جرى مساء الاربعاء الماضي عرض تمهيدي للفيلم اللبناني الكوميدي «كاراميل» او «سكر بنات» على شاشة مسرح «آبتاون بالاديوم» في مدينة برمنغهام بحضور مخرجة الفيلم نادين لبكي وحشد من المدعوين تقدمهم قنصل لبنان العام بالوكالة في ديترويت بشير طوق الذي قدم المخرجة لبكي الى جمهور الحضور بكلمته حيى فيها ابداعها وحبها لوطنها.وتوجهت لبكي الى الحضور بكلمة شكر معبرة عن سعادتها بلقاء الجالية اللبنانية في ميشيغن.يبرز الفيلم جانباً من حياة المجتمع النسائي البيروتي البعيدة عن هموم التوترات السياسية الامنية التي تعصف بلبنان هذه الآونة.وينقل الفيلم للمشاهدين نموذجاً عن بعض «خبايا» المجتمع النسائي التي يختصرها صالون للتزيين بزواياه الضيقة وجوّه الحميم الذي يختزن غرائز وآمال وإحباطات ومكائد نسوية في قالب كوميدي جذاب يستدر الضحك على مدار الدقائق الست والتسعين التي يستغرقها باللهجة اللبنانية وقفشاتها المحببة، مع تنويعات من حواضر البيت اللبناني الفرنسية.تقود المخرجة نادين لبكي ببراعة تمثيلية واخراجية فريقاً من النساء جمعتهن من الشارع والبيت اللبنانيين وهن من غير محترفات التمثيل، فأدّين، على سجاياهن، ادواراً مستلهمة من وقع الحياة اليومية ومشاكلها مما اضفى على الفيلم قدراً متمادياً من الواقعية التي زاحمت المتخيل في الاخراج والسيناريو السينمائيين، كاد يجعله اقرب الى تسجيل بالفيديو لأنشطة حية، لولا التصوير الثلاثي الابعاد الذي يعيدك فوراً الى مهابة الفن السابع.تلعب لبكي دور صاحبة الصالون (ليال) المرتبطة بعلاقة غرامية مع رجل متزوج نتعرف إليه فقط من خلال زمور سيارته الذي ما ان ينطلق امام الصالون معلناً وجوده، حتى يعم السكون للحظات يخرج بعدها جو الصالون من حميمية الاحاديث النسوية الى عالم من القلق الذي يبحث عن تفسير لسر انجذاب صنف من الفتيات الى رجال متزوجين والرغبة في الانتقام من زوجاتهن بصفتهن «غريمات»، وتتجلى تلك الرغبة لاحقاً في مشهد تقسو فيه (ليال) على الزوجة المخدوعة لعشيقها وهي تقوم بتنظيف مناطق الاثارة في جسدها بواسطة سكر البنات في جلسة اقرب الى التعذيب منها الى العناية.تتراوح مشاكل وهموم فتيات الصالون التي يعالجها الفيلم بين الميل الى الشذوذ لدى «فتاة الشامبو» ريما (جوانا مكرزل) التي تعثر على «ضالتها» في صاحبة الشعر الاسود الطويل والقامة الفارعة، الزبونة العابرة، او فقدان العذرية قبل الزواج لدى المزينة نسرين (ياسمين المصري)، وهاجس الدخول في «سن اليأس» لدى الزبونة المطلقة في الصالون جمال (جيزيل عواد) التي تبدع في التعبير عن القلق الذي يراود النساء على ابواب هذه المرحلة العمرية الفاصلةبين الشباب والكهولة.يأخذ الصرع بين الموروث المحافظ والنزوع الى التحرر من مقيداته، في الفيلم، اشكالاً من السلوك النسوي تطلق عنان الضحك الى اقصى امدائه مثلما تثير دموع التعاطف مع الفتاة الشرقية (نسرين) التي تتعرض «لمحنة شرف». فهذه المزينة التي تفضح دموعها سر محنتها على ابواب «ليلة الدخلة» تبحث بعينين زائغتين عن حل لهذه المعضلة سرعان ما يتفتق عنه ذهن روز الزبونة الثرثارة الغبية فتقترح ذبح زغلولي حمام واستخدام دمهما علامة عذرية مزيفة. يبلغ المشهد الكوميدي من ثم ذروته في قيام فتيات الصالون بمرافقة نسرين في رحلة الى احدى عيادات «ترقيع الشرف» (غشاء البكارة) الذي اصبحت عملياته شائعة في المجتمعات العربية المحافظة، عندما ترفض نسرين اسماً عربياً مستعاراً تقدمه لها زميلاتها (سعاد عبدالساتر) وتبلغ عاملة الاستقبال في العيادة بأنها المريضة مدام بومبيدو.وعندما ينادي الجراح باسم «مدام بومبيدو»، تلتفت نسرين الى زميلاتها طالبة طمأنة «مسيو بومبيدو» اذا سأل عنها!بموازاة بيئة الصالون الشبابية يعرض الفيلم حياة عاملة الخياطة روز (سهام حداد) المتقدمة في العمر التي تعيش بالقرب من الصالون مع شقيقتها العجوز المتصابية ليلي (عزيزة سمعان) المهووسة بمواعيد العشاق التي تتخيلها مكتوبة على الاوراق المرمية في الشوارع، فنراها تجوب محيط المنزل ململمة تلك الاوراق في مشاهد ترمز الى محاولة تجميع اوراق العمر المتساقطة في قالب من «الجنون» الذي يترجم حنين المرأة (والرجل) الى العودة لايام خلت كان الجسد يفيض فيها بماء الحياة.لا يلعب الرجل بالاجمال دوراً بارزاً في هذا الفيلم الا من خلال صورة العشيق الصوتية (الزمور) او رجل الشرطة يوسف (عادل كرم) الذي يبدأ بدور تنظيم مخالفة ركن سيارة بحق ليال وينتهي مفتوناً بها مستسلماً على كرسي التزيين وهي تخطط له بالتشاور مع زميلاتها نوع التسريحة التي تلائم هيئة وجهه وتسفر عن نزع شاربيه بواسطة «سكر البنات» في ايحاء من المخرجة ان السلطة الذكورية مهما تطاولت يظل بامكان المرأة ان تضعها على كرسي المحاسبة الانوثية التي لا تخلو من الحقد على الرجل اذا اخفقت المرأة في تحقيق مرادها.لا يخلو الفيلم من الاستعانة بـ«البروفانيتي» (الكلام الفاحش) الذي يقربه من مسرح الواقع ولكنه لا ينتقص من القيمة الاجمالية للذوق العام، بل يلوّنها «بخروج مألوف» عن المألوف، يبدو طبيعياً في البيئة التي تدور فيها احداث الفيلم.الفيلم مرشح لنيل جائزة الاوسكار للافلام الناطقة بلغة اجنبية ويبدأ عرضه في منطقة ديترويت في 8 شباط القادم.
Leave a Reply