بيروت – عماد مرمل
صحيح ان مساحة مخيم عين الحلوة الفلسطيني فـي جنوب لبنان لا تتجاوز الـ 2 كيلومتر، فـي أحسن الحالات، لكن هذه المساحة الصغيرة تختزن من الكثافة السكانية والصواعق الامنية والتعقيدات السياسية والحساسية الجغرافـية، ما يجعل المخيم يقيم منذ سنوات طويلة فوق صفـيح ساخن.
مخيم «عين الحلوة» |
ويُنظر الى عين الحلوة الذي يبلغ عدد سكانه قرابة 80ألف شخص باعتباره الأهم من بين المخيمات الفلسطينية الموجودة فـي لبنان، وهو يبعد 67كلم عن الحدود مع فلسطين المحتلة، علما انه تأسس أصلا على أرض كانت تحوي معسكرا للجيش البريطاني فـي الحرب العالمية الثانية.
وما زاد من دقة الوضع فـي المخيم انه تحول مع الوقت الى ملاذ للفارين من العدالة، خصوصا لأولئك الذين يرتكبون جرائم سياسية ويعتدون على الامن القومي اللبناني. ويُسجل فـي هذا السياق ان قتلة القضاة الاربعة فـي قلب مدينة صيدا قبل سنوات جاؤوا من المخيم لتنفـيذ جريمتهم ثم عادوا اليه، كما ان مسلحين أصوليين شاركوا فـي معارك ضد الجيش اللبناني فـي الضنية فـي شمال لبنان عام 2000 فروا الى المخيم.
وامتدادا لهذا المسار، فرّ الشيخ أحمد الاسير بعد هزيمته مؤخرا فـي معركة عبرا، فـي مواجهة الجيش، الى عين الحلوة، وكذلك الامر بالنسبة الى «الفنان التائب» فضل شاكر الذي عُرف بعدائه للمؤسسة العسكرية وتأييده للاسير قبل ان يفترق عنه، بل ان شاكر لا يتردد فـي إجراء المقابلات الاعلامية من قلب المخيم، برغم انه مطلوب للدولة اللبنانية بموجب مذكرات توقيف.
وبعد اقتحام الجيش منذ أسابيع معاقل المسلحين فـي أسواق طرابلس القديمة، لاسيما فـي باب التبانة، فرّ أحد أبرز رموز المجموعات الارهابية شادي المولوي الى عين الحلوة أيضا، كما أكد مدير مخابرات الجيش فـي الجنوب العميد علي شحرور لمسؤولي الفصائل الفلسطينية، مطالبا إياها بتحمل مسؤولياتها والمساهمة فـي العثور على المولوي وباقي الفارين وتسليمهم الى الدولة.
وللمولوي قصة، تعبر عن الخفة التي تطبع سلوك الكثير من المسؤولين فـي لبنان، إذ ان الرجل كان معتقلا قبل فترة لدى جهاز الامن العام بتهمة الانضمام الى تنظيم القاعدة، لكن ما حصل ان ضغوطا سياسية على ارفع المستويات، ومزايدات بين تيار المستقبل ورئيس الحكومة آنذاك نجيب ميقاتي، وحسابات مذهبية ومناطقية ضيقة.. دفعت الى الافراج عنه، ليعود الى طرابلس بسيارة حكومية، ويدخلها دخول الابطال الفاتحين!
ثم ما لبث المولوي ان أصبح أحد أخطر الارهابيين والمحرضين على الفتنة المذهبية مع صعود دور تنظيم داعش وجبهة النصرة، ووصولهما الى جرود عرسال، ليغدو إحدى نقاط الارتكاز للارهاب التكفـيري، فـي الداخل اللبناني، وهو كان على تنسيق مع قيادات هذا الارهاب.
أكثر من ذلك، تردد ان الشيخ المتطرف خالد حبلص الذي شارك فـي الاعتداء على الجيش فـي بلدة بحنين الواقعة فـي منطقة عكار، شمال لبنان، تسلل ايضا الى مخيم عين الحلوة.
