نبيل هيثم – «صدى الوطن»
مرة أخرى، اختارت روسيا التوقيت المناسب لأداء قفزة جديدة على المسرح الدولي، من البوابة السورية.
طائرة سو 33 تحلق فوق حاملة الطائرات الروسية الأدميرال كوزنيتسوف في مياه البحر المتوسط |
وبعد أكثر من عام على انطلاق «عاصفة السوخوي»، قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إطلاق «عاصفة كوزنيتسوف»، التي بدأت تضرب الإرهابيين بشكل موجع في أرياف حمص وحماه وإدلب ومناطق أخرى في سوريا، باستخدام صواريخ جديدة جرى اطلاقها من منصات بحرية، على متن بعض من أحدث السفن الحربية الروسية.
ولا شك أن الضربات الأولى التي استهدفت مواقع «جبهة النصرة» وغيرها من الجماعات التكفيرية، الأسبوع الماضي، لا تعني أن «عاصفة كوزنيتسوف» قد وصلت الى ذروتها، بل يشي حجم ونوعية الترسانة المستخدمة في العملية بأنها تأتي في إطار الاستعدادات التمهيدية لاستكمال معركة حلب الكبرى وحسمها لصالح الدولة السورية وحلفائها.
فسحة زمنية
حلب إذن هي في عين العاصفة، لأسباب كثيرة، أبرزها أنها بالنسبة إلى الروس، كما غيرهم من الأطراف الفاعلة في سوريا، على اختلاف تحالفاتهم وتناقضاتهم، تشكل عقدة العقد في المعارك الجارية في سوريا وعليها.
ولعل المعلومات القليلة الآتية من الميدان، توحي بأن «عاصفة كوزنيتسوف» لن تتأخر في الوصول الى حلب، لا سيما أن ثمة توقيتاً جوهرياً بات بوتين ملتزماً به، وهو الأسبوع الأول من كانون الثاني (يناير) المقبل، حين يتسلم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مفاتيح البيت الأبيض من الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما.
وبالرغم من أن انتخاب ترامب قد منح هامشاً أكبر للجانب الروسي في التحرّك أكثر في المعركة السورية، إلا أن ثمة في موسكو من ينظرون بعين الريبة الى مواقف ترامب، الذي سبق أن أكد سعيه للتقارب مع روسيا، لا بل تركها تخوض المعركة ضد الارهاب في سوريا – وربما في العراق لاحقاً – طالما أن الولايات المتحدة ستكون قادرة بذلك على قطف ثمار الاستقرار الدولي الذي قوّضه الإرهاب «الداعشي» من دون أن تدفع دولاراً واحداً من ميزانيتها أو قطرة دم من جنودها.
وهناك أيضاً من يخشى تحوّل موقف ترامب تجاه الملف السوري تحديداً، تحت ضغط جماعات المصالح والكارتيلات الكبرى المؤثرة في السياسة الأميركية.
آخر أيام أوباما
ومن المعروف أن الصراع الدائر على سوريا اليوم لا يقتصر في حيثياته على الجانب المتعلق بمحاربة الإرهاب، فثمة صراع عالمي أكبر، على المستوى الجيوسياسي، تبقى سوريا عقدة العقد فيه، لا سيما أن هذا الصراع مرتبط بمراكز القوى السياسية والاقتصادية ومصادر الطاقة وإمداداتها التي سترسم خرائط النفوذ الدولي لأجيال قادمة.
ولعل الأشهر القليلة الماضية أظهرت بوضوح أن اللعبة الدولية باتت اليوم متمحورة حول سوريا، ما يعني بطبيعة الحال أن هذا الطرف الإقليمي أو ذاك، قد بات أمام خيار من اثنين: إما الإبقاء على تحالفاته ضمن المنظومة الجيوستراتيجية القائمة حالياً، او اتخاذ قرارات مصيرة بالانتقال من تحالف إلى آخر، وهو ما يفسر على سبيل المثال التموضعات الجديدة إقليمياً، ولاسيما تركيا.
