عواصم – توالت الأحداث على الساحة السورية خلال الأسبوع الماضي، فبعد إنجازات عسكرية هامة للجيش السوري في ريف دمشق وحلب، بايعت «جبهة النصرة»، التي تشكل القوة العسكرية الضاربة للمسلحين، زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري.
وإذا كان رئيس الطاقم السياسي-الأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية، اللواء عامود غلعاد، كشف الأسبوع الماضي عن تفضيل إسرائيل لتنظيم «القاعدة» في سوريا على «محور الشر» ونظام الرئيس السوري، بشار الأسد، فإن الكشف عن هوية «النصرة» شكل صفعة حقيقية لكافة الجهود الدولية لإسقاط نظام دمشق، وهو ما انعكس في نتائج «قمة الثماني» التي انعقدت الأسبوع الماضي في لندن.
«الثماني» مع حل جنيف
فقد تعهد بيان وزراء خارجية دول «الثماني» «بدعم عملية انتقال سياسي بقيادة سورية، وعمل الإبراهيمي، بناء على المبادئ التي ينص عليها بيان جنيف»، من دون أي ذكر لموضوع التسليح، وهو ما تطالب به بريطانيا وفرنسا، أو المعارضات السورية، بالرغم من اللقاء «الإيجابي» الذي جرى بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووفد من «الائتلاف الوطني السوري».
وقال وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا واليابان وكندا، في بيان في ختام اجتماعهم في لندن، «إنهم مصدومون لعدد القتلى الذين سقطوا خلال النزاع في سوريا، والذي تجاوز الـ 70 ألف شخص، وذلك بالإضافة الى أكثر من مليون من اللاجئين في الخارج، ومليونين من النازحين». ودعوا «كل الدول الى أن تتجاوب قدر الإمكان مع طلبات مساعدة سوريا إنسانياً، وان تتعاون جميع الأطراف (في سوريا) مع الوكالات الإنسانية لإيصال المساعدات الى السوريين».
وكرر الوزراء، في البيان، «تعهدهم بدعم عملية انتقال سياسي بقيادة سورية، وعمل المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي، بناء على المبادئ التي ينص عليها بيان جنيف. يجب أن تقدّم العملية الانتقالية ما يطمح إليه الشعب السوري وتمكنه من تقرير مستقبله بشكل ديموقراطي ومستقل». ودعوا مجلس الأمن الدولي الى البقاء مطلعاً على القضية.
واعتبر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، في مؤتمر صحافي في ختام الاجتماع، أن العالم فشل في حل الازمة السورية. وقال «لم يستطع مجلس الأمن الدولي الإيفاء بمسؤولياته لأنه منقسم. إن الانقسام يتواصل. هل استطعنا، خلال اجتماعنا، إيجاد حل لهذا الانقسام؟ كلا، ولم نتوقع حصول هذا الأمر. لقد فشل العالم، حتى الآن، الإيفاء بمسؤوليته».
وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بعد الاجتماع، أن وزراء الخارجية تمكنوا من التوصل الى الاتفاق بشأن أهم القضايا الدولية، بينها سوريا وإيران وكوريا الشمالية، بالرغم من وجود خلافات. وقال «بالطبع في البداية كانت المواقف تختلف بشكل جدي، ولكن بفضل العقل السليم والإرادة الطيبة تمت صياغة مواقف مشتركة تأتي في سياق ضرورة البحث عن حلول سياسية وديبلوماسية من دون عزل أي طرف». وأشار الى انه «تم التوصل الى مواقف توافقية من إيران والقضية النووية لشبه الجزيرة الكورية والأزمة السورية والنزاعات في أفريقيا».
من جانبه، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، خلال لقائه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في البيت الأبيض، أن الوضع في سوريا وصل الى «منعطف حاسم»، فيما حث بان كي مون قادة العالم، بضمنهم أوباما، على القيام بالمزيد من اجل المساعدة في وقف العنف.
واستغرب لافروف «استعجال الجامعة العربية بعقد اجتماع طارئ وإعطاء الائتلاف مقعد سوريا لدى الجامعة، متجاهلة أن هناك معارضة داخلية وأطرافاً معارضة أخرى لا تزال ترى في الحكومة مدافعاً عن جزء من الشعب السوري»، مؤكداً أن «سماح الجامعة العربية بتوريد الأسلحة إلى المعارضة ينتهك كل القواعد والقوانين الدولية». وأكد أن «القرار بشأن تجميد عضوية سوريا في هذه الجامعة اتخذ بشكل يخالف ميثاق الجامعة، الذي يقتضي الإجماع على مثل هذه القرارات وهذا ما لم يحصل، فقد اعترضت بعض الدول العربية على هذا القرار».
