فـي الوقت الذي يشارف فـيه شهر شباط (فبراير) الجاري على نهايته، نتوجه فـي صحيفة «صدى الوطن» بالتقدير إلى مجتمع الأفارقة الأميركيين الذين يحتفلون فـي هذا الشهر من كل عام بإرثهم وتاريخهم النضالي الصعب وتتويجه بانتصار حركة الحقوق المدنية فـي الولايات المتحدة التي جعلت الحرية والعدالة حقاً لجميع أفراد الأمة الأميركية.
بتضحياتهم الجسام التي بذلوها على مدى أكثر من ثلاثة عقود، فتح السود الطريق أمام الجماعات الإثنية والعرقية الأخرى، ومن بينها مجتمعات العرب والمسلمين، وجعلوا من الحلم الأميركي -هدف الكثيرين المنشود- أمراً واقعاً.
الثقافة والتاريخ الأميركيين مدينان للأفارقة الأميركيين وآلامهم وإنجازاتهم وإبداعاتهم فـي كثير من المجالات التي تتجلى ببصماتهم المميزة والخاصة فـي الثقافة الأميركية، فـي شتى المجالات الحقوقية والفنية والرياضية والسياسية.. وعلى الرغم من ذلك فإن نظرة البعض فـي جالينا العربية إليهم (السود) ماتزال تتميز بالإجحاف والاستعلاء، تماما كما كانت نظرة الأميركيين البيض ضدهم قبل عدة عقود، أيام التمييز والفصل العنصري، مع فارق أننا -نحن العرب والمسلمين- صرنا هذه الأيام الضحية الجديدة للعصبية والتطرف الأبيض فـي الولايات المتحدة. وكان الأجدر، بناء على هذه الحقيقة- أن يكون السود حلفاءنا بدل أن يكونوا خصومنا، فهم من أكثر الأميركيين قدرة على فهم ما نتعرض له من تمييز وتضييق مع ارتفاع وتيرة الإسلاموفوبيا فـي البلاد.
من جهة أخرى، يتشارك هؤلاء العرب العنصريون مع البيض المتطرفـين فـي النظرة الاستعلائية ذاتها، رغم أن هؤلاء البيض يكنون العداء لهم.
وقد تجلت المواقف العنصرية الصادرة من عرب أميركيين ضد السود على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قام بعض أبناء الجالية بشتم المتظاهرين الأفارقة الأميركيين الذين نظموا احتجاجات على مقتل شخصين أسودين على يد شرطة ديربورن، خلال الفترة السابقة.
كلمات مثل «زعران» و«بلطجية» و«قذرين». تم استخدامها من قبل بعض أفراد جاليتنا ضد هؤلاء المتظاهرين الذين كانوا وبكل بساطة يمارسون حقهم الدستوري فـي الدفاع عن حقوقهم المدنية.
أحد المتصفحين شجّع سكان مدينة ديربورن إلى الانضمام إلى الشرطة لقمع أية تحركات، محتملة أو موهومة، قد يقوم بها السود فـي المدينة، فـيما كتب شخص آخر تعليقاً على أحد تقارير صحيفة «صدى الوطن»، المنشورة على موقع «فـيسبوك» قائلا: «فليذهبوا إلى بيوتهم ويصلحوا مجتمعهم قبل أن يأتوا لإثارة المشاكل عندنا».
والمفارقة أن هذه الكلمات نفسها تستخدم ضد المهاجرين واللاجئين والعرب والمسلمين والأقليات الأخرى من قبل بعض المتعصبين والمتطرفـين الأميركيين الذي لا يتوقفون عن مطالبة المهاجرين بالعودة الى أوطانهم.
بكل أسف، مايزال البعض فـي جاليتنا يظهر التعالي على السود ويتعامل معهم كالمنبوذين، أسوة بعتاة الإسلاموفوبيا، من أمثال باميلا غيللر ودابي شلاسل وروبرت سبنسر الذين يكنون العداء للحراك المدني الأسود، كما يكنون العداء الفاقع للعرب والمسلمين ويشكلون رأس حربة للتشكيك فـي وطنيتهم وولائهم لوطنهم أميركا.