وانطلاقاً من ذلك، فإن الرئيس فلاديمير بوتين يرغب حتماً في فرض قواعد جديدة للعبة الأمم، لا سيما في هذا التوقيت المثالي على المسرح الدولي، وهو الفترة الانتقالية بين انتخاب الرئيس الأميركي الجديد وتسلم مهامه. ومعروف، تاريخياً، أنه في مثل هذا الوقت، فإنّ أي رئيس أميركي لا يملك هامش مناورة واسعاً للقيام بخطوات حساسة، قبل أن يسلّم ملفاته لخلفه، ما يعني أن أوباما اليوم يبدو خلال الفترة الحالية أشبه ببطة عرجاء، لا سيما أن من سيأتي بعده، أي دونالد ترامب، لا ينتمي إلى الحزب نفسه، لا بل أن سياساته أكثر تعارضاً مع سياسات أوباما، حتى قياساً بأي جمهوري آخر.
ساعة الصفر
وعلى العموم، فإن الساعة الصفر لمعركة حلب قد تحددت، كما تشير مصادر روسية عالية المستوى، ولكن الكشف عنها لن يتم إلا حين تنطلق مقاتلات «السوخوي» من حاملة الطائرات «الأميرال كوزنيتسوف» المرابطة قبالة السواحل السورية، والصواريخ المجنحة من المنصات المجهزة على متن السفن الحربية التابعة لها.
وأما السيناريوهات المحتملة لتلك المعركة المحسومة سلفاً فتحاكي على ما يبدو سيناريوهات أخرى في الجبهات السورية، أبرزها سيناريو داريّا، حيث تفيد المعلومات العسكرية الأولية إلى أن العملية الروسية ستبدأ عملياً مع نفاذ صبر القيادة العسكرية من احتمال الخروج الآمن لمسلحي «جبهة النصرة» من الأحياء الشرقية لحلب.
ومن المرجح أن تبدأ المعركة الكبرى بهجمات دقيقة من قبل الطيران الروسية والقوات الصاروخية الاستراتيجية، بحيث يتم ضرب مراكز القيادة والتحكم للمجموعات الإرهابية في تلك الأحياء، واستنزاف قدرتهم على شن هجمات جديدة، على غرار ما حدث في تموز (يوليو) الماضي.
ومن الواضح أن الغارات التي انطلقت في ادلب تحديداً تهدف إلى ضرب خطوط الاتصال والامداد بين مناطق سيطرة التكفيريين والأحياء الشرقية لحلب وقصف تجمعاتهم، وهي تعد الخطوط الأخيرة في هذا الإطار، لا سيما بعد اقفال المنافذ بين حلب وريفها الشمالي،
ولا يقتصر الأمر هنا على الجانب الروسي، إذ أن تركيا بدورها تستعد لتثبيت مواقعها في الشمال السوري، وهو ما تحقق لها حتى الآن، بعد عملية «درع الفرات»، ومؤخراً بعد الانسحاب المفاجئ لوحدات حماية الشعب الكردي من منبج إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات. علماً بأن التقدم المحتمل للفصائل المدعومة من تركيا في إطار عملية «درع الفرات» لن يغير في الأمر شيئاً بالنسبة إلى فصائل التكفيريين، خصوصاً أن ثمة وظيفة محددة لتلك الفصائل، لا تستطيع تركيا تجاوزها، وهي ضرب تنظيم «داعش» في الرقة حصراً (ربما الباب)، بحسب التوافق الضمني بين الولايات المتحدة وروسيا.
الأهداف
وإذا كان توقيت المعركة قد أصبح قريباً فإن اهدافها تزداد وضوحاً، وهي تحقيق انتصار كبير باستعادة الحكومة السورية السيطرة على أهم وأكبر مدينة في البلاد بعد العاصمة دمشق، تتبعها مفاوضات مع الادارة الأميركية الجديدة للتعاون من أجل اجتثاث الإرهاب من الأراضي السورية والمنطقة ككل ووضع تصور لمستقبل سوريا، لا سيما أن ترامب اعتبر حلب سقطت، وهذا يعني أنه لن يلتفت إلى مجموعات، وربما قد يساعد على تجنب كارثة هناك بإقناع روسيا بالدفع إلى حل سلمي.