وفي سياق متصل، رفضت دمشق مهمة التحقيق التي قررتها الأمم المتحدة حول استخدام أسلحة كيميائية في سوريا كما حددها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية في بيان، إن «الأمين العام طلب مهاماً إضافية بما يسمح للبعثة بالانتشار على كامل الأراضي السورية وهو ما يخالف الطلب السوري من الأمم المتحدة»، معتبراً ذلك «انتهاكاً للسيادة السورية».
مسلحو المعارضة في ريف دمشق. (رويترز) |
مبايعة «القاعدة»
ولا يبدو أن توقيت مبايعة زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني لزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري على السمع والطاعة متعجلاً، حيث إن «النصرة» سبقت ذلك إلى استكمال الاندماج في المجتمع الريفي الحلبي والإدلبي، وبدأت تحدث تحولات في منهج العمل السياسي، وتناولها للجماعة السورية مادة رباط وجهاد. ولم يعترض على قرار المبايعة سوى تعليق «فيسيبوكي» لزعيم «الائتلاف» احمد معاذ الخطيب قائلا إن «خط القاعدة لا يناسبنا، وعلى الثوار أن يأخذوا موقفاً». أما «الائتلاف» فلم يجد ما يقوله في دخول «القاعدة» رسمياً الى بلاد الشام، حيث يُعدّ مع ذلك لفرض «حكومة مؤقتة» على كامل سوريا يجدر بـ«رئيسها» غسان هيتو أن يتساكن عندها مع الدولة الإسلامية التي يرعى قيامها الجولاني.
ويسيطر على المعارضة السورية الخارجية الخوف من احتمال عزلها إذا ما ذهبت بعيداً خلف المواقف الغربية، وأشهرت خصومتها للجولاني. فلا يسع «رئيس الحكومة السورية المؤقتة» المغمور في وقت واحد استعداء «النصرة» والسقوط بين مطرقتها وبين سندان «الجيش الحر» الذي رفض تعيينه، ويرفض منصب «وزارة الدفاع» التي عرضت عليه. وهو يحتاج إلى كليهما لكسب شرعية لا بد منها للعودة إلى الداخل السوري، وبسط سلطة إدارته عليه.
وكان زعيم «دولة العراق الإسلامية» أبو بكر البغدادي، قد أعلن أن «جبهة النصرة» الإسلامية المتشددة في سوريا جزء منها، وأنهما اندمجا تحت لواء «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، موضحا أن تنظيمه يزود نظيره في سوريا بالمال والمقاتلين.
وكان زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري قد دعا المسلحين السوريين إلى إقامة دولة إسلامية في سبيل عودة الخلافة. وقال الظواهري، في شريط صوتي مدته 103 دقائق بعنوان «توحيد الكلمة حول كلمة التوحيد» بث على الانترنت أمس، «يا أهلنا في الشام عليكم بالوحدة حول كلمة التوحيد، فليكن قتالكم في سبيل الله وفي سبيل تحكيم شريعة الله».
وأضاف الظواهري، في رسالته الأولى منذ تشرين الثاني العام 2012 «ابذلوا كل ما في وسعكم لتكون ثمرة جهادكم بإذن الله دولة إسلامية مجاهدة… دولة تكون لبنة في عودة الخلافة الراشدة».
وحذر الظواهري المسلحين من «مؤامرات» أميركية عليهم، مؤكدا أن «العدو بدأ بالترنح والانهيار». وقال «احذروا من مؤامرات أميركا والدول العربية و(المبعوث العربي والدولي) الأخضر الإبراهيمي و(الأمين العام لجامعة الدول العربية) نبيل العربي وأشباههم، فإنهم يريدون سرقة تضحياتكم وجهادكم ليقدموها لمن يرضى عنهم من أكابر المجرمين في واشنطن وموسكو وتل أبيب».
واعتبر الظواهري أن «القتال في سوريا قد كشف إيران و«حزب الله» وألحق سقطة ثالثة بطهران بعد العراق وأفغانستان». وقال «لقد كشف الله بجهادكم كثيرا من الحقائق الملتبسة وسقط بفضل ثباتكم كثير من الأقنعة عن الوجوه الشائنة. لقد انكشف الوجه الحقيقي لإيران وحزب الله، وظهرت حقيقتهم البشعة في ميدان الجهاد في الشام».
