ناتاشا دادو – «صدى الوطن»
كشَفَتْ تقارير واسعة الاطلاع فـي الولايات المتحدة صدرت عن مركز التقدم الأميركي «كاب» بالتعاون مع «مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية» (كير)، عن وجود شبكة ممولة بملايين الدولارات هدفها الرئيس الافتراء والتحريض على المسلمين وبث الكراهية ضد الدين الإسلامي وتشويهه فـي الولايات المتحدة.
ووفقاً لتحقيق عميق ومفصل أجرته «كاب»، بعنوان «تجارة الخوف: جذور شبكة الإسلاموفوبيا فـي أميركا» فإنَّ مجموعة صغيرة متشابكة مع بعضها بإحكام مؤلفة من خبراء فـي التضليل، تقوم بعملية توجيه جهد عملي يهدف إلى التأجيج والتحريض الذي يوغر صدر الملايين من الأميركيين ضد المسلمين من خلال دعاة فعالين وشركاء فـي وسائل الإعلام وتنظيم دقيق على مستوى القاعدة الشعبية.
«شبكة الاسلاموفوبيا هي تجارة قائمة بذاتها … وهي شبكة واسعة»، قالت سعدية خالق، مديرة مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية- فرع عمليات نيويورك، واضافت «هؤلاء النشطاء المعادون للمسلمين يحصلون على تمويل طائل».
ويتقاضى النشطاء فـي شبكة نشر المعلومات الخاطئة عن الإسلام والمسلمين رواتب ومستحقات عالية جداً ويبين التقرير ان ثماني جهات مموِّلة قدمت ٥٧ مليون دولار لشبكة الإسلاموفوبيا بين أعوام ٢٠٠١ و ٢٠١٢. وتشمل الجهات المموِّلة «صندوق رأس المال المانح» و«مؤسسة عائلة آلان وهوب وينترز» و«مؤسسة سكيف»، و«مؤسسة رسل بيري» و«مؤسسة فـيربوك» و«مؤسسات نيوتن دي و روشيل أف روشيل بيكر» و«الجمعيات الاحسانية الخيرية»!! و«صندوق عائلة روزينوالد»، و«مؤسسة الطريق الأوسط»، و«صندوق التجريد» و«مؤسسة ليند وهاري برادلي».
وساهم «صندوق رأس المال المانح» بمبلغ يتجاوز ٢٧ مليون دولار لتمويل الكراهية والحقد. وحلت «مؤسسة سكيف» فـي المركز الثاني من حيث حجم التمويل بعد أن ساهمت بمبلغ ١٠ ملايين و٤٧٥ ألف دولار، يذكر ان «مؤسسة سكيف» هي واحدة من الممولين الرئيسيين للمنظمات المعادية للمهاجرين.
ويكشف التحقيق أيضاً عن وجود ١٠ من المنظمات الرئيسية التي تغذي «شبكة الإسلاموفوبيا». وتشمل هذه المنظمات «مؤسسة البحوث للتعليم والأمن ومكافحة الإرهاب» و«مشروع كلاريون» و«منتدى الشرق الأوسط» و«مركز ديفـيد هورويتز للحرية» و«مركز السياسة الأمنية»، و«مركز مراقبة الإرهاب» و«مركز مراقبة الجهاد» و«منظمة آكت لتعليم أميركا». وقد تلقى مشروع كلاريون لوحده مبلغ ١٨ مليون و٥٠٨٦٠ الف دولار.
وستة أفراد فقط هم مسؤولون عن نشر غالبية المعلومات الخاطئة عن الإسلام والمسلمين. ويحدد التقرير من بينهم دانيال بايبس، مؤسس ورئيس «منتدى الشرق الأوسط»، وديفـيد هورويتز، المؤسس والرئيس التنفـيذي «لمركز ديفـيد هورويتز للحرية» وديفـيد يروشالمي، مؤسس «جمعية الأميركيين من أجل الوجود القومي» وروبرت سبنسر، المؤسس المشارك لـ«وقف أسلمة أميركا»، ومدير «مراقبة الجهاد»، وهو برنامج متفرع عن «مركز ديفـيد هورويتز للحرية» وستيفن ايمرسون المؤسس والمدير التنفـيذي «لمشروع التحقيق فـي الإرهاب».
وتلقى سبنسر مدير منظّمة «مراقبة الجهاد» تمويلاً قدره ٢٥٨٢٥٠ دولار. وكان المتطرف سبنسر وزميلته باميلا غيلر، وهي ناقدة سلبية للإسلام، قد زارا ديربورن فـي عام ٢٠١٢ للتحدث علناً ضد «جرائم الشرف» فـي مناسبة سميت باسم «مؤتمر جيسيكا مقداد لحقوق الإنسان». وعقد مؤتمر مناهض له ردَّاً على المؤتمر التحريضي البغيض تحت مسمى «رفض الإسلاموفوبيا: الجالية تقف معاً ضد الكراهية». وقد تزعمت غيلر الجهود لدفع ثمن إعلانات الحافلات التي تعرض الإسلام بطريقة سلبية. حيث تصور إحدى الإعلانات، التي ظهرت على حافلات النقل فـي مدينة نيويورك، رجلاً بوجه ملفوف بغطاء الرأس التقليدي المعتمد فـي الشرق الأوسط وبجانبه رسالة تقول «قتل اليهود عبادة تقربنا من الله».
