بتصفيق حار جدا، ختم مشاهدو فيلم المخرجة اللبنانية نادين لبكي «كاراميل» (سكر بنات) العرض الخاص لأول اعمالها السينيمائية والذي حاز على جائزة افضل فيلم في مهرجان «كان» السينيمائي في فرنسا. واستحوذ الفيلم، الذي عرض في صالتين في سينما «أب تاون بلاديوم» في مدينة بيرمنغهام، على اعجاب الحضور من العرب وغيرهم رغم انه باكورة اعمال المخرجة التي خلا سجلها الفني من الافلام السينيمائية مركزة حتى فترة قريبة على الفيدو كليبات والاعلانات.ورغم الميزانية البسيطة للفيلم والفترة القصيرة التي صور خلالها وخلوه من الممثلين المحترفين الا انه استطاع ان يصل بأداء ممثليه الى مستوى عال من الكفاءة والسلاسة في التمثيل والحوار ما خوله الفوز بجائزة «كان» لافضل الافلام الاجنبية.واختارت المخرجة لبكي اناسا عاديين بعضهم له تجارب تلفزيونية كعادل كرم وآخرين مثلوا للمرة الاولى وصورت لقطاته في شوارع بيروت وعكست الصورة الحية واكتظاظ المدينة بحيوية غير متكلفة.
السبك القصصيولا يدور الفيلم حول حبكة تقليدية تبدأ بمقدمة وتصل الى ذروة لتنتهي في خاتمة محددة بل اتخذ الفيلم منهج تتابع الاحداث المفتوح عبر استعراض شخصيات الفيلم وتقديم مشكلة كل منهم بتدرج وتداخل ليصل الى نهاية مفتوحة لا تحدد بالضبط الى اين تصل كل شخصية ولا تتطرق الى حل او انفراج لمشكلة تلك الشخصية بل تنقطع الاحداث وكأن الفيلم هو حلقة في مسلسل حياتي مفتوح له بداياته التى تظهر من خلال استعراض الشخصيات ونهايات يستطيع المشاهد ان يحددها بالطريقة التي يستسيغها عبر مقاربتها لشخوص من الحياة المعاشة التي تحوط بنا. غير ان القصة تركز على الجانب الانثوي، فأبطال الفيلم هن ثلاث فتيات يعملن في صالون نسائي لكل واحدة منهن لحظة تأزم لاظهار مشكلتها، بالاضافة الى زبونة دائمة تتردد شبه يوميا على الصالون. وابعد من حدود الصالون، امرأة كهلة تعمل في الخياطة تعيش مع اختها الهرمة التي شكلت العنصر الكوميدي. ولم تكن الكوميديا صارخة في الفيلم، بل هي اقرب الى الكوميديا الساخرة التي تنبع من صميم الحياة اللبنانية والحوار اليومي الذي بطبيعته متحذلق ويحمل عمقا في التعبير.
الشخصياتالشخصية الاولى كانت لنادين لبكي والتي اتخذت دور ليال «الكوافيرة» في الصالون: تسكن مع اهلها وتعيش قصة حب مع متزوج على امل ان يطلق امرأته. تعلق كل حياتها على «رنة» هاتفها الجوال او «زمور» سيارته الذي يطلقه حال وصوله امام باب صالونها لتهرع هي مسرعة لمواعدته.
الثانية زميلتها في الصالون ياسمين المصري في دور نسرين والتي تتهيأ للارتباط بخطيبها ويؤرقها انها لم تعد عذراء ولا تعرف كيف ستواجه الامر.والثالثة جوانا مكرزل في دور ريما والتي لا يعنيها ان تظهر انوثتها وتخفي مشاعر دفينة للجنس المثلي.اما الرابعة فهي الزبونة الدائمة جمال والتي تخطت عمر الخصوبة ولا تريد ان تعترف انها بلغت مرحلة اليأس، تجاهد كي تمنع اثر الزمان على جسدها دون ان تنجح وتحبِط دوما فتيات الصالون بطلباتها وتردد مزاجها في التسريحات التي تحاول ان تغيرها دون ان تشعر برضا. تمثل الدور جيزيل عواد.وآخرهن روز والتي، ربما، في خمسينياتها، بائن عليها اثار الزمان المُتعِب وتعمل في الخياطة: نسيت انها انثى وان مازال لها فرصة ان تحيا اياما سعيدة، او ربما انساها ذلك عادات المجتمع الذي يحكم على المرأة بموت معنوي في حال وفاة زوجها، او في حال لم يُقبل اصلا. فالفيلم لا يحسم امر تاريخ الشخصيات كما ذكرنا ويبقي مجالا واسعا لمخيلة المشاهد الذي يشارك في عملية خلق الاحداث السابقة او اللاحقة على الفيلم.تعيش روز مع اختها العجوز، لِيلي، التي قاربت الخرف والتي اوصلها نكوص الذاكرة ان اصبحت تمشط شارع الحي يوميا، تلتقط الاوراق من هنا وهناك، معتقدة انها من خطيبها الجندي الفرنسي الذي عشقته يوما قبل ان يرحل ليخفي اهلها رسائله عنها وهي مازالت تنتظر. وهناك الشرطي يوسف ايضا، الذي يمثل دوره عادل كرم، والذي شغله الشاغل ان يحرر مخالفات مرورية للسيارات التي تركن في اماكن غير قانونية على جانبي الرصيف والذي يحرر كل يومين ضبطا لـ ليال، التي اصبح عندها رزمة ضبوطات منحتها هدية للعمة ليلي. يوسف هو انعكاس لدور الشرطي الذي يحاول ان يطبق القانون في مجتمع لا يرى القانون امرا ملزما بقدر ما يراه شيئا كماليا يمكن الاستغناء عنه: يظهر ذلك جليا في طريقة تحرير الشرطي للضبوطات ولطريقة تعاطي الناس معها، ومثالهم ليال، التي اوقفها وطلب منها بأدب ان تربط حزام الامان بدل ان يحرر ضبطا لها، والتي بتمردها الفطري على بدلته الرسمية، او ربما على شخصيته العفوية، اوقعته في غرام غير مكتمل الحدود وغير واضح الامكانيات.
ذروة الفيلمتتبدى عرض مشاكل الشخصيات بتداخل لطيف، فـ ليال تدرك فجأة انسداد افق اي مستقبل لعلاقتها بذلك المتزوج الذي تواعده دائما والذي انقطع عنها فجأة، بعد ان أخذ معه عذريتها وتركها لا تجرؤ النظر في عين اهلها. ونسرين تنفجر في اللحظة التي تخبرهم ليال بمصيبتها لتعلمهم انها ايضا غير عذراء وانها لا تعرف كيف ستواجه الامر، وعرسها على الابواب. روز تكرس حياتها لأختها العجوز وتعيش مأزق ان تميل مع قلبها نحو رجل فرنسي، مثلها وحيد ومعمّر. تخيط له ثيابة، لنكتشف انه يتردد عليها لا لشيء الا لعشق اصابه على غفلة من السنين. وتقصير البنطلون لم يكن الا عذرا لطيفا لطف الشيب الذي اوهن عظمه. تردد كثيرا على منزلها حتى مل منه بنطاله الذي لم يعد يحتمل التقصير. «كاراميل»، اكثر بكثير من فيلم واقل بقليل من حياة مُعاشة، وتلك المشاهد التي عددناها لا تنقل حقيقة الروعة التي يدخلك فيها فينسيك النظر الى ساعتك ويعزلك عمن حولك. يعرض الفيلم في صالات ديترويت في 8 شباط (فبراير) القادم.
Leave a Reply