الشيخ السنجري: الذين يحثون على احياء عاشوراء بالبكاء والعويل دون الالتفات الى رسالة الحسين (ع) هم مشروع فتنة
شكلت ذكرى عاشوراء التي استشهد فيها الامام الحسين في العاشر من محرم سنة 61 هجرية في معركة كربلاء حدثا فريدا في التاريخ السياسي الاسلامي. فالامام الذي خرج ليحتج على السلطة السياسية، رغم علمه باختلاف الموازين، ادرك انه بغير صدمة كبرى في المجتمع العربي انذك، لن يتحرك ماء الامة الذي اركدته سدود السلطة السياسية التي فسدت ونشرت الخوف والتضليل بين الناس وحولت الحكومة التي كانت من المفترض ان تُتداول بين نخبة لها صفات معينة للقيادة الى سلطة ملكية يتوارثها الابناء عن آبائهم كما في الدولة الاموية.
وواظب المسلمون الشيعة على طول التاريخ احياء الذكرى ونشأت ثقافة حسينية كاملة تدور حول الواقعة الكربلائية. غير ان البعض غالى في الحزن على الامام، وربما ساعد على ذلك التاريخ السياسي الذي عاش فيه الشيعة على مر العصور، ودخلت الى ثقافة احياء الذكرى شعائر شبيهة بالتي مارسها بعض المسيحيين حزنا على صلب السيد المسيح من ضرب الرؤوس بالسيوف والمسيرات الدامية التي اصبحت تقليدا في بعض مناطق جنوب لبنان كما في النبطية او في جنوب العراق. وكان لانتشار الصور الدموية في وسائل الاعلام اثر سلبي على الصورة التي يقدمها البعض عن المسلمين والشيعة خصوصا في وقت تجتهد اطراف كثيرة في اظهار صورة سيئة عن المسلمين مستغلين مشاهد كتلك التي تساهم فيها هذه الصور الدموية.
ومحاولة منا للاجابة على اسئلة اثيرت في الاثر الذي قد تتركه ممارسات كالمسيرات العاشورائية التي تسيل فيها الدماء وتشق فيها الرؤوس ويضرب فيها الجسد بالحديد، قامت «صدى الوطن» الاسبوع الماضي بحوار العلامة الشيخ عبداللطيف بري حيث ادلى فضيلته بمواقف جريئة ضد تلك الممارسات وعبر عن موقف الفقه الذي يحرم ادماء الجسد ادماء مؤذيا، كما يحرم اي ممارسات تشوه صورة الاسلام.
واستكمالا منا للوقوف على اكثر من رأي، تقوم «صدى الوطن» هذا الاسبوع بحوار فضيلة الشيخ طالب السنجري للوقوف على رأيه في المواضيع المثارة، وكان هذا الحوار:
– الطريقة التي يتم فيها احياء عاشوراء: تطبير، ضرب الرؤوس بالسيوف، مظاهرات فـي غاية القسوة، هل هكذا تحيى ذكرى ثورة الحسين؟
– رأيي الفقهي في هذه الاساليب ان الشرع قطعا يحرمها من باب انها مخالفة للذوق الانساني العام. وثانيا في انها مهدمة لمعاني الفطرة السليمة التي تدعو الى الممارسة الهادئة في احياء اي شعيرة اسلامية. وثالثا انها تدعو الى التمترس باساليب عنفية متشددة مضرة بجيل الشباب الذي يجب ان يُدعى الى اعمال العقل بدل استعمال العنف. ورابعا، لأنها تعطي صورة مخالفة لروح الاسلام الذي يدعو الى الرحمة والمودة باظهاره دينا يحض على العنف واراقة الدم.
– ما رأيك بمن يرى ان التحريم هو فقط مخافة الظهور امام الاخرين بطريقة غير حضارية، اي منطق التقية، اذ قد يرى البعض انه حر بالطريقة التي يريق بها دمه؟
– المسلم الشيعي الذي يقول هذا القول يغفل عن انه كمسلم تترتب عليه مسؤولية الدعوة الى الله بالمغفرة والكلمة الطيبة والا كان مسيئا الى هذا الدين ففعله لن يمسه فقط شخصيا وانما سيمس الدين الذي ينتمي اليه ويمارس هذه الطقوس باسمه.
