رؤية» الأمير سلمان. بعد ذلك ببضعة اعوام كان العالم يشهد زلزال العصر المتمثل بانهيار الاتحاد السوفـياتي. صحيح ان الظروف تبدو مختلفة اليوم، وصحيح ان «السعودية 2030» تختلف فـي جوهرها عن الـ«بيريسترويكا» والـ«غلاسنوست»، لكن مغامرة بن سلمان ومقامرة غورباتشوف تتشابهان فـي جانب محدد، اتفقت عليه كل التقييمات للخطة الملكية الجديدة، وهو تأثيراتهما السياسية، ليس على المستوى المحلي فحسب، وانما على المستوى العالمي… وإن غداً لناظره قريب!
ازمة الاقتصاد السعودي بالأرقام
ابرز التقارير الاقتصادية بشأن الاقتصاد السعودي صدرت فـي نهاية شباط (فبراير) الماضي، وخلصت الى استمرار التباين فـي الأداء، حيث أظهرت مؤشرات الإنفاق الاستهلاكي تباطؤاً شهرياً، فـيما ارتفع مؤشر مديري المشتريات للقطاع غير النفطي بشكل طفـيف من أدنى مستوى له على الإطلاق.
وفـي ما يتعلق بالوضع المالي للحكومة، بقي صافـي التغيير الشهري فـي حسابات الحكومة لدى «ساما» فـي الخانة السلبية، وجاء التراجع الصافـي الأكبر من حساب مخصصات المشاريع، فـي حين سجلت ودائع الحساب الجاري زيادة صافـية.
اما الودائع الإجمالية لدى المصارف فسجلت فـي شباط الماضي أول تراجع لها على أساس سنوي فـي خلال ما يقارب 22 عاماً، فـيما بقيت القروض المصرفـية إلى القطاع الخاص جيدة
وبرغم انخفاض معدل التضخم فـي المملكة بدرجة طفـيفة إلى 4.2 بالمئة خلال شهر شباط (مقارنة بـ4.3 بالمئة خلال شهر كانون الثاني)، إلا أن أرقام ميزان المدفوعات حافظت على تراجعها، اذ اظهرت بيانات العام 2015 تسجيل عجز فـي الحساب الجاري بلغ 53.5 مليار دولار، فـي
وقت شكلت احتياطيات النقد الأجنبي المصدر الرئيسي لتمويل العجز الخارجي، وبقيت المكونات الأخرى للحساب المالي تسجل تدفقاً صافـياً إلى الخارج.
أبرز بنود مشروع «السعودية 2030»
فـي الآتي ابرز ما تضمنه مشروع «السعودية 2030»:
– طرح اقل من خمسة بالمئة من اسهم شركة «أرامكو» النفطية الوطنية العملاقة للاكتتاب العام.
– تحويل صندوق الاستثمارات العامة الى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بألفـي مليار دولار، ليصبح بذلك «أضخم» الصناديق السيادية عالميا.
– زيادة ايرادات الطاقة ستة اضعاف، من 43.5 مليار دولار سنوياً الى 267 ملياراً، من خلال اقتطاعات ضخمة من الدعم الحكومي على منتجات الطاقة وغيرها وسلسلة إجراءات تنفـيذية، ما يحد من اعتماد الايرادات الحكومية بشكل رئيسي على مداخيل النفط، ويقلل من تأثير تراجع أسعاره عالمياً على المالية العامة للبلاد.
– زيادة عدد الذين يؤدون مناسك العمرة سنوياً من ثمانية ملايين الى ثلاثين مليوناً بحلول العام 2030، عن طريق استثمارات وحوافز.
– تحسين تصنيف السعودية وجعلها من ضمن افضل 15 إقتصاداً فـي العالم، بدلاً من موقعها الراهن فـي المرتبة العشرين.
– رفع مساهمة القطاع الخاص فـي الناتج المحلي، من 3.8 بالمئة حالياً الى 5.7 بالمئة.
– رفع حصة الصادرات غير النفطية من 16 بالمئة من الناتج المحلي حالياً، الى خمسين بالمئة من الناتج.
– زيادة مشاركة النساء فـي سوق العمل من 22 بالمئة الى 30، وخفض نسبة البطالة من 11.6 بالمئة الى سبعة بالمئة فقط.
– إطلاق صناعة عسكرية سعودية.
– العمل على تعزيز مكافحة الفساد.
– إنشاء مكتب لإدارة المشاريع الحكومية وظيفته تسجيل كل الخطط والاهداف، ويبدأ بتحويلها الى ارقام والى قياس اداء دوري، ومراقبة مدى مواءمة عمل الجهات الحكومية، وخطط الحكومة، وبرامج الحكومة فـي تحقيق الاهداف.
Leave a Reply