ثمة توافق يتبلور في الاوساط الاقليمية والدولية المعنية بالشأن اللبناني، (وما اكثرها) على خطورة المنعطف الذي بدأت تتخذه ازمة الاستحقاق الرئاسي اللبناني مع اخفاق اول محاولتين لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ومع اتجاه غالب ان تخفق المحاولة الثالثة المقررة في 12 تشرين ثاني (نوفمبر)، ليدخل بعدها لبنان في «الليالي العشر» الفاصلة عن الدخول في الفراغ الدستوري، ودخول لبنان بالتالي بكل اطيافه وحركاته وتياراته السياسية والطائفية في المجهول.هذا التوافق على خطورة الازمة اللبنانية تحت عنوانها الرئاسي هو ما يدفع باطراف الازمة في الخارج، ثم في الداخل، الى الاجتهاد على مدار الساعة لاحداث اختراق في جدارها تنفذ منه هذه الاطراف الى مرحلة اخرى من ادارة الصراع غير محكومة بضغط الوقت، ليتسنى لها التقاط الانفاس والانتقال الى بازار المساومات بعيداً عن الحاح المواعيد.جاءت قمة الرئيسين جورج بوش ونيكولا ساركوزي في البيت الابيض، وبعد خطاب الرئيس الفرنسي امام الكونغرس الاميركي، وتأكيده على الحاجة الى رئيس يرضى عنه معظم اللبنانيين، ولا يكون معادياً لسوريا، لتعزز خيار التوافق الدولي – الاقليمي على دفع اللبنانيين الى اختيار رئيس يطلقون عليه لقب «الرئيس التوافقي» وهو التعبير الذي يعني بالقاموس السياسي الداخلي اللبناني رئيس ادارة الازمة المتصالح مع الجميع، وغيرالقادر على اغضاب اي طرف بانتظار ان ترسو سفينة الملفات الاقليمية الساخنة على «شاطئ ما، اذا قدر لها ان تبلغه في خضم الصراعات القائمة بين الادارات.يمكن النظر الى «التفويض» الذي منحه الرئيس الاميركي لحليفه الفرنسي «الواعد» نيكولا ساركوزي بالعمل مع الاطراف الداخليين والاقليميين، لأجل تأمين انتقال غير عنيف للحكم عبر انتخابات ضمن المهل والاعراف الدستورية، على ضوء ما يلمح الفرنسيون انهم انتزعوه من القيادة السورية على شكل تعهد بالعمل مع حلفائهم اللبنانيين على تمرير الاستحقاق الرئاسي «دون تدخل خارجي» وترك الاختيار للبنانيين انفسهم، وهذه احجبة باتت تتطلب عرافين لفك طلاسمها، اذ كيف يُسمح للبنانيين بتحديد خياراتهم، فقط اذا توافق الخارج الاقليمي والدولي على منحهم حرية هذه الخيارات ولا يسمى ذلك «تدخلاً خارجياً»!؟والارجح ان الاطراف الخارجية والدولية لم تعد في وارد الانتباه ان اللبنانيين، رغم دقة مصيرهم لا يزال بينهم من يمتلك عقولاً يجب احترامها وهم يهندسون الكلام الدبلوماسي فوق خرائط انقسامهم ويمنون عليهم بنعمة «ترك الاختيار» لهم، وهذا اشبه بمن ينظر في المرآة الوحيدة المتوافرة وهي مرآة الصراعات الدولية والاقليمية فينكر صورته بكل تشوهاتها ولكنه لا يكسر المرآة احتجاجاً على ما تعكسه من بشاعة الانقسام.على ان اللبنانيين بكل اطيافهم وخصوماتهم المستفحلة ومتاريسهم السياسية المرفوعة، يتضرعون لكي تلهم القوى الدولية والاقليمية الحكمة فتجنبهم الكأس المرة التي بانتظارهم اذا ما تحولت المتاريس السياسية القائمة الى متاريس امنية في استعادة لحروبهم الاهلية البشعة ولمسلسل الرقص فوق جثثهم الذي لم ينته فصولاً منذ ان قام كيانهم السياسي في العام 1920 تحت اسم «دولة لبنان الكبير».