بضعة أيام تفصلنا عن «جنيف 2»، على وقع التفوق الميداني للنظام السوري على فصائل المعارضة المتناحرة، بما ينبىء بانهيار وشيك لهذه المجموعات المسلحة مع مواصلة الجيش السوري والقوات الموالية له استعادة مناطق واسعة ظلت لأكثر من عامين خارج سيطرة الدولة في ريف دمشق وحلب وحمص وإدلب.
![]() |
كيري يهدي رأسَي بطاطا من ولاية أيداهو للافروف، خلال اجتماع تحضيري في جنيف. |
وفيما الوفود الدولية، بما فيها وفد دمشق الذي يتشكل من أسماء لامعة في الدبلوماسية السورية التي تدخل جنيف مرتاحة جداً، يستمر انقسام المعارضة حيال المشاركة، تماماً كما تتقاتل فصائلها في شمال البلاد التي يغلب عليها المسلحون الأجانب. ولازالت «داعش» وباقي الفصائل الإسلامية المسلحة تخوض معارك ضارية ضد بعضها في محافظات حلب وإدلب والرقة ودير الزور، موقعة خسائر فادحة في الأرواح.
كما أن المواقف الغربية و«الإنفتاح الأمني» على النظام السوري يزيدان من موقف المعارضة ضعفاً حيث بدأت الدول الأوروبية تعيش هاجس عودة آلاف الغربيين الذين يقاتلون في سوريا لإسقاط النظام، وهي باتت بحاجة الى تنسيق أمني مع المخابرات السورية لاحتواء هذا «الخطر الداهم».
وأشارت وزارة الخارجية البلجيكية الى أن نحو 200 من مواطنيها يقاتلون في سوريا، وقد قتل منهم نحو 20 في معارك خلال الفترة الماضية. كما أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا أن 700 شاب فرنسي وأجنبي غادروا فرنسا للقتال في سوريا، معتبراً أن هذه الظاهرة «تثير القلق».
كما كان لافتاً التبدل في الموقف التركي فقد دعا الرئيس التركي عبد الله غول الى تغيير سياسة بلاده تجاه سورية على المستويين الأمني والسياسي.
ويعاني «الائتلاف الوطني السوري»، مظلة المعارضة الرئيسية في الخارج، من الانقسامات الداخلية التي لم تمكنه حتى صدور هذا العدد من تحديد وفده المشارك بالمؤتمر الذي لم يعد خياراً بل بات أمراً دولياً واقعاً، بدليل «رأسي البطاطا» اللذين أهداهما وزير الخارجية الأميركي، جون كيري لنظيره الروسي، سيرغي لافروف، على هامش لقاء تحضيري في جنيف الأسبوع الماضي.
بوتين
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بلاده ستعمل كل ما بوسعها كي ينجح مؤتمر جنيف، موجهاً الدبلوماسية الروسية للعمل وفق التحولات الدولية التي تحققت مع صمود النظام السوري وإنجاز اتفاق النووي الإيراني. وقال بوتين خلال تسلمه أوراق الاعتماد من عدد من السفراء الأجانب في الكرملين «عام 2014 الجديد يتعين علينا أن نعمل معاً على ترسيخ النتائج الأولى التي تم تحقيقها فيما يتعلق بحل عدد من القضايا الدولية الرئيسية، وأنا أتحدث، طبعا، عن القضيتين السورية والإيرانية».
ودعا الرئيس الروسي إلى دعم جهود المجتمع الدولي الرامية الى التحضير للمؤتمر الدولي الخاص بسوريا، وتابع: «نأمل أن تشارك جميع الأطراف القادرة على المساهمة بشكل إيجابي في تسوية النزاع، سنعمل كل ما بوسعنا كي ينجح المؤتمر في إطلاق الحوار وكي يؤدي الى وضع حد للمواجهة التي لا معنى لها ولسفك الدماء».
وكان سيرغي لافروف قد أجرى نهاية الأسبوع الماضي وبداية الأسبوع الجاري مشاورات مع الوسيطين الأميركي والأممي ومع ممثلي المعارضة السورية وعدد من السياسيين العرب في باريس.
وأعلن لافروف ونظيره الأميركي، الاثنين الماضي، عن سعيهما لحثّ طرفي النزاع في سوريا على اتخاذ عدد من الخطوات ذات الطابع الإنساني، لتحسين الأجواء عشية انطلاق المفاوضات، مثل إعلان تهدئة محدودة في مناطق معينة بسوريا وفتح مزيد من الممرات الإنسانية الى المناطق المحاصرة، سيما بعدما منع المسلحون دخول مساعدات إنسانية الى مخيم اليرموك، المحاصر من قبل الجيش.
