كمال ذبيان – «صدى الوطن»
بعد 25 سنة من خروج العماد ميشال عون من قصر بعبدا بعملية عسكرية نفّذها الجيش السوري، عندما كان فـيه رئيساً لحكومة عسكرية عيّنها الرئيس أمين الجميّل مع انتهاء عهده فـي أيلول 1988، دون أن يتمكّن مجلس النواب من انتخاب رئيس للجمهورية، لأسباب خارجية وداخلية، ها هو عون يعود الى مقربة من القصر الجمهوري الذي يطمح بالعودة إليه رئيساً للجمهورية.
![]() |
جانب من تظاهرة «التيار الوطني الحر»، الأسبوع الماضي، على طريق القصر الجمهوري في بعبدا.(موقع التيار) |
أراد عون يوم 13 تشرين الأول ٢٠١٥ مختلفاً عما حصل فـي نفس التاريخ قبل ربع قرن، حين تم إسقاط حكومته فـي العام 1990، وأبعد عن رئاسة الجمهورية، حيث كان القرار الأميركي ضده، فحصل إتفاق سوري-أميركي فـي لقاء جمع الرئيس حافظ الأسد والموفد الأميركي ريتشارد مورفـي، وسُمي مخايل الضاهر مرشحاً لرئاسة الجمهورية، فرفضه عون ومعه البطريركية المارونية وقيادات سياسية وحزبية مسيحية، حيث تعطلت الإنتخابات الرئاسية، إلى أن حصل إتفاق الطائف، وكان عون خارجه كمرشح رئاسي، فوقف ضده ومنع إجراء الإنتخابات الرئاسية فـي بيروت، فنظمت جلسة الانتخاب فـي مطار القليعات وانتخب النائب رينيه معوّض رئيساً للجمهورية قبل أن يقع اغتياله بعد أسابيع قليلة من ذلك وتحديداً فـي ذكرى عيد الإستقلال يوم 22 تشرين الثاني 1989، ليخلفه الرئيس الياس الهراوي الذي تمرّد عليه عون ومنع وصوله الى القصر الجمهوري، وأبقى على حكومته والمؤسسات الرسمية والجيش خارج الشرعية.
التظاهرة التي نظّمها «التيار الوطني الحر» فـي محيط القصر الجمهوري فـي بعبدا، الأسبوع الماضي، وإن كانت لإستعادة مرحلة سابقة كان العماد عون فـيه يستقبل المواطنين بالآلاف فـي «قصر الشعب» ويحثّهم على الصمود بوجه «الإحتلال السوري» الذي يفرض قراره وسيطرته على لبنان بالإتفاق مع أميركا تحت عنوان تنفـيذ إتفاق الطائف، فإن هذه المرحلة بالنسبة لعون وتياره، أصبحت وراءه، وهي تختلف بظروفها ومعطياتها عن ما هو الوضع اليوم، إذ يعود عون مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية ومعه حلفاء أقوياء فـي لبنان كـ«حزب الله» الذي أعلن مباشرة وأكثر من مرة عبر أمينه العام السيد حسن نصرالله، دعمه لعون مرشحاً للرئاسة الأولى، وأنه بما يمثّل من حيثية شعبية ونيابية وسياسية هو الأقوى فـي بيئته المسيحية، ليكون رئيس الجمهورية، كما هي الحال والواقع فـي السلطات الأخرى كرئاسة مجلس النواب (شيعياً) ورئاسة الحكومة (سنياً).
والحشد الشعبي الذي ظهر فـي تظاهرة بعبدا، أثبت أن «التيار الوطني الحر» مازال متماسكاً، ولم ينكفئ عنه أعضاؤه ولا مناصروه، وقد لبّى عشرات الآلاف من «العونيين» نداء زعيمهم وزحفوا بإتجاه بعبدا على بعد مئات الأمتار من «قصر الشعب»، وهو التوصيف الذي أطلقه عون على القصر الجمهوري، يوم كان يقيم فـيه، وعاد ليذكّر بالإسم لأن الشعب يريده رئيساً للجمهورية، وهو دعا الى انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، فلم يُقبل اقتراحه «لأنه غير دستوري».
