ربما كانت متابعة الأسعار والأسواق وتنوع المواد والسلع عادة قديمة عندي، حتى إنني تخصصت بمتابعتها والكتابة عنها في وطني الأم لسنوات. ولكن هنا -في الولايات المتحدة- تعرفت على نوع جديد من تسويق الحسومات، وذلك عبر مطبوعات دعائية تصل الى صناديق البريد المنزلية. وبما أنني لازلت في مرحلة التعرف على هذه البلاد الجديدة غالباً ما أجد نفسي أتصفح هذه المطبوعات الملونة بما تحمله من عروض مغرية توفرها المتاجر والشركات الكبرى. لكن لموضوع «السيل» في ديربورن «نكهة خاصة»، خاصة أيام الأربعاء التي تحولت الى موعد أسبوعي لشراء الخضار والفواكه التي تعرض بأسعار متدنية جداً، حتى أن بعض المحلات تغالي في الطرح وتبيع الصندوق بسعر رمزي، لتفاجأ عند عودتك الى البيت بأن ما اشتريته لا يصلح للتخزين نهائياً ويجب استهلاكه خلال يوم أو يومين بالأكثر، إن لم يكن بعضه فاسداً أصلاً.
ولعل الاخطر من ذلك ما يقوم به بعض «الشطار» بمحاولتهم إخفاء تاريخ صلاحية المعلبات بلصق التسعيرة على جزء من التاريخ المدون على العلبة -سواء أكان ذلك بقصد أو غير قصد- لتشتيت انتباه المتسوق عن تاريخ الصلاحية وغالبا ما يكون قد قارب على النفاد، فيشتري المستهلك السلعة وهو سعيد بما وفره من ثمنها، قبل أن تباغته «المفاجأة غير السارة» ويكتشف أنه «بلع الطعم».
وتتعدد وسائل جذب الزبون.. فهناك من يقدم خدمة الاشتراك السنوي لاتاحة الفرصة لزبائنه الاستفادة من «السيلات الخاصة»، وهناك من يفرض حداً أدنى للشراء ليّسمح للزبون بالحصول على نعمة التخفيضات.
مثال آخر جرى معي. فقد اشتريت من احد المحلات كمية من اللحوم الحلال. وبعد يومين عدت لاشتري كمية مماثلة، والمفاجأة كانت ان البائع رفع سعر اللحم خمسين سنتا، رغم عدم انقضاء الفترة المحددة «للسيل» وبسؤاله أجاب: «كثيرون طلبوا هذا النوع وخفنا من الخسارة.. فرفعنا السعر قليلاً». لكن هذه مخالفة صريحة ليس لقوانين حماية المستهلك فحسب، بل لأصول المهنة والتجارة عموماً.
يقع أمثالي ممن يدعون الشطارة ومعرفة الأسواق وخفايا عمليات البيع والشراء بفخ الاعلانات و«السايلات» فيذهبون بعيد طلوع الفجر الى السوق وبدلا من القطعة يشترون خمساً تكفي لفترة طويلة، وهذا منطق إقتصادي معقول، ولكن بعد فترة من الزمن نكتشف بأن لا حاجة لكل ما اشترينا ونضطر الى تخزينه لأشهر -إذا كان قابلا للتخزين، وإن لم يكن تكون حالتنا كمثل السمراء. «يلي بتوفره السمرا بيروح بودره وحمرا».
Leave a Reply