الجيش السوري يتقدم فـي ريف دمشق وحلب
ميدانياً، وبعد التقدّم الذي أحرزته المعارضة السوريّة المسلّحة في بعض مناطق محافظة درعا في الأيام القليلة الماضية، كثر الحديث عن إنطلاق معركة إقتحام دمشق إنطلاقاً من الجنوب. لكن التقدّم الذي أحرزه الجيش السوري أخيراً في بعض بلدات وقرى ريف دمشق وتطويقه الغوطة الشرقيّة، بات قاب قوسين أو أدنى من الإعلان عن أنّ معركة دمشق لن تبدأ أبداً! ففي خطوة تقول المصادر السورية إنها مفصلية في الحرب الدائرة في بلاد الشام نفّذ الجيش السوري عدداً من الهجمات المفاجئة في ريف دمشق، أدت إلى تطويق الغوطة الشرقية، ومحاصرة المسلحين الذين يفترض بهم مهاجمة العاصمة.
وغداة إعلان السلطات السورية نجاح قواتها العسكرية في تحقيق تقدم ميداني مهم على جبهتي حلب، من خلال السيطرة على قرية عزيزة، وريف دمشق من خلال إحكام القبضة على منطقة الغوطة الشرقية، كانت دمشق على موعد مع جنازات جديدة حيث اختار انتحاري جديد العاصمة السورية، وأكثر ساحاتها حيوية واكتظاظاً، ليفجر السيارة التي كان يقودها موقعاً 160 قتيلاً وجريحاً سقطوا في منطقة السبع بحرات في وسط دمشق،
وقال مصدر عسكري سوري لصحيفة «السفير» اللبنانية إن «الانتحاري الذي فجّر نفسه في ساحة السبع بحرات وسط دمشق ربما لم يصل إلى هدفه النهائي»، موضحاً أن المنطقة التي تضم المصرف المركزي مغلقة بالكامل. وقالت مصادر ميدانية «ربما هو ما تم الاستعاضة عنه بتضخيم كمية المتفجرات لتطال مساحة أوسع». وقال شهود لوكالة «اسوشييتد برس» إن الانتحاري فجر السيارة بعد أن أوقفه حراس مبنى هيئة الاستثمار.
دمشق محصنة؟
المعلومات الواردة من دمشق تشي بانقلاب الصورة. فبعد الحديث طويلاً عن إعداد قوى المعارضة السورية العدة للهجوم على العاصمة، فاجأ الجيش السوري أعداءه بعدد من الهجمات المتفرقة في ريف دمشق، وبهجوم موسع في أقصى شرق الغوطة الشرقية.
وبحسب مصادر سورية رفيعة المستوى، يمكن القول إن نتائج الهجمات التي شنها الجيش تعني أن «معركة دمشق» التي كانت تتحدّث عنها المعارضة صارت صعبة، إن لم تكن مستحيلة في المدى المنظور.
من جهتها، أكدت مصادر سورية معارضة أن الغوطة الشرقية صارت فعلاً تحت الحصار، متحدّثة عن إعداد العدة لمواجهة هجمات من المتوقع أن ينفذها الجيش السوري في هذه المنطقة.
ما تقدم لا يعني، أن جبهة دمشق وريفها ستهدأ، بل إنه من غير المستبعد أن يعمد المسلحون إلى تكثيف عملياتهم الأمنية (بقذائف الهاون وبالسيارات المفخخة) على بعض المناطق، لإيذاء المدنيين، ولمحاولة التقليل من أهمية ما حققه الجيش.
ومع إعلان القيادة العامة للقوات المسلحة «إحكام الطوق على كامل الغوطة الشرقية»، أفادت مصادر عسكرية سورية بأن العمليات المقبلة تستهدف توسيع «الطوق الآمن» حول دمشق لمنع أي عملية اختراق عسكري للعاصمة.
ومن المرجح أن تكون للتطورات الميدانية نتائج مباشرة على المفاوضات الجارية بشأن الأزمة السورية برمتها، لاسيما بعد أن كان الرئيس أوباما قد استمهل نظيره الروسي فلاديمير بوتين مدة شهرين، للعودة إلى مباحثات جدية بشأن سوريا. وتشير المصادر إلى أن أوباما استمهل هذا الوقت بعدما تلقى من جهات دولية داعمة للمعارضة السورية، ومن جهات استخبارية تتابع الوضع السوري عن كثب، وتساهم في الحرب الدائرة في سوريا، وعوداً بإحداث نقلة نوعية في المشهد العسكري السوري، في دمشق تحديداً، لصالح المعارضة. وتلفت المصادر إلى أن ما جرى ميدانياً خلال الأيام الماضية، وما سيتبعه لاحقاً، سيدفع الدول الداعمة للمعارضة المسلحة إلى إعادة حساباتها بشأن الوضع برمته في الشام.
Leave a Reply