ووجّه عون بالمناسبة، خطاباً هادئاً، رغم أن التوقعات كانت تشير الى أن الخطاب المنتظر سيكون تصعيدياً، لكنه عمد الى إلقاء كلمة فـيها تذكير بالماضي، وفـيها تفاؤل بالمستقبل يؤكد ثقته بأن ما لم يستطع تحقيقه فـي نهاية ثمانينات القرن الماضي، سيتحقق فـي الأشهر المقبلة، تزامناً مع التطورات المتسارعة فـي سوريا، والدخول العسكري الروسي فـي الحرب على الإرهاب بطلب من الدولة السورية برئاسة بشار الأسد الذي إتصل هاتفـياً بعون عبر صديق وحليف مشترك، أمّن الإتصال بين الرابية حيث كان الشخص الصديق، وقصر المهاجرين فـي دمشق، حيث ترددت معلومات أنه أحد مسؤولي «حزب الله»، وقد يكون رئيس لجنة الأمن والإرتباط فـي الحزب وفـيق صفا، حيث أبلغ الرئيس السوري رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير»، أن الظروف الدولية والإقليمية، والتطورات العسكرية والسياسية السورية، تعمل لصالحه، وعلى عون الصمود خلال الأشهر المقبلة التي قد لا تمتد الى أكثر من مطلع العام المقبل، فـي ظل الإنجازات التي تتحقق فـي الميدان من خلال العمليات العسكرية المشتركة للجيش الروسي الذي يتولّى الجو بطيرانه، والجيش السوري والمقاومة اللذين يتوليان الأرض، وبدأ تطهير المدن والبلدات من الجماعات الإرهابية التكفـيرية، وتحديداً فـي شمال وشرق سوريا، من سهل الغاب الى ريف إدلب وريف حماه وجسر الشغور، وامتداداً الى حلب وريفها، وهذه مدن ومناطق تقع عند الحدود السورية-التركية، إذ تسعى روسيا وسوريا، الى السيطرة عليها التي منها يعبر ويتسلّل المسلحون وتُنقل الأسلحة والذخائر، وأن معركة إقفال المعابر على طول هذه الحدود، يعني أن جزءاً كبيراً من الأراضي السورية تعود الى كنف الدولة، وتسقط فكرة إقامة منطقة آمنة وعازلة عند الحدود مع تركيا التي كانت تسعى إليها. ففشلت بسبب الرفض الأميركي و«الفـيتو الأوروبي»، ولأن الهدف من المنطقة الآمنة، هو وقف الإرهاب من البوابة التركية، بعد أن أقفلت المعابر اللبنانية من الحدود الشمالية فـي عكار، الى مشاريع القاع وعرسال واللبوة عند السلسلة الشرقية فـي الجرود التي يحاصر الجيش فـيها مجموعات إرهابية.
من هنا فإن تطورات الميدان السوري ستقرر الحل السياسي فـي سوريا الذي سيكون لصالح النظام وبقاء الرئيس الأسد فـي السلطة التي فاز بها عبر إنتخابات مارسها الشعب الذي هو يقرر بنفسه مصيره وشكل نظامه والسلطة فـي سوريا، التي بدأ يقرّ بها من كان ضد الرئيس الأسد ومع رحيله من السلطة وإسقاطه منها، واستبعاده عن الحل، فإن دولاً أوروبية باتت تخضع لمثل هذا الموقف، وتطرح مرحلة إنتقالية فـي ظل رئاسة الأسد ووجوده فـيها.
