خاص «صدى الوطن»
العمل المؤسساتي مفتاح لحماية الحقوق والمصالح الجماعية، هذه قاعدة لا مفر منها في النظام الأميركي، وهذا ما نجحت «جمعية تجار الأغذية والوقود» (أي أف <ـي دي) في ترسيخه على مدى عقود من الجهود والتنسيق بين آلاف أصحاب المصالح التجارية في الغرب الأوسط الأميركي عامة وميشيغن خاصة.
النواة والتأسيس
النواة الأولى لـ«جمعية تجار الأغذية والوقود» تشكلت في العام 1910 على يد مجموعة صغيرة من أصحاب متاجر بيع اللحوم في منطقة ديترويت. فقد وجد هؤلاء في تكتلهم ضرورة لحماية مصالحهم التجارية التي كانت عرضة لقوانين جديدة مجحفة بحقهم، فراحوا يجتمعون بشكل دوري لمناقشة القضايا المستجدة والبحث في كيفية تطوير وتحسين تجارتهم.
كان اسم النواة الأولى «جمعية ديترويت لتجار التجزئة للحوم». وفي 1913 ضمت جهودها لمجموعة أخرى تعنى بمصالح تجار التجزئة للمواد الغذائية (أصحاب محلات البقالة) لتبدأ المجموعتان بالتحرك نيابة عن أعضائهما لرعاية مصالحهم الجماعية والدفاع عنها، ولكن بقيت الجمعيتان منفصلتين.
وفي 1916 بدأت جمعية «اللحامين» في قبول رسوم الاشتراك لعضويتها، وأقامت في ذلك العام مؤتمرها الأول. وبعد ثلاثين عاماً من الجهود والتنسيق مع جمعية أصحاب محلات البقالة، تقرَّر في العام 1946 دمج الجمعيتين وتكوين منظمة واحدة هي «جمعية تجار التجزئة للأغذية في ديترويت الكبرى» التي عملت لـ١٤ عاماً قبل أن تندمج مع «جمعية تجار الأغذية بالجملة في ديترويت الكبرى» لتتكون «جمعية تجار الأغذية في ديترويت الكبرى».
وقد استمر اسم المنظمة في التغيّر على مدى السنين في ظل تمددها وازدياد عدد أعضائها ليشمل العديد من القطاعات التجارية الأخرى داخل وخارج ميشيغن.
واليوم باتت «جمعية تجار الأغذية والوقود» واحدة من أقوى المنظمات واكثرها تأثيراً في مجالات صناعة وتجارة الأغذية والمشروبات والوقود في منطقة الغرب الأوسط الأميركي، ولاسيما في ميشيغن حيث تتمتع الجمعية بتأثير كبير على المشرعين في لانسنغ وقد ساهمت بفعالية بالوقوف ضد مشاريع القوانين التي من شأنها أن تؤثر سلباً على مصالح أعضائها، كما كان لها دور بارز في إقرار عدة تشريعات في الولاية.
الجمعية اليوم
يعتبر عدي عربو، الرئيس والمدير التنفيذي الحالي لـ«جمعية تجار الأغذية والوقود» إن المنظمة لا تحمي مصالح أعضائها وحسب بل هي تحمي قيم المجتمع التي تقوم على العائلة، خاصة وأن معظم المصالح التجارية التي تعنى بها الجمعية مملوكة لعائلات وتشكل مصدر رزق لها. ويعلق عربو على عمله وعلى التحديات التي يواجهها مع الأعضاء بالقول إن ذلك يذكره بوالده «فهم يكدون ويعملون بجد ويقضون الساعات الطويلة في متاجرهم من أجل تطويرها وإنجاحها.
عدي عربو، الرئيس والمدير التنفيذي الحالي لـ«جمعية تجار الأغذية والوقود» |
توفي والد عربو منذ ست سنوات وقد كان صاحب متجر بقالة (سوبر ماركت) في ولاية كاليفورنيا، بعد ذلك توجه ابنه عدي الذي كان يعمل محامياً هناك الى ميشيغن «تركت مهنتي بالقانون لأحمي أشخاصا يشبهون والدي في تضحياتهم ولذلك أنا هنا لخدمتهم «إني أرى والدي في كثير من هؤلاء التجار، سواء كانوا أصحاب متاجر أو محطات وقود.. أرى فيهم القيم العائلية.. وتضحياتهم من أجل أن يوفروا حياة أفضل لأسرهم وأطفالهم»، ويضيف عربو «أريد أن أكون جزءاً من عملية تحقيق كل تلك الأماني والطموحات».
وفور قدومه من كاليفورنيا انضم عربو الى «أي أف <ـي دي» ليتولى رئاسة مكتب الجمعية في العام 2008، وفي العام ٢٠١٠ انتخب مديراً تنفيذياً ورئيساً للمنظمة.
