نبيل هيثم
مع حلول شهر رمضان العام الماضي، كانت الاستعدادات قد اكتملت لدى امراء تنظيم «الدولة الاسلامية»، وعلى رأسهم ابو بكر البغدادي، لاتخاذ خطوة بالغة الرمزية، والخطورة فـي آن.
ظهر المتحدث باسم «الدولة الاسلامية» ابو محمد العدناني، معلناً قيام «الخلافة» وعلى رأسها «امير المؤمنين» إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي، الشهير بِـ ابي بكر البغدادي، والذي خرج من سجون الاحتلال الاميركي فـي العراق، ويتحول الى كابوس يقض مضاجع الناس فـي العالم اجمع.
الاعلان تجاوز الاطار الدعائي، فحلم «الخلافة» ظل يدغدغ مشاعر الملايين حول العالم منذ انهيار السلطنة العثمانية حين حطت الحرب العالمية الاولى اوزارها، وما يسمّى بـ«الدولة الاسلامية» نجحت فـي السيطرة على مناطق شاسعة فـي العراق وسوريا، وفـي تأمين تمويل ضخم وترسانة اسلحة قد تسمح له بالاستمرار.
وتزامنا مع اعلان قيام «الخلافة»، كان «داعش» يشن هجمات متتالية ويتوسع فـي شمال العراق وغربه وفـي شمال سوريا وشرقها، قبل ان يشهد بعض الاخفاقات التي ساهم فـيها دخول ائتلاف دولي بقيادة اميركية على خط العمليات العسكرية، تزامناً مع تشكيل مجموعات عسكرية محلية لقتاله، ما اجبره على التراجع فـي ديالى وتكريت امام هجمات «الحشد الشعبي» ومدينتي عين العرب (كوباني) وتل ابيض امام هجمات «وحدات حماية الشعب» الكردية. الا ان التنظيم المتشدد نجح فـي طرد قوات المعارضة السورية حينا والقوات الحكومية السورية او العراقية احيانا اخرى من مناطق عدة استراتيجية كان آخرها فـي مدينة الرمادي فـي الانبار العراقية ومدينة تدمر فـي وسط سوريا التي فتحت له طريق البادية وصولا الى الحدود العراقية.
وبالرغم من ان المحللين الغربيين ما زالوا ينظرون الى «داعش» باعتباره حركة «تمرّد» الا ان اعلان «الخلافة» وما رافقه من سيطرة للتنظيم المتشدد على مساحات شاسعة، خلال العام الماضي، من سوريا والعراق، تؤكد ان الامر ليس بهذه البساطة، خصوصاً اذا ما اخذنا فـي الحسبان الامتدادات الاقليمية المتمثلة فـي قبول ابي بكر البغدادي لـ«بيعات» التشكيلات الجهادية فـي اليمن ومصر وتونس والمغرب العربي.. وصولاً الى نيجيرا فـي الغرب الافريقي.
وقد يكون شعار «الدولة الإسلامية باقية وتتمدّد»، أفضل توصيف يطلقه «داعش» على نفسه، بعد عام على اعلان «الخلافة»، ونحو عشرة اشهر على بدء غارات «التحالف الدولي» ضد معاقله، فالتنظيم المتشدد صار يسيطر على مساحة واسعة فـي سوريا، كذلك فـي العراق، فـيما صارت له امتدادات تتجاوز العراق والشام، وهو ما تبدّى خلال الاشهر الماضية، من خلال قبول ابي بكر البغدادي «البيعات» من جماعات متشددة فـي اليمن ومصر وليبيا وتونس والمغرب العربي، وصولاً الى نيجيريا فـي الغرب الافريقي. ولعل ذلك يفتح الباب امام سؤال محوري: لماذا تستمر «الدولة الاسلامية» فـي «البقاء والتمدد»، وما هو مستقبلها، فـيما ابو بكر البغدادي وامراء تنظيمه المتشدد يحيون الذكرى الاولى لقيام «الخلافة».
كثيرة هي التحيلات التي تناولت العوامل التي افضت الى ما آلت اليه الكارثة «الداعشية»، والتي تطرقت بشكل خاص الى غياب مفهوم الدولة والمواطنية فـي الدول المستهدفة بالخطر الجهادي، والفساد الاداري الذي طال فـي ما طاله المؤسسة العسكرية فـي هذا البلد او ذاك، ناهيك عن نجاح «داعش» فـي توفـير البيئة الحاضنة.
لكن ما لا يريد كثيرون قوله هو ان المقاربة الغربية، وخصوصاً الاميركية، للصراع ضد «داعش» ما زالت غير جدية، او ربما غير راغبة، فـي استئصال هذا الورم السرطاني، الذي صار يهدد بتغيير شكل المنطقة العربية.