وعلى خط هذه المعطيات كان الإتصال بين الأسد وعون، وجرى تسريبه عبر وسائل الإعلام، لإعلان رسالة واضحة تتخلص فـي أن الرئيس السوري يجدّد تأييده للعماد عون مرشحاً لرئاسة الجمهورية ويدعم ويؤيّد وصوله إليها، لأن النظرة الى عون صارت تحالفـية، ولم تعد مسألة عابرة، لأنه وقف الى جانب النظام السوري منذ الأيام الأولى للأزمة، ولم يتراجع عن موقفه الذي يصب لصالح الدولة السورية الحاضنة لكل شعبها والتي تمثّله بكل تكاوينه السياسية والحزبية، وتلاوينه الدينية، لأن البديل عن النظام والدولة، هو تنظيما «داعش» و«جبهة النصرة»، الخارجان من رحم «القاعدة» التي تدّعي أميركا محاربتها، فـي حين أنها تقوّي وجودها فـي الأراضي السورية والعراقية التي اقتطعتها «الدولة الإسلامية» فـي العراق والشام، لإقامة «الخلافة الإسلامية» أو «الإمارة الإسلامية»، مما يعني طرد وقتل كل المؤمنين من أصحاب الرسالات السماوية.
فالرئيس الأسد يؤيّد وصول عون الى رئاسة الجمهورية، متكئاً أيضاً على دعم السيد حسن نصرالله لإنتخابه، إذ أكّد فـي خطبه ومواقفه، أن عون رئيساً للجمهورية حتى لو بقي الموقع شاغراً الى عقود وأكثر، لأن وصول غيره لن يأتي لصالح المقاومة وحلفائها، وهو ما يرفضه فريق «14 آذار»، الذي سيقبل بعون، مع تغيير المعادلة فـي سوريا وكل المنطقة، والتي ستكون لصالح خط المقاومة والممانعة وإن كانت دول أخرى كأميركا وفرنسا وبريطانيا والسعودية ودول خليجية أخرى، يغضبهما وصول مرشح حليف لـ«حزب الله» وإيران وسوريا، وقد أعلن الرئيس فؤاد السنيورة وسمير جعجع وأطراف مسيحية فـي «14 آذار،» أنها ترفض فوز مرشح إيران وسوريا و«حزب الله» فـي رئاسة الجمهورية، وستبقى تعطّل جلسات مجلس النواب لمنع وصوله، كما أن فريق «8 آذار»، يرفض إنتخاب مرشح من «14 آذار»، لأنه سيبيع المقاومة متى استطاع، وهو ما لم يحصل طالما أن خط المقاومة وحلفاءها من دول «البريكس»، يقلب المعادلات لصالحه، سواء فـي الإتفاق النووي بين إيران والدول الست، أو فـي تراجع دور أميركا فـي الشرق الأوسط، وعدم فعالية الدور الأوروبي، وتعطل مشروع تركيا لبعث «العثمانية الجديدة»، وعدم استقرار الوضع السياسي والأمني التركي، ودخول الفلسطينيين فـي بدايات انتفاضة ثالثة، مازالت فـي طورها الأول، وتشتعل فـيها الضفة الغربية، كما الأراضي الفلسطينية المحتلة فـي العام 1948، وهذه كلها إشارات تصب فـي صالح محور المقاومة الذي يستطيع فرض رئيس الجمهورية، فهو كما فرض بقاء الرئيس الأسد فـي السلطة، فإنه بات قادراً على أن يوصل عون الى قصر بعبدا، بعد ربع قرن على خروجه منه، وبات على مسافة سياسية قريبة منه، وهو ما يفسّر سياسياً أن تكون التظاهرة فـي محيط القصر الجمهوري الذي أخرجته «الميغ» الروسية منه عام 1990، وتعيده «السوخوي» الروسية إليه بعد 25 سنة، وهو ما دفع عون المتفائل بارتفاع حظوظه فـي أن ينتخب رئيساً للجمهورية، أن يقول عن المشاركة العسكرية الروسية فـي الحرب على الإرهاب فـي سوريا، «إجا مَن يعرفك يا خروب ويعصرك»؟.
Leave a Reply