دور فعال
يبلغ اليوم عدد المنتسبين للجمعية حوالي أربعة آلاف عضو من كافة أنحاء ميشيغن وأوهايو ومناطق أخرى من الولايات المجاورة، وهو ما يجعلها أقوى جمعية تعنى بحماية مصالح تجار الأغذية والوقود في منطقة الغرب الأوسط. وتضم الجمعية في عضويتها أصحاب المتاجر ومحطات الوقود وتجارة الجملة والموزعين والصناعيين.
وإضافة الى دورها التاريخي الحافل تتمتع الجمعية اليوم بدور قيادي في الضغط على المشرعين لإجهاض أو لإقرار قوانين تتعلق بالقطاعات التي تعنى بها.
قوانين لصالح أصحاب المتاجر
واحد من القوانين التي كان للجمعية دور فعال في إقرارها مؤخراً في ميشيغن عبر الضغط (اللوبي) على صناع القرار في لانسنغ، كان قانون يتعلق بتوقيت توزيع مخصصات الـ«فود ستامب» (المساعدات الغذائية من حكومة الولاية). فقد سمح القانون الجديد، الذي جاء بمبادرة من الجمعية وبتمويل من أعضائها (180 ألف دولار)، للمستفيدين من برنامج الإعانات الغذائية الحكومية بأن يشتروا حاجاتهم الغذائية على مدار الشهر، بعد أن حدد القانون اليوم الـ٢٣ من كل شهر حد أقصى لاستخدام بطاقات الـ«فود ستامب» بعد أن كان مقتصراً على الأيام العشرة الأوائل من كل شهر.
وقد سمح هذا التعديل للمستهلكين بالحصول على المواد الغذائية طازجة بدل من تكديسها في مطلع الشهر، كما مكن هذا الاجراء المتاجر من الحفاظ على استقرار مستوى المبيعات على مدار الشهر.
صورة للمؤسسين مع حاكم ولاية ميشيغن الاسبق. |
ويؤكد عربو لـ«صدى الوطن» أن تعديل قانون الـ«فود ستامب» في ميشيغن جاء بفضل جهود الجمعية حصراً.
كما ساهمت «جمعية تجار الأغذية والوقود» في إقرار «القانون 166» (أس بي 331) الذي خفّض الضريبة المفروضة على تجار التجزئة للمشروبات الكحولية في ميشيغن بحوالي 14 مليون دولار سنوياًَ.
وبفضل القانون الجديد، ولأول مرة منذ ٣٨ عاماً، أصبحت الضريبة التي يدفعها أصحاب المتاجر على قنينة الكحول تساوي الضريبة التي يدفعها أصحاب المطاعم والحانات. ما يعني أنه ابتداءً من مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الجاري سيوفر أصحاب المتاجر 1,85 دولار من ضريبة كل قنينة.
كما أكد عربو دور الجمعية الفعال في منع «ضريبة ميشيغن على المتاجر» (أم بي تي) التي استبدلها الحاكم ريك سنايدر بضريبة «صديقة» لأصحاب المتاجر، على حد قول عربو، الذي أكد أن العديد من أعضاء الجمعية سيكونون معفيين منها.
وكان للجمعية دور كبير في إعلاء صوت أصحاب المتاجر في ديترويت، بعد أن تقرر تقديم إعفاءات ضريبية لسلسلة متاجر «هول فودز» فور إعلانها عن افتتاح فرع لها في المدينة. وطالبت الجمعية المعنيين بتقديم إعفاءات ضريبية مماثلة لأصحاب المتاجر الشرق أوسطيين (عرب وكلدان) لأنهم بذلوا سنوات من العمل في المدينة التي هجرها الآخرون، «لولا «أي أف <ـي دي» لما استطاع التجار الشرق أوسطيين رفع الصوت بهذا الخصوص» يقول عربو.
ولـ«جمعية تجار الأغذية والوقود» اهتمامات حالية أبرزها العمل على إلغاء القانون الحالي لتكرير القناني الفارغة واستبداله بخطة شاملة على مستوى الولاية. والجمعية الآن بصدد تكوين تحالفات لتقديم مشروع قانون لالغاء «قانون القنينة» المعمول به حالياً، والذي يدفع أصحاب المتاجر الى قبول العبوات الفارغة، مما يشكل بحسب عربو، وأعضاء من الجمعية، عبئاً على المتاجر، خاصة تلك التي تبيع الأغذية، لأنها تسبب مشكلة صحية بسبب الأوساخ التي تحملها العبوات والقوارير الفارغة.
