مراجعة كتاب
ذلك هو عنوان كتاب باللغة الإنكليزية لمؤلفه بنيامين أوبراخ من مدينة بطرسبيرغ الأميركية، ويبدو من إسمه ومن لغته العبرية التي يجيدها أنه يهودي، زار الأردن وأقام فيها وفي مدن مصرية وسورية وفلسطينية وتركية 13 شهرا، عقب أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وما تلاها من أحداث في أفغانستان والعراق، وكان هدفه من الإقامة في الشرق الأوسط إستكمال دراساته في اللغة العربية وآدابها، وهو يعمل الآن مستشارا بوزارة الخارجية الأميركية في واشنطن.
عنوان الكتاب يشير بوضوح إلى الصيغة الروائية التي اتبعها المؤلف في سرد الأحداث، وهي عبارة عن رسائل بعث بها إلى أهله في أميركا، نقل فيها صورا واقعية عن مجمل تجاربه ومشاهداته في الشارع العر بي، وليس من القصور الرئاسية والبلاطات الملكية، كما تعود الأميركيون على مشاهدته من خلال وسائل الإعلام العربية.
لكن أوبراخ وبرغم كونه يهوديا أميركيا إلا أنه حاول أن لا يتطاول على الثقافة العربية، فوصف أهل الأردن ممن قابلهم وأمضى معهم أياما وليالي، بأنهم أهل نبل وكرم وشهامة وهي خصال لم يعتد عليها الأميركيون، وهو في موضع آخر سرد حكايات تظهر بجلاء الإنقسام الطبقي الحاد في المجتمع الأردني، بين فقراء لا يجدون ماء يستحمون به في الصيف، يتجمعون كل صباح في محطات نقل الركاب للسفر بحثا عن لقمة عيش يسدّون بها رمقهم، وبين طبقة من الإرستقراط – أردنيون وفلسطينيون – حددهم بالإسم يلهون ويعبثون في المرابع الليلية في العاصمة عمان، ينفق الواحد منهم مئات الدولارات على الغواني والراقصات في ليلة واحدة، وهؤلاء يقول عنهم أوبراخ «تواقون ومشغوفون بأسلوب الحياة الأميركية».
ذهب إلى تركيا وزار أسطنبول تلك المدينة العملاقة التي تعبق أزقتها وبازاراتها برائحة التاريخ، وهي مدينة فريدة من نوعها يقع جزء منها في آسيا والجزء الآخر في أوروبا، وكانت عاصمة للأمبراطورية العثمانية حين كانت في أوج عظمتها، وأراضيها لا تغيب عنها الشمس، وكانت أسطنبول تدعى حينئذ «القسطنطينية» وفي طريق عودة أوبراخ إلى الأردن، عرّج على مدن سورية. قضى في حلب عدة أيام، واصفا في رسائله الأماكن التاريخية فيها، ومرابع الموسيقى الليلية، وكيف أن كل شيء في المدينة ينطق بالأنغام، لكن أوبراخ وهو يدخل الحدود السورية أو يخرج منها، أفرد مساحات من كتاباته في وصف تحقيقات بوليسية أجريت معه من قبل رجال المخابرات السورية، ما يعطي إنطباعا للقاريء أن نظام الحكم في دمشق يحكم البلاد والعباد بالحديد والنار.
زار أوبراخ الأراضي الفلسطينية فوجد أن كل شيء فيها ينطق بـ«فلسطين» وقال في معرض رسائله عبارة ذهبية تنضح حكمة وإبهارا، إستقاها من الشعب الفلسطيني، قال «إن التاريخ يصنعه الناس في بيوتهم وليس الساسة في قصورهم ولا القادة العسكريون في ميادين القتال» في إشارة إلى أن فلسطين برغم محاولات الصهاينة طمس معالمها وتدمير تاريخها وتهويد ثقافتها وتشريد أهلها، ظلت أرضها عربية وظل إسمها فلسطين وأن لا حل هناك سوى باعتراف متبادل بين الشعبين وإقامة دولتين إسرائيلية وفلسطينية.
أوبراخ زار مصر وذكر في رسائله أن القاهرة هي حقيقة «أم الدنيا» معتبرا أن مصر هي الدولة «الحقيقية» الوحيدة في الشرق العربي، وبرغم ذلك تحكمها التقاليد القبلية، ومنوها بنوع من التفرقة ضد الأقباط، على المستويين الرسمي والشعبي، ضاربا على ذلك مثالا صارخا، من أن الأقباط إذا ما رغبوا مجرد ترميم كنيسة لهم أو طلاؤها، عليهم أخذ إذن مسبق يوقعه رئيس الجمهورية.
في عام 2003 إبان الحرب الأميركية على العراق، أخفى أوبراخ جنسيته الأميركية، عن كل من يسأله عنها في الشارع الأردني، وكان يدعى أنه كندي، حتى لا يقدم أحد من المتشددين على قتله، فهو بذلك أقرّ حقيقة مفادها أن العرب وأن هم مشغوفون بأسلوب الحياة الأميركية، إلا أنهم كارهون لسياساتها الخارجية.
Leave a Reply