سامر حجازي
فوجئ عشرات الناس الذين تواجدوا في الغرفة الثالثة في «محكمة المقاطعة رقم ٢٠» التابعة لمدينة «ديربورن هايتس» عندما دخلت مساعد القاضي الـ«ماجستريت» أيفونا إبراهيم إلى القاعة صباح ١٧ حزيران (يونيو) لبدء الإستماع إلى قضايا مخالفات السير.
سر دهشة المراجعين في المحكمة يعود إلى أن «القاضي المساعد» إبراهيم لا تناسب الصورة النمطية المتولدة في ذهن الناس عن القضاة. ذلك أنها تبلغ ٣٣ عاماً مما جعلها أصغر محام يتولى منصب «قاض مساعد» أو «ماجستريت»عندما عينت في شهر كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢.
غالبية المراجعين في المحكمة الذين كانوا ينتظرون الإستماع إلى قضاياهم أمامها، يكبرونها سناً ومعظم القضايا في «الغرفة الثالثة» تتمحور حول مخالفات سير ووقوف وعدم وضع الحزام أو عدم وجود برهان على التآمين على السيارة أو بسبب السرعة أو عبور ضوء أحمر أو إشارة وقوف.
المطلعون على سير العملية القضائية في المحكمة يعلمون أنهم قد يحصلون على فرصة تقليص مخالفة السير إلى مخالفة أقل مثل «إعاقة السير» والتي تتضمن دفع رسوم المحكمة ولا تحمل نقاطاً على سجلاتهم القيادية والتي قد تؤدي إلى رفع سعر التأمين على السيارة.
وقبل أن تستمع إبراهيم للإلتماس المقدم تقوم بشرح مفصل للمتواجدين في المحكمة حول الطرق الثلاثة التي يمكن للمخالف أن ينتقي منها عندما يريد أن يعترض على المخالفة. الطريقة الأولى الإقرار بالمسؤولية أو الإقرار بالمسؤولية مع تفسير لما حدث، أو إنكار المسؤولية وفي حال أنكر المسؤولية تتم إحالة القضية إلى القاضي الأصيل ويعطى المخالف موعداً آخر يعود فيه للنظر في قضية ما قبل جلسة الإستماع أمام قاضٍ أصلي ومن خلال عدد الملفات المتراكمة التي تسلط الضوء على سجلات قيادة كل الأشخاص الحاضرين في المحكمة والموضوعة أمام القاضي، يبدو واضحاً أن إبراهام ليست في وارد معاملة قضاياها المعروضة كصف تجميع السيارات. لابل هي تستمع بدقة لكل شخص يقف أمامها ويشرح لماذا حصل على مخالفته ثم تقرر ما إذا كان بالإمكان تخفيض مخالفة مرورية معينة إلى مخالفة «إعاقة المرور» مستندة إلى سجل قيادة الشخص ونوع المخالفة.
وحول ذلك قالت إبراهيم لـ«صدى الوطن» «أنا حقيقة أعامل كل فرد يقف أمامي بشكل مختلف وكل ضبط مخالفة يحمل ظروفاً مختلفة وأنا أحاول أن أكون حساسة لمواقف الأفراد وجعلهم يتحملون مسؤولية أفعالهم».
في إحدى القضايا رفضت منح أحد المخالفين من متوسطي العمر مخالفة تخفيفية لأنه أخبرها بأنه لم يكن مسرعاً عندما أعطاه الشرطي ضبط مخالفة وهو يقود سيارته على شارع «غالي» وقد ظن الرجل أنه سيتخذ الطريق الأسهل للخروج من مخالفته إلا أن إبراهيم إقترحت بدلاً من ذلك مراجعة شريط المخالفة المسجل وأن يحمل قضيته لعرضها أمام القاضي.
وعندما تمنح إبراهيم المخالفين أسباباً تخفيفية فإنها تفعل ذلك غالباً لأنهم يمتلكون سجلاً قيادياً محترماً ونظيفاً أو لأنها تريد منحهم فرصة أخيرة وهي تنفذ مقولة «الثالثة ثابتة» بحذافيرها في قاعة محكمتها.
مسألة وحيدة شائكة عليها أن تعالجها وهي سعي بعض أعضاء الجالية الحثيث لها لمنحهم «عبور مجاني». ومع تواجد عرب أميركيين دائم في قاعة المحكمة، ليس نادراً قيام البعض منهم بمحاولة الحصول على التبرئة من المخالفة وهي لذلك تتلقى سيلاً من المكالمات الهاتفية ونصوصاً هاتفية أو عبر البريد الإلكتروني من أشخاص يطلبون معاملة خاصة بسبب معرفتهم بها أو بسبب معرفتهم لأشخاص يعرفونها.