وقالت ساديا خلقي من منظمة «كير» «ان الإجراءات التي تمارسها باميلا غيلر هي خاطئة، ولكن أنا لا أكرهها لأن هذا هو ما يعلمنا إياه الإسلام، الكراهية تنصب على الفعل لا على الشخص».
واعرب كوري سايلور، المتحدث الرسمي باسم «كير» لـ«صدى الوطن»، عن اعتقاده ان بعض الناشطين ضد المسلمين بما فـي ذلك غيلر سيظلون يتقيأون الخطاب البغيض ضد المسلمين حتى لو كانت رسالتهم غير ممولة من أحد. وأكد «هم مؤمنون حقيقيون وهم سوف يقومون بنفس التحريض بكل الأحوال ولكن لا ضير فـي تحصيل المال والأرزاق من ذلك أيضاً».
يُذكر أن «المركز القانوني الجنوبي للفقر» و«رابطة مكافحة الافتراء والتشهير» صنفتا منظمة «غيلر» – «وقف أسلمة أميركا» كمجموعة كراهية. وعلى موقعها على الإنترنيت سمت «رابطة مكافحة الافتراء والتشهير» سبنسر وغيلر بأنهما من «المتعصبين ضد المسلمين». اما ديفـيد يروشالمي فهو واحد من القوى الدافعة وراء نظريات المؤامرة المتعلقة بـ«نشر الشريعة الاسلامية وفرضها على المجتمعات الاميركية»، فقد اقترحت «جمعية يروشالمي للأميركيين من أجل الوجود القومي» التشريع فـي عام ٢٠٠٧ بأنّ أي قرار للشريعة الاسلامية «هو جناية يعاقب عليها ٢٠ عاماً فـي السجن». وفـي عام ٢٠١١ تم إصدار قوانين معاداة الشريعة فـي ميشيغن. وأدان ممثلو الولاية التشريعيون ونشطاء الحقوق المدنية هذا التشريع، وقالوا إنه يستهدف بشكل غير دستوري المسلمين الأميركيين.
ويحظر التشريع استخدام أي شركة قانونية أجنبية فـي المحاكم فـي ميشيغن أو الأجهزة الإدارية، ورعى التشريع أكثر من ٤٠ من الجمهوريين. وتشمل قائمة المحرضين على الإسلام والناشطين فـي شبكة الإسلاموفوبيا بريجيت غابرييل وأيان هيرسي علي. وهناك أيضاً لاعبون رئيسيون من السياسيين فـي الشبكة مثل عضوة الكونغرس السابق عن مينيسوتا ميشيل باكمان وحاكم لويزيانا بوبي جندال.
ويسرد تقرير «كاب» وليد شعيبات، من بين آخرين، كمصادق على الأقوال المزعومة فـي «شبكة الإسلاموفوبيا». وقد أنشأ شعيبات هذا «مؤسسة وليد شعيبات» لجمع الأموال «من اجل دعم عمله والكفاح من أجل الشعب اليهودي». موقعه على الانترنت shoebat.com ينشر معلومات مضللة وقصصاً خرافـية مثيرة ومفبركة عن المسلمين والإسلام.
وقد وصف مكتب التحقيقات الفدرالي «أف بي آي» وأجهزة الأمن القومي فـي الولايات المتحدة شعيبات بأنه واحد من المنصِّبِين أنفسهم خبراء علم نفس وبأنه «من الذين يعتنقون أفكاراً متطرفة ووجهات نظر تعتبر غير دقيقة وضارة». وقد وصف أيضاً بأنه تحول من «إرهابي فلسطيني سابق إلى مغالٍ فـي صهيونيته».
وهناك من المعلقين الإعلاميين ووسائل الاتصال بالشبكة وردوا فـي تقرير «كاب» بما فـي ذلك شبكة «فوكس نيوز» التلفزيونية العملاقة، ومجلة «ناشونال ريفـيو» وصحيفة «واشنطن تايمز» والمضيف الإذاعي الجمهوري راش ليمبو.
وفـي شباط (فبراير) عام ٢٠١٥ أصدرت «كاب» أيضاً تقريراً بعنوان «تجارة الخوف جزء ٢: جهود شبكة الإسلاموفوبيا فـي صناعة الكراهية فـي أميركا» حيث فصلت عواقب بعض السياسات لمكافحة الإرهاب الفاشلة التي دعت ودفعت اليها شبكة الإسلاموفوبيا.
وأظهر تقرير العام ٢٠١٣ لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية بعنوان «تشريع الخوف والرعب من الإسلام وأثره على الولايات المتحدة»، أن النواة الداخلية لشبكة الإسلاموفوبيا فـي الولايات المتحدة تتمتع بالحصول على ما لا يقل عن ١١٩٦٦٢٧١٩ مليون دولار إجمالي الإيرادات بين اعوام ٢٠٠٨ و ٢٠١١.
