عنوان لفيلم وثائقي عرض على شاشة فضائية عربية مؤخرا، من إنتاج غربي ومترجم إلى العربية، يحكي قصة صبي فلسطيني في الثانية عشرة من عمره، أجبرته الظروف الإقتصادية الصعبة في غزة أن يعمل بائعا للشاي في المستشفى الوحيد في المدينة – الشفاء- ليعيل أبا أقعده المرض وأماً وخمسة أخوة كلهم أصغر منه، وجميعهم يقيمون في بيت نوافذه وأبوابه شبه مخلّعة، وجدرانه الخارجية مكسوة بالشعارات المكتوبة بكل الألوان ولكل الفصائل.ترى هذا الصبي الذي حرمته الظروف من متابعة الدراسة يفيق صباحا ويحمل عدة البيع ويذهب مسرعا إلى داخل المستشفى ليبيع عدة أكواب من الشاي للممرضين والزوار وسائقي التكسي يعود بعدها فرحا يسلم أمه بضع شاقلات – العملة الإسرائيلية – وبعض ملاليم لا تسمن ولا تغني من جوع. الكثيرون في المستشفى يشربون شاي الصبي لا عشقا في الشاي، ولكن لمساعدة الصبي صاحب الحظ العاثر.وخلال متابعة الكاميرا لـ«بطل» الفيلم أثناء تواجده في المستشفى، يود مخرج الفيلم أن ينقل صورة عن الوضع الأمني المتردي في المدينة من خلال متابعته لأحداث معركة بين عشرات المسلحين في محيط المستشفى وداخله، وما هي إلا لحظات تأتي بعدها سيارات الإسعاف مسرعة بصفاراتها وأضوائها تنقل ما اسفر عنه الإشتباك من قتلى وجرحى، ليوضع من فارق الحياة في ثلاجات الموتى ويرصّ من يصارع الموت في الردهات ريثما يتوفر له سرير يمضي ليلته فيه. أما الأطباء والممرضون في المستشفى فمعاناتهم لا تقتصر على نقص الدواء وإنقطاع الكهرباء وشح الإمكانيات والرواتب المقطوعة بل أحيانا يضطرون للإحتماء في مكاتبهم حين تحتدم الإشتباكات داخل أروقة المستشفى، عندها لا يجدوا ملجأ ولا مغيثا سوى الإتصال تلفونيا بالمسؤولين ورؤساء الأجهزة الأمنية ليجدوا لهم مخرجا.بعد ذلك تنفرد الكاميرا بواحد من الممرضين بعيدا عن أجواء المستشفى المثقلة بالدم والدواء ورائحة البارود، كأنها لحظات رومانسية يود هذا الممرض إقتناصها بعيدا عن همومه اليومية، يركب سيارته التكسي التي يعمل عليها بعد دوام المستشفى ليذهب إلى شاطئ بحر غزة عند المغيب، ساعة ترخي الشمس ضفائرها البرتقالية لتستريح من عناء يوم كئيب. أراد مخرج الفيلم ومنتجه من وراء سرد هذه القصة أن ينقلا صورة مقطعية لحياة الفلسطينيين في ظل الإحتلال، بالضرورة ليست مقتصرة على أهل غزة، وإنما سيجد لها المشاهد مثيلا في نابلس وجنين والخليل ورام الله، قد تختلف في شخوصها وحبكتها وشدة مرارتها، لكنها صورة تحكي قصة شعب اثخنت جراحه حراب الإحتلال وزادت في معاناته حروب الأخوة. كنا نتمنى أن تلتفت شركات الإنتاج الفني العريبة إلى تصوير معاناة الفلسطينيين في شقها الإجتماعي والإنساني بهدف تغيير صورة نمطية رسمها الإعلام الغربي في مجمله للفلسطينيين على أنهم مجرد ثوار أو إرهابيين ليس من هدف لهم سوى سفك الدماء اليهودية.
Leave a Reply