– ماذا ترى فـي الممارسات الاخرى التي يقوم بها الشباب المسلم الذي يظهر انه يندفع الى العنف او التشدد فـي ممارسة الطقوس الدينية من قبيل اللطم الشديد او غيره؟
– المشكلة هي اولا في المؤسسات. فغياب مؤسسات دينية تقدم الدين بالطريقة الصحيحة العقلانية التي تعمل على بناء الانسان كمخلوق عاقل اولا واخيرا بعيدا عن الانفعالات يترك المجال مفتوحا لمن لا يريد لهذا الدين الا ان يطرح بتلك الصيغة السيئة. وانا لا اقول غياب المؤسسات مطلق بل هناك البعض منها يقوم بدور جيد. ولكن وجود اناس غير مسؤولين في مؤسسات اخرى يجعلها مكانا خصبا للشباب المتعطش لمكان يأويه. وعلى المجتمع والناس ان يحتجوا على كل رجل دين يقدم الاسلام او التشيع بطريقة تسيء للدين او للمذهب وهذا لا شك سيقلل من سطوة غير العقلانيين. يجب ان يكون الاستنكار بصوت عال. نريد رجال دين يثورون على الموروث غير العقلاني في سبيل صيغة انسانية للدين.
– والاطفال الذين يضربون بالموسى وتسيل دماؤهم وهم لا ارادة لهم ليقبلوا او يرفضوا فعل ذلك بهم؟
– انا استنكر بشدة هذا الامر، وان كان المراجع الدينيون لم يستطيعوا ان يوقفوا هذه الممارسات المهينة بحق الطفولة والتي تعد من اساليب التعذيب الذي نهى عنها الاسلام، فيجب الاستعانة بالقانون الدولي للتدخل لحماية الطفولة فهذا اجرام لا يمكن السكوت عنه. لا احد يمنح الاب او الام الحق في جرح طفلهما بهذا الشكل.
– هل البكاء على الحسين يحقق الغاية التي من اجلها ثار الامام على السلطة فـي زمانه؟
– انا لا ارى مبررا للبكاء على الامام الحسين (ع) ولا على غير الامام الحسين من الذين هم الآن في روضة من رياض الجنة في جوار الرحمن عز وعلا. الاندفاع العاطفي لا بأس به كشعور انساني يتأثر بمشاهد تهز ضميره. انما ان يصبح البكاء هدفا للمجالس الحسينية بدل التفكر في ثورة الامام الحسين والغايات التي من اجلها ثار على الظلم فهو تضليل للناس حتى تنشغل عن الاهداف السامية التي ارادت ثورة الامام الحسين (ع) ان تزرعها باستشهاده.
ثم ان البكاء على الامام الحسين (ع) ليس عبادة.
– فما بال الحديث الذي يقول «من بكى او تباكى او ابكى فله الجنة»؟
– عندي ان هذا الحديث الذي نتداوله نحن المسلمون الشيعة ليس صحيحا. اولا لأن هذا الحديث يحث على التباكي اي تصنع العاطفة اي انه يُعلّم المسلمين عدم الصدق. طبعا التأثر العاطفي الصادق لا بأس به ولكن لا ان يصبح البكاء هو الهدف الاسمى من كل ذكرى عاشوراء.
– والذين لا يرون فـي عاشوراء الا البكاء؟
– العلماء الذين يحثون فقط على احياء عاشوراء بالبكاء والعويل دون الالتفات الى رسالة الامام الحسين (ع) هم مشروع فتنة في المجتمع لتحريف الاسلام وتجهيل ابنائه فإيقاف العقل بحذ ذاته يعزز سيطرة رجال الدين على الجماهير الذين يستطيعون بعد ذلك بسهولة توجيههم كيفما شاؤوا وتصبح الجماهير بالتالي مطية يحركها رجل الدين مثلما يريد وهذا حدث ويحدث على طول التاريخ الاسلامي القديم والمعاصر.
– كيف نستفيد من واقعة الامام الحسين؟
– اولا ننظر الى القرآن الذي وصف الحسين (ع) بالطاهر المطهر عندما ذكر اهل البيت وقال «ويطهركم تطهيرا»، والحسين ايضا مقصود بالآية التي ذكرت اطعام اهل البيت للمحتاجين دون ان يبتغوا «جزاء ولا شكورا»: هذا هو الامام الحسين (ع). هذا على صعيد الصفات الشخصية اما على صعيد الثورة فهو الثائر على الظلم الذي يريد ان ينتصر للناس من الحاكم الجائر الذي بطش بهم وسلبهم حقوقهم وصرف اموال المسلمين على اللهو والفجور بدل صرفه على الفقراء والمحتاجين كما كان يفعل امير المؤمنين علي (ع).