وقد نشرت «صدى الوطن»، الشهر الماضي، افتتاحية دعت فـيها القراء العرب الأميركيين الى نبذ العنصرية ضد السود والعمل على إقامة ومد الجسور بين المجتمعين بدلا من تعميق الحزازات وتسعير الكراهية التي ترتفع وتيرتها على خلفـية بعض الأخطاء من الجانبين، خاصة فـي مجال الأعمال الصغيرة فـي ديترويت.
وقد انتقد البعض تنديدنا بالتصرفات السلبية والمواقف العنصرية فـي جاليتنا، مع تأكيدنا حينها على أنه ليس الجميع عنصريين، ولكن التفاحة المعطوبة قد تفسد كامل الصندوق، كما يقول المثل. ونعيد التأكيد مرة أخرى، أن تنديدنا موجه فقط إلى تلك الحفنة من العنصريين من أبناء جلدتنا.
وعندما شجبنا المظاهر العنصرية فـي ثقافتنا لم ننفِ وجود مشاكل مشابهة فـي مجتمع الأفارقة الأميركيين (الذي يشهد مواقف عنصرية ضد العرب وأعمالهم) ولكن من الأجدى لنا كصحيفة عربية أميركية أن نبدأ بانتقاد أنفسنا من أجل تصحيح الأخطاء، بدل نقد الآخرين وتحميلهم المسؤولية.
المسؤولية بلا شك مشتركة. كما أن نقد الذات دائما أصعب ويحتاج إلى شجاعة الاعتراف بالأخطاء وشجاعة التراجع عنها، ونذكر أننا دعونا فـي الوقت ذاته القادة والنشطاء فـي مجتمع الأفارقة الأميركيين أن يحتذوا بأسلوبنا وأن يقوموا بتوعية أفراد مجتمعاتهم ويعملوا على تجفـيف منابع الحزازات والكراهية ضد العرب. وفـي الوقت الذي ندعو فـيه جميع العرب الأميركيين إلى التعاطف مع نضال السود وتاريخهم الذين يحتفلون به فـي شهر فبراير، نشدد على أنه لا يجب أن نقارن بين أوضاعنا وأوضاعهم، ذلك أن بعض العرب يتباهون بنجاحاتهم ويرجعون معاناة السود فـي ديترويت إلى فشلهم وكسلهم وكرههم للعمل.
لكن الواقع أمر مختلف تماما، فالفرص الاقتصادية فـي الجالية العربية أكبر وأوفر، وأما فرص العمل أمام السود فهي أقل لأسباب كثيرة فـي مقدمتها النظام التعليمي البائس فـي ديترويت.
فـي العام 2014 أجرينا لقاء مع القس ويندل أنتوني، رئيس منظمة «الرابطة الوطنية لتقدم الملونين» فـي ديترويت، وسألناه عن بعض التعديات على الحقوق المدنية العربية بما فـيها الإغلاق التعسفـي لحساباتهم المصرفـية، فقال: «قد يغلقون حساباتكم المصرفـية، أما نحن فلن يفتحوا حسابات لنا من الأساس، فالبنوك لا تقرض أبناء مجتمعنا مع أنهم بأشدالحاجة إليها».
وفـي الختام، علينا التأكيد على بعض الحقائق التاريخية والجغرافـية التي تبرهن على تداخل التاريخين العربي والأسود، فأوائل المسلمين الذين جلبوا إلى أميركا كانوا سودا افريقيين استقدموا الى الأرض الجديدة ليخدموا كعبيد. ومن الصومال الى السودان الى جنوب مصر، فالملايين من العرب هم سود البشرة.
واليوم، إن أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية فـي الولايات المتحدة هم مفكرون وحقوقيون وأكاديميون سود، من أمثال كورنيل وست وانجيلا دايفس والقس جيرمايا رايت وغيرهم الكثير.
وفـي مدينة مونتغمري بولاية ألاباما، يضم المتحف التذكاري للحقوق المدنية الخاصة بتاريخ السود صورا للنضال الفلسطيني والعربي الأميركي جنبا الى جنب مع صورة المناضل الجنوب افريقي نيلسون مانديلا. فلنجعل من «شهر تاريخ السود» فرصة للتسامح والتعايش وبناء الجسور، وإعادة النظر فـي علاقتنا مع جيراننا السود، وفق ما تقتضيه مبادئنا الإنسانية والحضارية والدينية، التي ترى أن لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود، إلا بالتقوى.
Leave a Reply