إيران موافقة على «جنيف 1»
وفيما تظل مشاركة إيران محل شد وجذب بين حلفاء دمشق وخصومها، اعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في حديث لـ«روسيا اليوم» أن المطالبة باستقالة الرئيس السوري بشار الأسد كشرط لبدء التفاوض بين الحكومة السورية والمعارضة هو أمر غير مقبول، مؤكدا أن طهران تعارض الحديث عن النتائج قبل بدء التفاوض. وقال: «من الخطير للغاية أن تحدد بعض الأطراف شروطاً مسبقة لبدء المفاوضات، وأن يشترطوا نتائج لهذه المفاوضات.. ثم إن هذا الموضوع لا تحدده إيران.. وفي نهاية الأمر لا يوجد أي بلد يمكنه تقرير ما يحدث في سوريا غير الشعب السوري.. وفي حال حاولوا فرض أمور ما على الشعب السوري.. فعاجلا أم آجلا ستفشل العملية».
وشهدت العاصمة الروسية محادثات ثلاثية بين لافروف وظريف ووليد المعلم اللذين وصلا إلى موسكو مساء الأربعاء الماضي على متن طائرة واحدة.
وقال ظريف في مؤتمر صحفي مشترك بعد المحادثات مع لافروف في موسكو «سنشارك إذا تسلمنا الدعوة، لكننا لن نشارك في حال عدم توجيه الدعوة إلينا، معرباً عن أمله في أن يحقق المؤتمر الدولي نتائج إيجابية تتمثل في بدء عملية التفاوض بين الأطرف السورية».
وشدد وزير الخارجية الايراني على أن بلاده لن تقبل بأية شروط خاصة، لم تفرض على المشاركين الآخرين في المؤتمر مذكراً بأن طهران سبق أن رحّبت بالاتفاقيات التي تم التوصل اليها في مؤتمر «جنيف 1»، وهو ما تشترطه واشنطن لمشاركة طهران المؤتمر، ما يعني أن الوفد الإيراني قد يكون أحد ضيوف جنيف في 22 الجاري.
واستغرب لافروف من طرح «شرط إضافي» لمشاركة إيران في «جنيف 2»، موضحاً أن القبول بالبيان الذي صدر عن مؤتمر جنيف الأول في 30 حزيران (يونيو) عام 2012، ضروري لجميع المشاركين في المؤتمر، كما أن بيان جنيف يشكل أساس المؤتمر الجديد، معتبرا أن القبول بالدعوة إليه يعني أوتوماتيكيا القبول ببيان جنيف نفسه.
وشدد وزير الخارجية الروسي على أن المحادثات التي يجريها مع نظيره الإيراني وسيجريها الجمعة (مع صدور هذا العدد) مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم لا تعني وجود أي مشروع ثلاثي أو موقف منفرد للبلدان الثلاثة. وقال «ليس هناك شيء نخفيه، وليس لدينا أي جدول أعمال سري».
وجدد لافروف موقف موسكو المؤكد على ضرورة مشاركة كل من إيران والمملكة العربية السعودية في مؤتمر «جنيف 2» المرتقب وقال :آمل أن يتم توجيه الدعوات في وقتها، لتمكين جميع المشاركين من الحضور. وأوضح أن موسكو تنطلق من أن الجانب الإيراني سيكون جزءاً من الجهود المشتركة لتسوية الأزمة السورية في أي حال من الأحوال.
كيري: جنيف بداية لعملية انتقالية تتطلب شخصية توافقية
بدوره، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن أي عملية سياسية في سوريا يجب أن تكون قائمة على «جنيف 1»، معتبراً أن أي شخصية لا تستحوذ على التوافق الكامل لا يمكن أن تقود سوريا، موضحاً ذلك بقوله أن الأسماء التي ستطرح لقيادة سوريا في الفترة الإنتقالية ستكون بالتوافق، أي أن أياً من الفريقين يمكنه رفض الأسماء المطروحة.
كما جدد كيري دعوة المعارضة السورية للمشاركة في «جنيف 2»، مشدداً على أن هذا المؤتمر هو نقطة البداية ليحقق الشعب السوري تطلعاته.. و«هو بداية العملية الإنتقالية وليست نهايتها». وفي موقف لافت اعتبر كيري خلال مؤتمر صحفي عقده في واشنطن، الخميس الماضي، أن سوريا باتت تشكل مغناطيساً قوياً للتطرف، مؤكداً استمرار بلاده في جهودها لفتح ممرات إنسانية، ولوقف إطلاق النار.. الطريق صعبة، لكنها الوحيدة لإنهاء الوضع في سوريا.