– اذن فهو ثار على يزيد للاصلاح السياسي، رغم انه كان يعلم ان الناس سيخذلونه، وان موازين القوى ليست فـي صالحه، وهذا خطأ استراتيجي؟
– اولا، هو لم يخرج لينتصر فهو يعلم ان موازين القوى ليست في صالحه. ثانيا، لم يخرج الى كربلاء ليصلح لأنه يعلم ان الاصلاح انعدمت كل وسائله الممكنة حتى القتال لن يؤدي الى نصر وبالتالي لن يؤدي الى اصلاح. وهنا العظمة في ثورة الامام الحسين: واريد ان استعرض نقطتين قبل الوصول الى النتيجة:
الاولى، احدى رسائله الى بني هاشم حيث قال فيها «من لحق بنا استشهد» فهو كان يعلم بمقتله على يد رجال يزيد وقال فيها «ومن تخلف عنا لم يبلغ الفتح» اي ان لا وسيلة للانتصار.
الثانية، قوله عندما توجه الى كربلاء «كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء» اي انه سيقتل في المكان الفلاني، ثم يقول «خُطّ الموت على وُلْد آدم مخط القلادة على جلد الفتاة».
من هذين الموقفين نعلم ان الامام كان يعلم ومتيقن من استشهاده على ما اخبره رسول الله (ص) ورغم ذلك خرج، لا لينتصر، فموازين القوى ليست لصالحه وهو يعلم ذلك، بل ليستشهد. ولماذا يستشهد؟ لأنه رأى ان الاصلاح امتنع وليس له امكانات وان الامة بلغت من الشلل انها لم تعد قادرة على الحركة الا بصعقة وصدمة تعيد افاقتها مما هي فيه وهذه الصدمة هي ان يراق دمه الزاكي عليه السلام ويستشهد… عندها فقط ستستيقظ الامة. وهذا ما كان.
فهو قصد الموت ولم يكن هدفه القتال او الانتصار. وهنا عظمة الامام الحسين (ع).
– كيف ترى الاساليب التي يمارسها الشيعة اليوم بالاضافة الى كربلاء مثلا قضية الامام المهدي. اصبح هناك طقوس من وضع اليد على الرأس والقيام عند ذكره دون غيره ممن هم اهم منه كذكر النبي؟
– المسلمون يقاربون قضية الامام المهدي مثلما يفعل المسيحيون الذين يعتقدون ان المسيح سيعود لنفس السبب الذي يعود له الامام المهدي. وكل المسلمون يؤمنون بالمهدي المنتظر والخلاف بين الشيعة والسنة ان الشيعة يؤمنون انه حي وينتظر امر الله وهو الامام الثاني عشر اما السنة فيؤمنون انه سيظهر لكنه لم يولد بعد.
الايمان بالامام المهدي ضرورة من ضرورات الدين ولكن الايمان قلبي وليس واجبا ان ينعكس على تصرفات المسلم عبر ممارسات كرفع اليد عند ذكر اسمه الكريم او القيام. ولم يرد في الاسلام والسنة تأكيد على هذه الممارسات او الامر بها.
الشيخ طالب السنجري فـي سطور
من مواليد 1952 جنوب العراق، درس في حوزة النجف الاشرف، وكان من اصحاب الامام محمد باقر الصدر. شارك الامام باقر الصدر حركتَه السياسية في التصدي للنظام العراقي انذاك واعتقل معه سنة 1979، ثم انتقل ليستقر في ايران حيث اشتغل في التعليم في جامعة الفردوسي في كلية الإلهيات ثم شغل منصب مدير لحوزة «اهل البيت» وهي من ضمن حوزة «قم» الايرانية، ثم اصبح عضوا في مجمع البحوث الاسلامية. وانتقل بعدها للعيش متنقلا مابين سوريا ولبنان وافريقيا حتى استقر اخيرا في الولايات المتحدة هربا من ملاحقة النظام العراقي. اسس في الولايات المتحدة «حركة ارشاد» ويشغل الآن منصب المرشد العام للحركة.
للاطلاع على «حركة ارشاد»:
Leave a Reply