..ويحلّ السابع من ايلول مرصعاً تاج «صدى الوطن» بلؤلؤة عام جديد نعْبر إليه بهدوء وعزم وثقة. إنه عمر ليس بـ«قليل» في حياة الصحافة المهجرية العربية. هو عمر واكب الاعمار من جيل الى جيل وانعقدت تحت زرقة الاسم المتموجة بأمل لا يخبو، علاقة منسوجة من خيوط الوجدان بين التوّاقين الى منبر يرجّع صدى الصوت العربي في فناء هذه الاقامة على مضض الانتظار المؤبد، وبين «مغامرة» خضناها قبل ثلاثة وعشرين عاماً بالتمام والكمال، في عالم لا يعترف إلا بالمغامرين والاقوياء ولا يقيم وزناً للمترددين والخائفين.في مثل هذا اليوم من عام 1984 كان الألم العربي في لبنان وفلسطين قد بلغ تخوم الملحمة عندما سمع العرب في هذه المدينة «صرخة الولادة» لأول صحيفة عربية وهي تخرج الى فضاء غربتهم، لتلملم همساتهم المخنوقة على ارصفة الكدح والاجتهاد وتحيلها الى صراخ اخذ يشق غبار التعمية والتشويه الذي ظل يلف قضاياهم ويحجب شجونهم وشؤونهم وراء ستار كثيف حتى كادت ان تصير نسياً منسياً.ثلاثة وعشرون عاماً وصدى الصوت العربي يتغلغل كل اسبوع، الى افئدة وعقول الناطقين بالضاد في هذا الصقع النائي من العالم، ويعلن عن وجودهم على رؤوس الكلام الجريء والمواقف القاطعة، وينزرع على الدروب الوعرة والمسالك الخطرة اشارات يهدي وميضها كل التائهين في فيافي الضياع عن الحق، ومهامه الشرود عن العدالة، وليُعلي فوق سارية الاعلام العربي في اميركا بنوداً خفاقة تعلن بكل جرأة عن الهوية التي اريد لها ان تنزوي في اقبية التقوقع والخوف، وتستمر في حمل راية الحق العربي دون وجل او تردد.ثلاثة وعشرون عاماً عبرنا خلالها حقول الشوك التي ادمت اقلامنا ليزيد نزفها لحبر الحقيقة والحرية والعدالة وليصلّب اصرارها على الخوض في قضايا المهاجرين خوضاً لا تشوبه اية مصالح او ارتهانات على حساب كرامة المجتمع العربي ومصالحه، بل محكوماً بإعلاء الصوت اسبوعاً بعد اسبوع رغم انحسار مساحة الحريات الاميركية وتقهقر الحقوق المدنية بفعل حزمة القوانين والتشريعات التي اعقبت اعتداءات الحادي عشر من ايلول.ظلت «صدى الوطن» تجهر بالحقائق التي يسعى الشعب الاميركي الى معرفتها ووقفت على الدوام مواقف الشجاعة التي ترضي ضميرنا كصحافة عربية وتعكس الطلعات الحقيقية لمجتمعنا العربي بأغلبيته الصامتة التي رأت فينا رُسُل الكلمة الواضحة والموقف البعيد عن الالتباس فأيدتنا بالكلمة. واحتضنتنا بالاعلان الذي حرّرنا من اي ارتهان.وها هي «صدى الوطن» تثمر في الاحداق والقلوب وتُضرب لعناق صفحاتها المواعيد، من اسبوع الى اسبوع، وتواكب حركة التطور السريع للاعلام وثورة الانترنت، فتكتسي بأجمل حلة على موقعها على الشبكة لتظل حاضرة وقوية في زحام التسابق، وتقدم الاجمل والافضل في عالم الصحافة المكتوبة والالكترونية.بعد اثنتين وعشرين سنة من عمر المسيرة العامرة بالعطاء والشقاء، المجبولة بالألم والأمل، بالحزن وبالفرح، تلاقي «صدى الوطن» طموحات وتوقعات القارئ العربي في هذه البلاد وغيرها بكل جديد ومفيد: من الصحة التي خصصنا لها صفحات وملاحق، الى التجربة الانسانية والريادية لعرب اميركا التي رعيناها بعين الاعتراف والثناء الى التعليم الذي خضنا في سبيل تعزيزه معارك مشرفة في المدينة وخارجها، الى الحقوق والحريات التي بقيت من اللحظة الاولى التي عانق فيها حبرنا صفحات الورق هماً وقضية لم نستكن في ميادينها ولا تهاونّا في معاركها.ثلاثة وعشرون عاماً هي جسر الذاكرة بين الصوت المتلاشي في غياهب الغربة والصرخة المدوية التي انطلقت من مركز متواضع على شارع ميشيغن مقابل المبنى المهيب لبلدية ديربورن لتعلن عن الحضور العربي ابعد من حدود المدينة وترفع منارة على شاطئ الحلم العربي في هذه البلاد.
Leave a Reply