جنيف – كشف علماء يعكفون على سبر أغوار طبيعة ضُدَيد (قرين) المادة، الأسبوع الماضي، عن قرائن، تؤكد أن الكون ليس مجرد خواء. وينطلق العلماء في اختباراتهم من أن لكل جسيم أولي من الجسيمات دون الذرية ضديداً (أو قريناً) لديه الكتلة نفسها، لكنه يختلف معه في الشحنة، وعند التقائهما في ظروف معينة، يمحق أحدهما الآخر بالتبادل، لتنتج الطاقة في صورة أشعة «غاما» أو «بوزونات».
ويعتقد العلماء ان كميات متساوية من المادة وقرين المادة انبثقت مع الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون قبل 13,7 مليار عام، الا انه في غضون ثانية من حدوث الانفجار العظيم صار قرين المادة في حكم العدم.
ولا بد أن عملية المحق أو التلاشي، التي تمخض عنها كون به فائض من المادة التي تكونت منها النجوم والأرض ومختلف الأجرام المعروفة، قد حدثت نظرا لوجود فروق طفيفة بين المادة وضديدها.
وقال العلماء، الأسبوع الماضي، إنهم رصدوا فرقا ضئيلا خلال تحلل جسيم ما الى مادة أو قرينها اثناء عمليات التصادم التي تحدث في مصادم الهدرونات الكبير في «المختبر الاوروبي لفيزياء الجسيمات» المترامي الاطراف والواقع في منطقة الحدود السويسرية الفرنسية المشتركة عند سفوح جبال جورا قرب جنيف وعلى عمق مئة متر تحت الارض.
وهذه هي المرّة الأولى التي يؤكد فيها العلماء أن الجسيم المعروف باسم «ميزون» ينتج منه جسيم آخر عند تحلله يختلف عنه في الكتلة، ويتسق مع ما توصل اليه العلماء من خلال تجارب سابقة تختص بجسيمات أخرى. إلا ان هذه الفروق لا تزال ضئيلة للغاية على نحو لا يمكنه ان يفسر توافر المادة بكميات هائلة في الكون.
وتتفق هذه النتائج التي ستنشر في دورية الفيزياء مع ما يعرف بنظرية النموذج المعياري التي تم تصميمها قبل ثلاثة عقود من الزمن. وتقوم نظرية النموذج المعياري التي طرأت عليها تعديلات في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي على الدمج بين ثلاث من القوى الأساسية في الطبيعة وهي القوة النووية الشديدة، والقوة النووية الضعيفة، والقوة الكهرومغناطيسية، مع الاستعانة بنظرية الكم والنظرية النسبية الخاصة لأينشتاين بغية صياغة نظرية متكاملة لسبر أغوار الكون.
وقد توصل العلماء في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية («سيرن») الى هذا الكشف بعد تحليل بيانات من 70 تريليون تصادم في واحدة من اربع تجارب تجري في مصادم «الهدرونات»، الكبير وهو مجمع ضخم من المغناطيسات الحلقية العملاقة والاجهزة الالكترونية المعقدة والحاسبات تكلف انشاؤه عشرة مليارات دولار ويصل عمره الافتراضي الى 20 عاماً.
ويضم هذا المصادم أضخم تجربة علمية في العالم لإحداث تصادم بين حزمتي جسيمات من البروتونات تسيران في اتجاهين متقابلين وفي مسار بيضاوي داخل نفق طول محيطه 27 كيلومترا وبكم طاقةٍ هائل وسرعات تقترب من سرعة الضوء لمحاكاة الظروف التي اعقبت الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون.
Leave a Reply