ويبدو واضحاً حتى الآن أن الإدارة الجديدة ستتجنب مواجهة مفتوحة مع روسيا في سوريا كي لا تقع في مستنقع شبيه بالمستنقع العراقي، وقد تعتمد توجه إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون بالنسبة إلى فيتنام، بأن تهدد علنياً بعمل عسكري في سوريا ضد روسيا، في حين ترسل سراً إلى موسكو ودمشق بأنها على استعداد للتوصل إلى صفقة، إنما بعد أن تستعرض أمام العالم قوتها العسكرية.
على المستوى الاستراتيجي، تكتسب معركة حلب أهمية كبرى لروسيا، الساعية إلى تثبيت أقدامها في المنطقة وجعلها رقماً صعباً في المعادلات الإقليمية والدولية، خصوصاً أن خطاب الرئيس ترامب يجرّ مياهاً إلى الطواحين الروسية لجهة الاعتراف بالدور الروسي في سوريا، وهو ما يمكن تلمّسه من اجواء المحللين الروس، الذي قال احدهم إن الاستعداد للسيطرة على مناطق المعارضة في حلب ليس إلا خطوة ثانية لمهمة روسيا في الشرق الأوسط… وربما لهذا السبب يستعجل الرئيس بوتين حسم المعركة، لكي يبنى على الامر مقتضاه، حين يحصل اللقاء التاريخي الأول بينه وبين دونالد ترامب، بعد أن يقسم الأخير اليمين بوصفه الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة بعد أسابيع قليلة.
الأسد: سنكون حلفاء طبيعيين لترامب في حال حارب الإرهابيين
اعتبر الرئيس السوري بشار الاسد في مقابلة مع التلفزيون الرسمي البرتغالي RTP بُثت مساء الثلاثاء الماضي أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سيكون «حليفاً طبيعياً» لدمشق إذا حاربت إدارته «الإرهاب».
وقال الأسد «لا نستطيع أن نقول شيئاً عمّا سيفعله (ترامب). لكن إن –وأقول إن– كان سيُحارب الإرهابيين، فإننا سنكون حلفاء طبيعيين له في ذلك الصدد، مع الروس والإيرانيين، والعديد من البلدان الأخرى التي تُريد إلحاق الهزيمة بالإرهابيين».
وحول التوقعات من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أوضح الأسد «ليس لدينا الكثير من التوقعات لأن الإدارة الأميركية لا تتعلق بالرئيس وحده بل تتعلق بقوى مختلفة داخل هذه الإدارة، مجموعات الضغط المختلفة التي تؤثر على الرئيس ولذلك علينا أن ننتظر ونرى عندما يبدأ مهمته الجديدة أو يستلم مهام منصبه داخل هذه الإدارة كرئيس بعد شهرين، لكننا نقول دائماً إن لدينا تمنيات بأن تكون الولايات المتحدة غير منحازة وتحترم القانون الدولي ولا تتدخل في الدول الأخرى في العالم وبالطبع أن تتوقف عن دعم الإرهابيين في سوريا».
وأضاف الأسد «بالنسبة لنا لا يزال (ترامب) موضع شك ما إذا كان سيتمكن من الوفاء بوعوده أم لا، ولهذا نحن حذرون جداً في الحكم عليه، خصوصاً أنه لم يشغل أي منصب سياسي من قبل، ولهذا لا نستطيع أن نعرف ما سيفعله».
وأشار الأسد في معرض مقابلته التلفزيونية إلى أنّ محاربة الإرهاب في سورية لا تصبّ في مصلحة سوريا أو الشعب السوري وحسب بل هي في مصلحة الشرق الأوسط وأوروبا نفسها وهذا أمر لا يراه العديد من المسؤولين في الغرب أو لا يدركونه أو أنهم لا يعترفون به.
Leave a Reply