فوائد مالية للأعضاء
يتمتع الأعضاء المنتسبون لـ«جمعية تجار الأغذية والوقود» بمزايا «برامج التوفير المالي» التي تقدمها المنظمة. ويقول عربو أن هذه البرامج تسمح للمستفيدين منها بتوفير بين 10 و20 ألف دولار سنوياً. ويضيف «إذا كنت من مالكي المتاجر أو محطات الوقود ولست عضواً في الجمعية، فتأكد أنك تخسر الكثير».
فمن أهداف الجمعية توفير المال للتجار حتى يتمكنوا من منافسة الشركات التجارية الكبرى، وواحدة من آليات المنافسة هذه تقوم على حشد أعضاء الجمعية بأعداد كبيرة للضغط الجماعي بمواجهة طرف آخر. ويقول عربو «نحن هنا من أجل أن نتأكد أن أعضاء منظمتنا قادرون على مواجهة المصاعب والتعامل مع الشركات الكبرى.. فنحن نجمع الأفراد ونربط الجسور بينهم. لأنه إذا حاول تاجر بمفرده التفاوض مع شركة كبرى وشراء بضائعها بثمن معقول، سيواجه مشقات لن يواجهها من يحاورون الشركة نفسها جماعياً»، ويتابع «نفعل كل ما بوسعنا لتوفير أفضل الصفقات والأسعار».
والجدير بالذكر أن هناك مغالطة كبرى تواجهها «أي أف <ـي دي» بأنها حكر على التجار من العرب والكلدان، وهذا مفهوم بعيد عن الواقع، بحسب عربو، فالجمعية تضم شركات أميركية عملاقة مثل «مايرز» و«سبارتن». كما أن التنوع الذي تكتنزه الجمعية يبدو جلياً في وجوه قياداتها عبر السنوات، فقد ضم مجلس إدارتها إثنيات مختلفة بينهم الكثير من الأفارقة الأميركيين، ويعتبر رجل الأعمال اللبناني الأميركي أد ديب العربي الوحيد الذي تولى الرئاسة التنفيذية للجمعية.
عمل خيري
إضافة الى دورها الفعال في حماية مصالح أعضائها، تعرف الجمعية بجهودها الخيرية المستمرة منذ عقود. ففي عام 2011 استطاعت أن توزع 5600 ديك رومي الى المحتاجين في ميشيغن وأوهايو ليبلغ عدد الديوك التي تبرعت فيها الجمعية في الولايتين منذ العام 1980 حوالي 55 ألفاً أي ما يوازي 605 آلاف وجبة غذائية ذهبت للعائلات الفقيرة.
كما قامت الجمعية خلال حفلها السنوي الأخير بتوزيع منح مدرسية بقيمة 56 ألف دولار استفاد منها 38 طالباً.
وينبع العمل الخيري الذي تقوم به الجمعية من قاعدة أن المؤسسات التجارية يجب أن تولي الإهتمام لمجتمعاتها ومحيطها. وفي هذا الصدد يقول عربو «الناس يرون الجهود الخيرة التي نقدمها لمجتمعنا».
كما تقوم الجمعية بأعمال خيرية مشتركة مع منظمات أخرى، فمثلاً قامت مؤسسة «الحصاد المنسي» (فورغوتن هارفست) بتوفير 10467 وجبة غذائية للفقراء على هامش معرض الجمعية السنوي الذي أقيم هذا العام.
خط أحمر
من المعروف أيضاً أن «جمعية تجار الأغذية والوقود» تقدم المساعدة الإستشارية لمجابهة كل ما يواجهه أعضاؤها من مشاكل ومعوقات في تجاراتهم، إلا أنها ترسم خطاً أحمر لا تسمح بتجاوزه وهو الإحتيال على النظام، ولاسيما الـ«فود ستامب». فإذا لجأ أي عضو الى الغش فإن الجمعية تقوم مباشرة بإلغاء عضويته. ويقول عربو «عندما يتعلق الأمر بالغش على الـ«فودستامب» فلن نقوم بالدفاع عن أحد لأن ذلك سيمس سمعتنا ومصداقيتنا». ويضيف «نحن نحرص على أن لا نخرق أي من القوانين والنظم الحكومية».
مساعدة غير الأعضاء
ولا تخفي الجمعية حرصها على مساعدة أصحاب المصالح التجارية من غير المنتسبين إليها. فعندما قام أحد العاملين في محطة وقود في ديترويت بقتل زبون، تأججت مشاعر الغضب لدى الأهالي الذين نظموا اعتصامات وطالبوا بإغلاق المحطة. وإثر ذلك وجدت الجمعية نفسها مضطرة للتدخل لحماية المحطة من خلال تخفيف حدة التوتر ونجحت في ذلك وأصبح صاحب المحطة عضواً في المنظمة لاحقاً. «إذا تمكن المتظاهرون من فرض إغلاق المحطة فإن ذلك سيتكرر مع محطات أخرى»، يقول عربو.
لمزيد من المعلومات www.afpdonline.org
Leave a Reply