ولعل أحد تجليات هذا الواقع، يتمثل فـي الاستراتيجية الاميركية المزعومة لمحاربة «داعش»، والتي اقتصرت حتى الآن على ضربات جوية غير مجدية، ناهيك عن غياب بنك اهداف واضح يحدده الكثير من المحللين بثلاث نقاط رئيسية: تقويض وجود التنظيم المتشدد فـي معقله الرئيسي فـي الرقة فـي سوريا، وقطع خطوط الامداد بين مجموعاته فـي سوريا والعراق، والاهم فقدانه السيطرة على المعابر الحدودية، التي لم ينج منها سوى معبر ربيعة فـي الشمال.
ومن غير الواضح بعد، ما اذا كان هذا التقاعس ازاء «داعش» ناجم عن عجز وقصور او لاهداف اخرى تتماهى مع مخطط يكثر الحديث عنه فـي وسائل الاعلام العربية والغربية حول تقسيم سوريا والعراق على اساس مذهبي واثني، وهي تكهنات تؤكدها خريطة الانتشار الميدانية، سواء فـي بلاد الشام او فـي بلاد الرافدين.
وربما هذا ما يفسر التحفظ الغربي على اي انتصار تحققه القوى الغربية، وحلفاؤها الإقليميون، ازاء اي انتصار تحققه القوى المحلية ضد «داعش» واخواته، سواء فـي جبال القلمون على ايدي مقاومي «حزب الله» او فـي الانبار وتكريت وديالى على ايدي قوات «الحشد الشعبي»، او فـي شمال سوريا على ايدي المقاتلين الاكراد.
وفـيما تبقى عبارة «باقية وتتمدد» شعاراً يتباهى به «داعش» فإن ما يمكن رصده خلال السنة الاولى لـ«الخلافة» ان التنظيم المتشدد ما زال يشكل تهديداً قد يستمر لسنوات.
ومع ذلك، فإن المعطيات الميدانية، وخصوصاً خلال الاشهر الاخيرة تكشف عن ان القوى المحلية، وخصوصاً «حزب الله» و«الحشد الشعبي» و«وحدات حماية الشعب»، ما زالت وحدها القادرة على درء هذا الخطر التكفـيري، او على الاقل اسقاط اوهام الخلافة عند امرائه.
ولعل هذا ما اظهرته المعارك الاخيرة فـي العراق وسوريا، وآخرها سيطرة المقاتلين الاكراد على مدينة تل ابيض ومقر اللواء 93 فـي عين عيسى فـي ريف الرقة، وقبلها صد الخطر «الداعشي» عن مدينة عين العرب. وهذا ما اظهرته ايضاً المعارك التي خاضها «الحشد الشعبي» لمنع تقدم «داعش» باتجاه مدينة النخيب الاستراتيجية، والتي تشكل بوابة صحراء الانبار على الحدود السعودية، وكذلك فشل الهجوم المباغت الذي صده «حزب الله» على جرود رأس بعلبك. واذا كانت الغارات الغربية قد اخفقت فـي تحقيق اي انتصار على «داعش» فإن المعارك التي تخوضها القوى المحلية قد افرزت واقعاً مؤكداً وهو ان قتال «داعش» على جبهات طويلة ومعقدة فـي سوريا والعراق أدى إلى استنزافه من الناحية البشرية والجغرافـية بشكل كبير
هذه الخسائر الملحوظة لداعش تزيد من المساحات التي أعلنت عنها الولايات المتحدة سابقًا من أن التنظيم خسر ما يقارب 700 كيلومتر مربع من الأراضي فـي العراق، من إجمالي 55 ألف كيلومترًا مربعًا سيطر عليها فـي العام 2014. هذه المناطق استعادت غالبيتها القوات الكردية فـي شمال العراق بنحو 56 الف كيلومتر مربع، فـيما تسيطر القوات العراقية وقوات «الحشد الشعبي» على 77 ألف كيلومتر مربع مربع لتكشف عن معطيات جديدة على الأرض وهو ما أعلنت عنه وزارة الدفاع الاميركية مؤخرا أن داعش خسرت من 25 إلى 30 فـي المئة من الأراضي فـي العراق، منذ بدء الضربات الجوية من قبل التحالف الدولي.
ولعل ذلك يدفع الى القول ان العام الثاني لـ«الخلافة» قد يشهد تغييرات تكتيكية فـي نشاط «داعش»، الذي سيسعى الى الحفاظ على حد ادنى من مناطق السيطرة التي تبرر فكرة «الدولة» لدى مناصريه، وربما فتح جبهات اخرى لصرف الانظار عن عمليات الكر والفر فـي بلاد الرافدين وبلاد الشام.
واذا كان العام الاول لـ«الخلافة» هو عام التمدد، فإن «داعش» بالتأكيد سيسعى، فـي ظل التطورات الاخيرة، الى جعل العام الثاني هو عام تثبيت الدولة المزعومة، مع الحفاظ على فكرة التوسع، وان كان هدف «البقاء» يمثل اولوية على «التمدد».