وقال سايلور ان كراهية الإسلام فـي الولايات المتحدة تعتمد على أحداث معينة وانه شهد فـي أميركا زيادة فـي الخوف من الإسلام مع ظهور «داعش» وبدا أيضاً أكثر وضوحا مع حادثة إطلاق النار على مجلة «تشارلي ابدو» فـي فرنسا.
واردف «هي أشبه ما تكون بالرولر كوستر. فـي بعض الأحيان تكون فـي الأعلى ثم تهبط إلى الأسفل. ومع ظهور تنظيم «داعش» الإرهابي تصاعدت موجة العداء والكراهية للمسلمين».
واوضح سايلور ان العديد من الناشطين ضد المسلمين بما فـي ذلك غيلر التي تتغذى وتعتاش من الصراع الدائر فـي الشرق الأوسط، ولذلك فمن المهم أن نتجاهلها. وأضاف «أنه غير متأكدمن زيادة فـي حجم التمويل لشبكة الإسلاموفوبيا فـي السنوات الأخيرة وذلك بسبب وجود مجموعات تراقبها وتكشف خططها».
ويؤثر الخوف من الإسلام على المجتمعات الإسلامية فـي جميع أنحاء العالم ولاسيما فـي الولايات المتحدة الأميركية بما فـي ذلك هنا فـي جنوب شرق ميشيغن. وقد أدى هذا الرعب من الإسلام إلى هجمات ضد المسلمين وأماكن عبادتهم فـي جميع أنحاء البلاد، والامعان فـي التمييز فـي مكان العمل واستعمال الخطاب البغيض والقدح والطعن والقذف والتشهير تجاه المسلمين على شبكة الانترنت. وفـي كثير من الحالات راح ضحية هذه الأفعال العنصرية القبيحة أبرياء بما فـيهم ذلك الرجل الذي قتل بعد أنٍ دُفع فـي مترو الانفاق فـي عام ٢٠١٣ وجريمته انه كان يشبه المسلم.
وأفادت خلقي ان «كير» وموظفـيها تلقوا الكثير من التهديدات ورسائل الكراهية وقالت «حتى نكافح الإسلاموفوبيا من المهم أن تصل المنظمات الإسلامية إلى منظمات غير المسلمين وتثقفهم حول التعاليم الأساسية للإسلام». وتابعت «أن واحدا من المتظاهرين الذين احتجوا خارج المسجد فـي مدينة فـينيكس بولاية أريزونا ضد الإسلام والمسلمين قد غير تفكيره بعد ان اطلع على مبادئ أولية وصحيحة عن الدين الاسلامي الحنيف».
فـي عام ٢٠١١ زرع أنديرس بيرينغ بريفـيك، البالغ من العمر ٣٢ عاماً وهو نرويجي يميني متطرف، قنبلة فـي مبنى حكومي وسط أوسلو قتلت ثمانية أشخاص. وبعد ساعات من الانفجار أطلق النار وقتل ٦٨ شخصاً. وفـي مانيفستو كتبه ومؤلف من ١٥٠٠ صفحة حول تفاصيل هجماته ولتشجيع الآخرين على الانخراط فـي مجزرة مماثلة للتي ارتكبها، تعهد المجرم بمحاربة «مستمرة للاستعمار الإسلامي لأوروبا».
وجدير ذكره هنا ان سبنسر ذكر فـي مدونة منظمته «مراقبة الجهاد» هذا المانيفستو للإرهابي النروجي ١٦٢مرة كما ذكرته غيلر فـي مدونتها «أطلس شرغ» ١٢ مرة.
وختمت خلقي بالتعليق «انهم يشعلون الكراهية والكثير من الناس يقعون فـي حبائلهم».
إسلاموفوبيا، مصطلح ترجمته الحرفـية (رهاب الإسلام)، وتعريفه الدقيق هو أي ممارسات عنصرية تحتوي على خوف لا أساس له أو كراهية غير مبررة أو مفهوم خاطىء للإسلام، مع خوف ونفور دائم من المسلمين، ورؤية الإسلام على أنه ليست له أية عوامل مشتركة مع الثقافات الأخرى وأنه أقل شأناً من الحضارة الغربية، وأنه ليس ديناً وإنما أيديولوجية عنفـية بلا ضوابط اخلاقية. بداية ظهور المصطلح كان على يد المركز البحثي الأميركي «رانيميد تراست» والذي شكل لجنة سميت بـ«المسلمون البريطانيون والإسلاموفوبيا» وترأسها غوردون كونواي نائب رئيس جامعة ساسيكس «Sussex»، ثم أصدرت اللجنة تقريرها البحثي فـي العام ١٩٩٧ بعنوان «الإسلاموفوبيا .. تحدٍّ للولايات المتحدة كلها» ونشره وزير الداخلية البريطاني حينها جاك سترو.
Leave a Reply