إذا رأيتم أسنان وزير الخارجية الاميركية بارزة فلا تظنوا بعد اليوم، ان كوندوليزا رايس تبتسم!.هذا ما بشرت به وزيرة الدبلوماسية الاميركية نفسها في شهادتها الاخيرة امام لجنة الشؤون الخارجية التابعة للكونغرس الاميركي، عندما دعت الى انتهاج «دبلوماسية الأسنان» في سياق تعهدها امام عتاة الداعين الى الحزم مع ايران حول ملفها النووي، ولتنضم، علناً على الاقل، الى من تبقى من دعاة الضربة العسكرية ضد طهران وعلى رأسهم نائب الرئيس ديك تشيني.لم تترك رايس مجالاً للظن بأن موقفها بات منسجماً الى حد التطابق مع موقف نائب الرئيس المتشدد عندما عبرت عن العزم على القضاء على «انشطة ايران الخبيثة» في العراق مشيرة، على وجه الخصوص، الى اعضاء «قوة القدس» التي تتهمها واشنطن باستهداف القوات الاميركية والعمل على زعزعة الاستقرار في العراق.تفيد الشهادة الجديدة لسيدة الدبلوماسية الاميركية ان الادارة قد قطعت شوطاً بعيداً في ازالة الالغام الداخلية من طريق القرار بتوجيه ضربة عسكرية ضد ايران التي خطت، بدورها، خطوة واسعة نحو استجلاب التصعيد الاميركي ضدها بعد الاستقالة المدوية لامين عام مجلس الأمن القومي الأعلى الايراني والمسؤول عن ادارة الملف النووي مع الغرب علي لارجاني، وحلول شخصية اكثر تشدداً وقرباً من الرئيس احمدي نجاد مكانه.هذه الدعوة الى انتهاج «دبلوماسية الاسنان» مع طهران جاءت، على الارجح، في سياق سياسة «تنقية الأجواء» في العاصمتين الأميركية والإيرانية واستجابة للاعتراض على «دبلوماسية اللسان» التي ظل لارجاني، على محافظته وتشدده، يمثلها في سماء السياسية النجادية الايرانية، وحيث صار بالامكان ان يطلق الرئيس الايراني تصريحاته النارية حول حق ايران المطلق في امتلاك الطاقة النووية في سماء صافية، وبمقدور نائب الرئيس الاميركي ان يهمس في اذن القائد الاعلى للقوات المسلحة دون ان يأبه بما تتلقاه الاذن الاخرى من وشوشات وزيرة الخارجية حول ضرورة استنفاد الجهود الدبلوماسية قبل الذهاب الى الخيارات الاخرى.والعقدة التي حلت من لسان الآنسة رايس وهي تشكل كلامها الدبلوماسي امام المشرعين المتلهفين الى معرفة خيارات الادارة تجاه ايران، بحركات حربجية جعلتها في لحظات تتحول الى تلك «الامرأة الحديدية» التي لم تعد تقبل اي مزاح في التعاطي مع السياسة الايرانية التي وصفتها بأنها «تشكل ربما اكبر تحدٍ للمصالح الامنية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط وفي العالم..».هذا «المزاح» اياه كان الرئيس الايراني احمدي نجاد قد دعا الى وضع حدّ له بعيد زيارة الزعيم الروسي الى طهران عندما قام بتسفيه تصريح المسؤول الاعلى عن ادارة المفاوضات مع الولايات المتحدة والغرب عن تلقي عرض روسي حول مقايضة الدرع الصاروخية في اوروبا الشرقية بملف طهران النووي مؤكداً ان طهران لم تتلق هذا العرض الروسي السخي وليسمع بعدها الارجاني نبأ «استقالته» من التلفزيون الايراني!.«اول الغيث» في «دبلوماسية تكشير الاسنان» الاميركية جاء محملاً «بهدية مسمومة» للقيادة الايرانية عندما بشرتهم رئيسة الدبلوماسية الاميركية بحرب شيعية – سنية معلنة عن ضرورة «تجفيف المياه التي تلعب فيها ايران» وذلك بالتعاون مع «الدول السنية» التي تخشى نفوذ طهران وعلى رأسها السعودية «صاحبة المصلحة في لبنان مستقل». تدرك رايس بالطبع مدى حساسية الايرانيين تجاه مسألة الصراع السني – الشيعي وهي ما جعلت الايرانيين يحافظون على خيط شديد من التنسيق مع القيادة السعودية لابعاد شبح الحرب المذهبية عن لبنان الذي تمتلك فيه طهران ورقة «حزب الله» الثمينة.كان لبنان يزداد حضوراً على اجندة الادارة الاميركية وحلفائها الاوروبيين الذين طار وزراء خارجيتهم الثلاثة الى بيروت الاسبوع الماضي مفرغين حمولة من التحذيرات بدلاً من «النصائح» بخطورة عدم تجاوز استحقاق الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية، في الوقت الذي كان الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط يطالب الادارة الاميركية في العاصمة واشنطن باسقاط النظام السوري، الحليف الاستراتيجي لطهران بالضربة القاضية مستشهداً بـ«الانجاز» الذي حققته باسقاط الدكتاتور في بغداد رغم «توقيته غير الملائم».واذ ظلت واشنطن تتجنب التلويح باسقاط النظام السوري عسكرياً مثلما فعلت مع نظام البعث في بغداد، معوّلة على تغيير سلوكه قبل فوات الاوان، اندفعت لتلقي بثقل مساعداتها للحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة طبقاً لتعهداتها في مؤتمر باريس -3 وذلك بهدف «التصدي للضغط الضخم الآتي بمعظمة من سوريا» مطمئنة المشرعين الاميركيين «القلقين» على مستقبل لبنان بأن الولايات المتحدة «تعرف من هم حلفاؤها في لبنان ونحن على اتصال وثيق معهم فيما يتعلق بما هو مقبول بالنسبة لهم وما هو غير مقبول».هكذا بدا كلام الوزيرة الاميركية صادراً عن «اسنان دبلوماسية» اكثر منه عن «لسان دبلوماسي» وبدت معه الجهود اللبنانية اللاهثة وراء «رئيس توافقي» بين رئاسة مجلس النواب والبطريركية اللبنانية، وبين الاولى وزعيم تيار المستقبل في مهب رياح التصعيد القادمة من طهران وواشنطن. وتحولت مدة العشرين يوماً الفاصلة عن الجلسة الثانية المقررة لانتخاب الرئيس في 21 نوفمبر عداً تنازلياً لانفجار لا يعرف كيف يمكن نزع صاعقه وتجنيب لبنان اهواله المحتملة.عندما تدخل المنطقة في «دبلوماسية الاسنان» يصير لزاماً على الجميع تحسس جلودهم.ذلك خطر ادهى من الخطر الداعي الى تحسس الرؤوس لان داء الكلَب المذهبي كامن في كل الاماكن ولا ينتظر انتشار وبائه سوى «العضة» الاولى!.
Leave a Reply