مناع: المؤتمر انتحار سياسي للمعارضة
ولا يزال موضوع مشاركة المعارضة السورية في «جنيف 2» موضع جدل كبير، على الرغم من اقتراب افتتاح المؤتمر في مدينة مونترو السويسرية في 22 كانون الثاني (يناير). وحتى إذا لم يوافق «الائتلاف» على قرار المشاركة في المؤتمر الدولي، فيما أعلنت «هيئة التنسيق الوطنية» رفضها المشاركة، «بسبب الشروط والمعطيات التي يتم انعقاده بها»، مؤكدة رفضها المشاركة فيه تحت مظلة «الائتلاف». وأكد نائب رئيس «هيئة التنسيق الوطنية السوري»، هيثم مناع، أن أياً من أعضاء «الهيئة» لن تطأ قدماه الأراضي السويسرية خلال انعقاد مؤتمر جنيف. ورأى في حوار مع صحيفة «لوموند» أنه إذا شاركت المعارضة السورية في المؤتمر، فإن ذلك سيكون انتحاراً سياسياً. وأشار إلى أن الشروط لنجاح «جنيف 2» ليست متوافرة، مؤكداً أن النظام السوري رفض إعطاء المعارضة إشارة حسن نيّة.
ولفت مناع إلى أن الحوار استعيد بين الدول الغربية ودمشق على مستوى الاستخبارات، وذلك بعد أن كشف نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، عن زيارة مسؤولين في أجهزة مخابرات غربية دمشق للتشاور حول محاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة، دون أن يشير إلى توقيت هذه الزيارات. وقال المقداد في حديث مع «بي بي سي»، نشر الاربعاء الماضي، إن حكومات غربية عديدة استوعبت أخيرا أنه ما من بديل لقيادة الأسد، مشيرا إلى وجود خلاف بين المسؤولين الأمنيين الغربيين من جهة والزعماء السياسيين الذين يطالبون الرئيس السوري بالتنحي عن السلطة من جهة أخرى. وأجاب المقداد رداً على سؤال حول ما إذا كان ممثلون عن أجهزة المخابرات الغربية -بما فيها المخابرات البريطانية- قد زاروا دمشق في الآونة الأخيرة بقوله «لن أدخل في التفاصيل، ولكن الكثيرين منهم زاروا دمشق بالفعل». وتشير التسريبات أن المقداد سيكون الى جانب الوزير المعلم والسفير بشار الجعفري على رأس الوفد السوري المفاوض في جنيف.
ميدانياً
قضى أكثر من 1069 شخصاً في المعارك الدائرة منذ نحو أسبوعين في سوريا بين عناصر «داعش» وتشكيلات أخرى من المسلحين، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم الأربعاء الماضي. وأوضح المرصد أن الاشتباكات وقعت في محافظات حلب وإدلب والرقة وحماه ودير الزور وحمص. وأوضح أن 608 مسلحين قضوا خلال اشتباكات، واستهداف سيارات للكتائب، وتفجير سيارات مفخخة، مشيراً إلى أن 113 عنصراً من هؤلاء أعدمهم «داعش» في مناطق مختلفة. وقتل 312 مقاتلاً من «داعش» وموالين له خلال هذه المعارك، بينهم 56 عنصراً على الأقل جرى إعدامهم بعد أسرهم من قبل كتائب مقاتلة ومسلحين في ريف إدلب. وأدت المعارك إلى مقتل 130 مدنياً، بينهم 21 على الأقل أعدموا على يد مقاتلي «داعش» في شمال حلب والآخرون جراء إصابتهم بطلقات نارية خلال اشتباكات بين الطرفين وتفجير سيارات مفخخة، بحسب المرصد.
وفي الوقت ذاته يتابع الجيش العربي السوري عملياته في معظم المحافظات وخاصة في ريف حلب ودمشق وبمحاذاة الحدود اللبنانية، محققاً العديد من الانجازات العسكرية وموقعا خسائر فادحة في صفوف المسلحين.
ففي حلب شق الجيش طريقه في الريف الشرقي وبات على بعد ستة كيلومترات من سجن حلب المركزي المحاصر من قبل مسلحي المعارضة وعلى تخوم المدينة الصناعية شمال حلب، وذلك بعد ان استعاد الأسبوع الماضي السيطرة على مناطق واسعة شرق حلب.
أما في ريف دمشق، فبات الجيش السوري مسيطراً بشكل كبير على الوضع وبدأت ملامح «هدنة» جديدة تلوح في الأفق بين القوات السورية والمسلحين، في مناطق القابون وبيبلا وبيت سحم والغزلانية وجديدة الشيباني، التي يسيطر عليها المسلحون في ريف دمشق، وذلك بعد سماح السلطات السورية بدخول المساعدات اليها، وهو أمر كان طبق في برزة والمعضمية وتبعه تسليم المعارضين لسلاحها والاستفادة من مرسوم العفو الرئاسي.
Leave a Reply