خليل إسماعيل رمَّال
بلدة القاع وأختها دير الأحمر لهما مكانةٌ خاصة في التراث الشيعي وبالتحديد لدى حركة سماحة الإمام المغيَّب السيِّد موسى الصدر حيث دخل إسم البلدتين وغيرها من القرى المسيحية في البقاع الشمالي الموروث الصدري عندما ذكرهم الإمام في كلمته المؤثرة بعد اضطراره لفك اعتصامه بسببهم والذي بدأه في الكلية العمالية وتضمن صياماً حتى الموت احتجاجاً على الحرب الأهلية اللبنانية العبثية المجنونة. فقد بقي الإمام معتصماً رغم تقاطر كل شخصيات لبنان اليه وتأييدهم الكلي له في محاولة لثنيه عن قراره لكنه لم يتخلَّ عن اعتصامه بسرعة إلا فور سماعه باحتمال وقوع فتنة طائفية في تلك القرى فقال كلمته الشهيرة وافتدى القرى المسيحية بنفسه. فهل يتذكر أهل القاع اليوم يا ترى موقف الإمام الصدر التعايشي التاريخي عندما يتصور البعض منهم بالسلاح مع أنطوان زهرة، الذي بدا وكأنه مازال مسؤول حاجز البربارة؟
هذا الموقف المتقدم للإمام يساوي مواقف كل ساسة لبنان المزيفة اليوم، الذين دبت فيهم الحمية فجاة وهم يتصورون أمام الكاميرات في القاع بعد الهجوم الإرهابي عليها، ذلك لأن نصف مشاكل لبنان هي نتيجة عجز الحكومة والسياسيين والفرقاء عن منع تمدد «داعش» وأخواتها أمنياً إلى لبنان، بل وتأييد بعضهم العلني للتكفيريين بحجج عنصرية ومذهبية واهية.
قلنا في المقالة السابقة إنَّ لبنان مقدم على صيف ساخن زادت حرارته لتطورات المنطقة المستجدة التالية:
١- رفع مظلة الأمان الدولية عن لبنان بسبب انكفاء أميركا داخل شرنقة انتخاباتها الرئاسية وتفرُّغ اسرائيل دوماً للفتنة وانشعال فرنسا وأوروبا بالبريكزت، أي خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي واحتمال تقسيمها، إنْ شاء الله، لثلاث دول لتذوق سم تاريخها الإستعماري البغيض عبر القرون الذي أطعمته لدول العالم. فإذا انهارت أوروبا، بعون الله، لن يرف لنا جفن وهي ليست على أي حال بأفضل من الإتحاد السوڤياتي!
٢- عودة التطبيع الكامل بين السلطنة العثمانية والعدو الصهيوني بعد أنْ باعنا أردوغان باشا السفَّاح المواقف اللفظية الكاذبة تجاه فلسطين. والعجيب أنَّ «حماس» وهي أكبر ناكرة للجميل السوري، مثل قرطة حنيكر في «١٤ آذار»، ما زالت تبرِّر لزعيمها الإخونجي بيع فلسطين ببرميل نفط صهيوني ولا تمنع بعض أفرادها من تفجير أنفسهم بين الأبرياء في سوريا بينما اسرائيل تدنس المسجد الأقصى يومياً.
٣- احتمال تطبيع العلاقات بين تركيا وروسيا نتيجة الموقف الروسي المتذبذب خصوصاً لناحية العلاقة الخاصة مع إسرائيل ورئيس وزرائها نتنياهو الذي زار موسكو أربع مرات. ويبدو أن دخول تركيا وإسرائيل على الخط الروسي سوف يؤدي إلى المزيد من تفريغ الحملة الروسية من مضمونها وإطالة الأزمة السورية التي هي لصالح العدو الإسرائيلي! فوجود التكفيريين واستنزاف سوريا والمقاومة يشكلان أفضل وضعية للصهاينة ولهذا السبب أميركا غير جدية في حملتها المزعومة للقضاء على «داعش» في العراق وسوريا وتضع أمامها العراقيل تلو الأخرى.
٤- مضي آل سعود في العدوان على اليمن رغم المفاوضات في الكويت مستفيدين من الوقت الضائع لعلهم يحصلون على مكاسب يمكن تقريشها لحفظ ماء وجههم في سوريا والعراق ولبنان وحتى في اليمن. ولو كانت حكومتنا جادة بمحاربة الاٍرهاب لقامت بالتنسيق مع الحكومة السورية لكن آل سعود يمنعون ذلك.
٥- برودة أعصاب الدبلوماسية الإيرانية التي ليست باندفاعة وهجومية آل سعود لأسباب عديدة داخلية وخارجية مما يعطي الانطباع للغير بوهن وضعف موقف محور الممانعة. لكن يبقى الرهان على المقاومة والشعب والجيشين اللبناني والسوري وقدراتهم نتيجة دعم طهران. بالعودة إلى لبنان، الدنيا غارقة من حول السياسيين وتشتعل بالتطورات أما هم فما زالوا يختلفون على «جلد دب» قانون الانتخاب و«سلة الماء» ومطمر الزبالة. حمى الله هذا الشعب من حكامه أما اعداؤه فهو كفيل بهم!
Leave a Reply