هذا الواقع، دفع مدير مخابرات الجيش فـي الجنوب العميد شحرور الى التواصل المكثف مع قيادات الفصائل الفلسطينية فـي المخيم، محذرا من خطورة تحوله الى مقر للهاربين من العدالة، ومشددا على ضرورة ان تبذل الفصائل اقصى جهودها للعثور على أماكن اختبائهم ومن ثم تسليمهم، لئلا يصبح وجودهم فـي المخيم عبئا عليه.
ويشكل ملف الفارين تحديا صعبا لـ «القوة الامنية» المشتركة التي انبثقت مؤخرا عن الفصائل الفلسطينية، بالتشاور مع الدولة اللبنانية، وأنيطت بها مهمة المحافظة على الامن والاستقرار فـي المخيم.
وعلمت «صدى الوطن» ان الجيش يعرف بالتفصيل ما يدور فـي قلب المخيم، مستندا الى شبكة من العلاقات والمخبرين، وبالتالي فهو يملك معلومات مؤكدة عن وجود المولوي والاسير فـي عين الحلوة، برغم ان بعض الفصائل الفلسطينية تشير الى ان معطياتها لا تجزم بذلك، «أما إذا ثبت انهما يقيمان فـيه، فان المطلوب معالجة هذا الملف بحكمة وروية، منعا للتداعيات التي قد تترتب على أي دعسة ناقصة»، كما تقول جهات فلسطينية مقربة من التنظيمات الاسلامية فـي المخيم.
وتنبه مصادر لبنانية رسمية الى مخاطر «هجرة» المطلوبين نحو المخيم، معربة عن خشيتها من ان يقود تجمعهم على أطرافه او فـي أزقته الداخلية، عاجلا أم آجلا، الى صدام عسكري مع الجيش الذي يحاول تفادي الأسوأ، عبر مطالبته القوى الفلسطينية بتحمل مسؤولياتها فـي مواجهة الظواهر النافرة وإظهار أعلى قدر ممكن من الجدية والحزم فـي ملاحقة الهاربين.
وفـيما تشدد الاوساط الفلسطينية فـي المخيم، بكل تلاوينها، على رفضها العبث بأمنه وتحويله الى بيئة حاضنة للمتطرفـين والارهابيين، مؤكدة الحرص على استقرار لبنان والتعاون مع الجيش.. يخشى بعض الفلسطينيين من ان يقود تطور الاحداث الى تكرار سيناريو نهر البادر فـي عين الحلوة، مع ما يعنيه ذلك من مأساة متجددة للشعب الفلسطيني والجوار اللبناني، واستعادة لمرحلة المواجهة المكلفة بين الجيش وتنظيم فتح الاسلام الذي اخذ مخيم نهر البارد رهينة له، قبل ان يجري القضاء عليه.
ويبدو واضحا ان القوى الأصولية الموجودة فـي بعض أحياء المخيم تشكل عامل جذب للمطلوبين الذين يجدون فـي هذه القوى مظلة لهم، يسعون الى الإحتماء بها. وتفـيد المعلومات ان هناك بقايا لجند الشام وفتح الاسلام فـي عين الحلوة، كما ان عصبة الانصار تشكل إحدى المجموعات الأصولية البارزة فـي المخيم، لكنها لا تزال تحاذر قطع جسور التواصل مع الجيش اللبناني، مستخدمة سياسة تدوير الزوايا، سعيا الى التوفـيق بين أولويات الجيش وحسابات المجموعات المتطرفة.
وإذا كانت منظمة التحرير الفلسطينينة عموما، وحركة فتح خصوصا، قد تميزت تاريخيا بالحضور الاقوى فـي عين الحلوة، إلا انه سجل خلال السنوات الماضية تصاعد فـي نفوذ المجموعات الاصولية التي وجدت فـي أزقته متنفسا لها، مستفـيدة فـي الوقت ذاته من انتعاش ظاهرة التطرف فـي المنطقة برمتها.
ولعل حالة الفقر الحاد التي يعاني منها المخيم، فـي ظل بطالة مرتفعة ونقص كبير فـي الخدمات ومقومات العيش الكريم، ساهمت فـي رواج الافكار المتطرفة التي وجدت من يوظفها، داخليا وخارجيا، لاختراق الساحتين الفلسطينية واللبنانية وتعزيز أوراقه فـيهما.
Leave a Reply