والتقارير الواردة من لبنان حول انتشار السلاح ومعسكرات التدريب لدى طرفي المعارضة والموالاة تحمل صورة سوداوية لمصير هذا الكيان ويرسم بعضها سيناريوهات المواجهات العسكرية المقبلة وخطط الاطراف للسيطرة على هذه المنطقة او تلك اذا اخفقت محاولات التوافق ودخل لبنان في نفق الصراعات الاهلية مجدداً.تعتقد قوى الاكثرية المتحمسة لخيار النصف زائد واحد ان الرئيس الذي سيأتي به هذا الخيار سيحظى باجماع عربي ودولي (باستثناء سوريا وايران)، وسوف يتجرعه البطريرك الماروني مع الوقت كأمر واقع، على غرار ما حصل من تمديد للرئيسين الياس الهراوي واميل لحود، رغم اعترافها بعدم قدرة هذا الرئيس على الاقامة في قصر بعبدا على المدى القريب وبانتظار التطورات الاقليمية والدولية.بالمقابل تبدو المعارضة غير مقتنعة بقدرة الاكثرية على انتخاب رئيس للجمهورية بالاكثرية المطلقة وهي لا تزال ترى ان واشنطن تفضل بقاء حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، على خيار انتخاب رئيس سيكون مطعوناً بشرعيته من نصف اللبنانيين على الاقل، ولان هذه الحكومة تحظى بدعم عربي ودولي غير محدود.لكن اطراف المعارضة المسيحية يتهيبون هذا الاحتمال ويرون فيه ثنائية حكم اسلامي للبنان عن طريق رئيس حكومة سني ورئيس مجلس نيابي شيعي، يغيب عنها الموقع المسيحي بانتظار تبلور الوضع الاقليمي القائم وغير المحدد بسقف زمني واضح المعالم.وانطلاقاً من هذه المعادلة التي قد تحكم الوضع اللبناني في القادم من الايام يعلي زعيم «التيار الوطني الحر» الجنرال ميشال عون الصوت الذي يبدو موجهاً الى حلفائه وخصومه على حد سواء قاطعاً بأن بقاء حكومة الرئيس السنيورة يمثل «حالة فراغ دستوري» مثل عدم التمكن من انتخاب رئيس جديد.وقد يكون الجنرال عون وصل الى ادراك ولو متأخر، بأن حلفه مع المعارضة المتمثلة بـ«حزب الله» لن يوصله الى لقب فخامة الرئيس وان كلا من حلفائه في المعارضة وخصومه في الاكثرية قد يرتضون «فخامة الفراغ» ويستمرون في ادارة صراعاتهم في ظله تحت سقف الضوابط الاقليمية والدولية.الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عاد من البيت الابيض بصورة اقل رمادية للموقف الاميركي تجاه الاستحقاق الرئاسي وربما شجعت تطورات الوضع الباكستاني ومحنة الحليف الابرز في الحرب على الارهاب الجنرال مشرف على تكليف المفاوض الفرنسي في سد الثغرة اللبنانية، بانتظار حسم الادارة الجمهورية لخياراتها في المنطقة وهي خيارات تتجه نحو خوض حروب جديدة مع ايران وربما في باكستان، اذا قيض لاسلامييها السيطرة على الحكم وعلى قنابله النووية وقبض اسامة بن لادن على نسخة من المفاتيح السرية للسلاح النووي الباكستاني!.فهل ينجح المفاوض الفرنسي في خوض معركة الاميركيين متوكأ على رصيد الارث الاستعماري القديم لفرنسا وعلى فهمها المختلف لشعوب المنطقة وثقافتها وسلوك انظمتها، ام ان النفوذ الايراني في المنطقة اطاح منذ زمن بالخطوط الحمراء للدول الوطنية التي افرزتها معاهدة سايكس-بيكو وصار بالتالي لزاماً على «السايكسبيكيين الجدد» اعادة النظر الجذرية بتقسيمات المنطقة والتي بدأت في العراق ويجري استكمالها في بلاد الشام لتطال لاحقاً كل ما يعرف بمنطقة الشرق الاوسط وصولاً الى شمال افريقيا ووسط آسيا.الم يقل الرئيس الاميركي ان امتلاك ايران للسلاح النووي سيشعل «حرباً عالمية ثالثة»… ويحدثونك عن انتخابات رئاسية لبنانية «بدون تدخل خارجي»!.
Leave a Reply