ماذا يخطط «داعش» في رمضان؟
قبل ايام على الذكرى الاولى لإعلان «الخلافة»، حض تنظيم «الدولة الاسلامية» المسلمين «فـي كل مكان» على ان يكون رمضان شهر «الجهاد» ضد «الكافرين»، وذلك فـي تسجيل صوتي منسوب الى المتحدث باسمه ابو محمد العدناني.
ودعا العدناني فـي التسجيل الذي نشرته حسابات الكترونية جهادية، النازحين من محافظة الانبار فـي غرب العراق التي يسيطر التنظيم على اجزاء واسعة منها، للعودة اليها، متعهدا العفو عمن حملوا السلاح ضده.
وجاء فـي التسجيل «ايها المسلمون فـي كل مكان، نبارك لكم قدوم شهر رمضان المبارك (…) فاغتنموه يا عباد الله، وبادروا لصالح الاعمال، وتحروا افضلها. وان افضل القربات الى الله الجهاد، فسارعوا اليه، واحرصوا على الغزو فـي هذا الشهر الفضيل والتعرض للشهادة فـيه».
اضاف «بادروا ايها المسلمون وسارعوا الى الجهاد، وهبوا ايها المجاهدون فـي كل مكان، واقدموا لتجعلوا رمضان باذن الله شهر وبال على الكافرين». وتابع فـي تسجيل قاربت مدته 30 دقيقة «العاقل اللبيب مَن حرص على دوام الجهاد والغزو فـي رمضان فهنيئا لمن امضى رمضان غازيا فـي سبيل الله، وطوبى لمن اصطفاه الله فـي هذا الشهر الكريم وجعله شهيدا». وتوجه الى «جنود الدولة الاسلامية فـي كل مكان» بالقول «هذه الساحات امامكم، وهذا سلاحكم، وهذا رمضان. جددوا نياتكم لله عز وجل».
واضاف «نجدد دعوتنا لجنود الفصائل فـي الشام وليبيا، ندعوهم ليتفكروا مليا قبل ان يقدموا على قتال الدولة الاسلامية التي تحكم بما انزل الله»، مضيفا «ما حكم من يستبدل او يتسبب باستبدال حكم الله بحكم البشر؟ نعم انك تكفر». وتابع «فاحذر، فانك بقتال الدولة الاسلامية تقع فـي الكفر من حيث تدري او لا تدري». وتوجه العدناني الى «اهلنا فـي لبنان والاردن وفـي بلاد الحرمين (السعودية)»، بالقول: «الروافض زاحفون اليكم زاحفون، وان حربكم معهم قادمة قادمة… فاما ان تنفروا لهم فتدفعوها عنكم واما ان تظلوا فـي سباتكم، فتصحون على ما صحا عليه اهل العراق والشام واليمن، من قتل واسر وتشريد وتهديم للبيوت وسلب للاموال وانتهاك للاعراض».
«مرحلة استطلاع».. في افغانستان
اعتبر البنتاغون فـي تقرير رفعه الى الكونغرس مؤخراً ان تنظيم «الدولة الاسلامية» هو اليوم فـي «مرحلة استطلاع اولية» فـي أفغانستان، مشيرا الى ان هذه الظاهرة تقلق ايضا حركة «طالبان» التي تتخوف من تمدد التنظيم الجهادي على حسابها. وقالت وزارة الدفاع الاميركية فـي تقريرها الذي سلمته للكونغرس ان القوات الاميركية فـي افغانستان رصدت «بعض المؤشرات على جهود تجنيد محدودة» قام بها التنظيم الجهادي فـي افغانستان. واضاف التقرير ان «بعض الافراد» الذين كانوا منضوين فـي جماعات اسلامية متطرفة اخرى غيروا تسميتهم الى «الدولة الاسلامية-ولاية خراسان»، ولكن هذا «التغيير فـي الماركة» هو «على الارجح جهد» هدفه الحصول على اهتمام اعلامي وتمويلي وتجنيدي.
وبحسب التحليل الاميركي لهذا الواقع فان حركة طالبان لا تزال «مقاومة» لهذا المد وهي «تواصل محاولاتها الرامية لاقناع الافغان بأن انتصاراتها المؤقتة هي انتصارات استراتيجية». ومن بين كل الجماعات التي تتشكل منها حركة طالبان فان شبكة حقاني «تبقى مصدر الخطر الاكبر» على القوات الاميركية والافغانية على حد سواء، و«اداة حاسمة» لتنظيم القاعدة. وهذا الفرع القوي لحركة طالبان «ما زال قادرا على التخطيط لهجمات وتنفـيذها» على الرغم من الضربات القاسية التي وجهها اليه مؤخرا الجيش الباكستاني، بحسب التقرير.
Leave a Reply