المعارك الطاحنة التي دارت رحاها في طرابلس ذكرتنا بجولات الحرب الأهلية التي بدأت عام ١٩٧٥ بعد مجزرة «بوسطة عين الرمانة» التي ارتكبتها «الكتائب اللبنانية» حاملة شعار «في خدمة لبنان(!)» لكن تبين فيما بعد أنها عقدت حلفاً مع إسرائيل منذ ١٩٥١، تبلور وتطور في فترة الحرب حتى وصل إلى ذروته مع تحالف شارون-بشير الجميل ثم تسلل الأخير لرئاسة الجمهورية على متن الدبابة الإسرائيلية ثم إبادته في إنفجار مكتب «الكتائب» في الأشرفية قبل أن يهنأ بقصر بعبدا. «بوسطة طرابلس» المذهبية إلاقصائية هي أخطر بكثير لأنها مشروع فتنوي وتطهير عرقي وتقاطع مصالح دولية مرتبطة بالمؤامرة الكونية على سوريا.
لنحلل الأمور على بساطٍ أحمدي ومن دون قفازات كالعادة. «سياسة النأي بالنفس» الأمارة بالسوء الميقاتية والوسطية كان المقصود منها التهرب من الإلتزامات الأخلاقية والأدبية تجاه بلدٍ شقيق له أفضال كبيرة على البلد السائب والتنصل من حسن الجوار وميثاق الدفاع المشترك والمعاهدات الأمنية والتجارية مع سوريا، وكله كرمى لعيون فيلتمان والغرب ومن تبعهما من ممالك ومشيخات الخليج. بدأ التهرب اللبناني تدريجاً من الإمتناع عن التصويت في «جبانة» الجامعة العربية في قراراتها الغادرة ضد سوريا، إلى غض الطرف عن تهريب السلاح من الشمال إلى الذباحين التكفريين وأكبرها الباخرة «لطف الله-٢» التي لم يرها وسام الحسن والسيء الذكر سعيد ميرزا، إلى إستخدام سيارات النواب الزرق في خدمة السلاح المهرب والمعارضين السلفيين، وهنا أيضاً لم ير ميقاتي ووسام الحسن تهريبات جمال الجراح وخالد الضاهر لكنهما ركزا جل همهما على المناضل الوطني ميشال سماحة الذي تبين أن العميل التابع لمليشيا «المعلومات» المتصهين إقترح عليه خطة تخويف المعارضة التكفيرية وأماكن التفجير من ضمن نقاشٍ بينهما إقتطع العميل كفوري جزءاً منه من أجل نصب كمين على طريقة ما نسميه هنا «التفخيخ» (entrapment). «النأي بالنفس» لم يمنع السلطة من دخول مقاتلي «القاعدة» منطقة الشمال والمناطق السورية المحاذية فيما يشبه «إمارة إسلامية سلفية»، ومن يذكر تصريح وزير الدفاع اللبناني عن وجود معلومات لدى قيادة الجيش أن عناصر «القاعدة» تتسلل عبر بلدة عرسال، فقامت الدنيا ولم تقعد وهب العرساليون يثأرون لكرامتهم المهدورة ولم يبق أحد من «قرطة حنيكر» الصغار إلا وقام بزيارة عرسال وإن لم يسمع معظمهم بها من قبل، وإن كان العرساليون من قبل الشعب المختار لسكين بشير الجميل وسمير جعجع خلال حرب المجازر الطائفية والتطهير العرقي القواتي. أما الآن «فلحّقوا» على وجود الوهابيين والسلفيين و«القاعديين»، ليس في طرابلس فحسب، بل في مناطق بيروت والحمرا حيث يكتشف كل يوم وجود أحد «قطّاع الرؤوس» المجرمين الذين يأخذون فسحة إستجمام من القتل والبطش ضد الناس الأبرياء. إنه زمن لئيم وخسيس ذلك الذي يدفع هؤلاء السفاحين لأن يذبحوا البشر كالنعاج وهم يهتفون بإسم الجلالة (وهو منهم براء) بأعلى اصواتهم، بدل أن يستخدموا طريقة الإعدام رمياً بالرصاص كما يحدث عادةً في كل الحروب! حتى السفاح المجرم منهم ممنوعٌ تسليمه إلى سوريا، وهوما تمنع عنه جهاز الأمن العام حمايةً لهم من الإعدام، ورغم ذلك حمل المنافق وليد جنبلاط على الأمن العام ورئيسه، لكي لا يبقى جهاز أمني خارج أيادي وسيطرة الـ«١٤ عبيد زغار»!
هذه السياسة التي «تلعّي» النفس لم توقف البلد العاق من تأييد تعليق عضوية سوريا، البلد الشقيق المؤسس، من منظمة «التآمر الإسلامي» في الجزيرة العربية، ذلك أن الذي تزعم الحملة هم آل سعود ولبنان لا قبل له على معاداتهم. لم يتناول الإعلام المرتزق هذا الموقف اللبناني الجبان وعندما إستنكره الكاتب الوطني طلال سلمان في «السفير» ردت عليه قطر والسعودية، الحريصتان على الديمقراطية وحرية الرأي (فقط في سوريا وليس في بلد النفط والغاز أو البحرين الشهيد)، بمنع جريدته من دخول البلدين.
والآن بعد مسخرة شادي المولوي وإعادة إعتقال ضباط وعناصر جيش الحاجز الذي قتل فيه الشيخان في الكويعات بعد تبرئهم، بسبب ضغط الشارع السلفي، أصبحت طرابلس منطقة مفتوحة لكل القوى المعادية لسوريا والمقاومة. في هذا المناخ السام بوجود قوى حاقدة مذهبية ناقمة تولد فطريات بأسماء عسكرية طائفية عنصرية تريد أن تخلق معادلة الشمال مقابل الضاحية من أجل إستخدام ورقة التوازن الإستراتيجي والردع مع المقاومة التي حققت هذا الإنجاز خصوصاً بعد الإكتشاف الأخير أن حياة سكان الكيان سوف تتحول إلى جحيم مدمر إذا اعتدت إسرائيل علينا. وبدل أن تصب هذه المجالس المذهبية البغيضة همها في دعم وإسناد المقاومة والتفاخر بها لأنها حققت معجزات النصر ضد العدو التاريخي للأمة، تجدها أشد عداوةً لها تحقق لإسرائيل ما لم تكن تحلم به في ساحة القتال. لقد قالها موشى أرينز، الصهيوني العتيق، أن معالجة خطر سلاح المقاومة غير عسكري بل عبر معارضة سكان الداخل! المخطط المرسوم للشمال يقضي بطرد كل المحسوبين على ٨ آذار، ولو كانوا نياماً، وإنشاء قوة عسكرية ضاربة مؤلفة من فلول «الجيش السوري الحر» و«القاعدة» والتكفريين والوهابيين تحيط بالضاحية الجنوبية من كل إتجاه وخصوصاً طريق الجنوب الحيوي، وتكون مستعدة للإشتباك مع المقاومة وقطع طريق إمدادها من أجل إنهاكها ونزع سلاحها. لكن المقاومة التي «كيّعت» «الجيش الذي لا يقهر» ألا يعتقد هؤلاء أن لديهاً خططاً بديلة؟ إنها مجرد أضغاث أحلام!
Leave a Reply