إلا أن إبراهيم توضح لكل المتواصلين معها إلى أنها لا تقدم إمتيازات خاصة في «المحكمة العشرين» وقالت لـ«صدى الوطن» «من المهم بالنسبة لي كقاض «ماجستريت» أن أبرهن عن العدل ولايهم عندي إذا كان الشخص عربياً أو أسوداً أو أبيضاً أو إسبانياً، صغيراً أم كبيراً وأنا أريد أن يشعر كل فرد يأتي إلى هنا بأني سوف أعامله معاملة عادلة وهذا ينطبق على أبناء الجالية العربية أيضاً وهذا ما أريد أن تكون سمعتي مبنية عليه».
وقد يعلم سكان «ديربورن هايتس» الآن أن إبراهيم بالإضافة إلى عملها «كقاضٍ مساعد» في المحكمة العشرين فإنها أيضاً مديرة «التدريب والمراقبة» وهي عندما لا تكون في المحكمة تمضي وقتها بعقد مقابلات شخصية وتستقبل أفراداً تعرضوا لمشاكل مع القانون، وتقوم بشكل يومي بمراقبة أشخاص ومتابعة قضاياهم بعد إطلاق مشروط لسراحهم بسبب قضايا جنح مثل قيادة السيارة تحت تأثير الكحول أو حيازة الماريوانا أو تدمير الممتلكات العامة أو التورط في قضايا العنف المنزلي.
وحول أسلوبها في معالجة قضايا الرقابة على المتهمين تقول إنها تتناول الموضوع بعقلية مختلفة وهي عقلية التأهيل وليس من زاوية العقاب، ويظهر ذلك من خلال ديكور مكتبها المزدان بلوحات تحمل كلمات تشجيعية وإيحائية تهدف إلى بعث الطمأنينة والسكينة في قلب كل مراجع يدخل إلى مكتبها كما أنها تسعى إلى طمأنتهم من خلال إستقبالها لهم بإبتسامة دائمة ومخاطبتهم بأسمائهم الأولى.
أحد العرب الأميركيين من خريجي الجامعات يمضي مدة مراقبته معها وهو في نصف الطريق لإنجازها، أتى إلى إبراهيم لكي يحصل على مستجدات قضيته فإنغمس معها بالكلام مشاركاً إياها تفاؤله بتخلصه من آفة المخدرات وحصوله على درجة «أ» في إمتحانه النهائي.
وتعتقد إبراهيم أن عمرها الفتي يجعلها محبذة من قبل الشباب الموضوعين تحت الرقابة والذين يكونوا قد سلكوا طريق الخطأ وهم بحاجة إلى من يدلهم إلى جادة الصواب. وأشارت «إني أريدهم أن ينظروا إلى أي أمر إرتكبوه في الماضي على أنه ليس المحدد لمسيرة حياتهم إلى الأبد لأن الشخص لا يمكنه المضي إلى الأمام وخلق مستقبل لنفسه إلا إذا أراد ذلك وهذا لا يحدث مع كل شخص بعينه ولا يمكنك أن تساعد الجميع ولكن هذا لا يمنع من المحاولة».
وتعتبر إبراهيم دورها بمثابة المعلم في المحكمة وهو دور مهم وخصصت الحيز الكبير من وقتها لإنشاء وتنفيذ برنامج تدريبي بالتنسيق مع «جامعة ميشيغن فرع ديربورن» وهي تقوم عادة بمقابلة مرشحين من طلاب الجامعات المهتمين بدخول البرنامج وتقوم بتدريبهم ليحصلوا على خبرة أولية مع النظام القضائي.
وأشارت إلى أن برنامج التدريب هو طريقها لإعطاء مقابل للفرص التي أتيحت لها عندما كانت طالبة جامعية وقد عاشت في منطقة «جنوب ديربورن» ودرست في «جامعة ميشيغن – ديربورن»، حيث حصلت على درجة بكالوريوس في التسويق والشؤون المالية ثم درست في «جامعة ديترويت ميرسي» كلية الحقوق حيث إغتنمت فرصة عمل كمتدربة لدى قاضي مقاطعة وين العربي الأميركي ديفيد ألين. كذلك لاتنسى إبراهيم القاضي في «المحكمة العشرين» ديفيد طرفة وتقديرها له لأنه قام بتدريبها منذ دخولها إلى المحكمة.
وتهدف إبراهيم إلى أن تكون قدوة للفتيات العربيات في الجالية اللواتي يسعين للحصول على التعليم والمهن. وهي عضو في مجلس أمناء «مجلس النساء العربيات الأميركيات التجاري» وهو مؤسسة غير ربحية تعالج مسائل العربيات الأميركيات من صاحبات المهن والأعمال في الولاية. ويسهل المجلس أمور التدريب والتعليم والمنح الدراسية والبرامج الإنمائية المهنية وتنمية الموارد البشرية. وخلصت إبراهيم إلى القول، «إننا كنساء نواجه دوماً عوائق وصعوبات مهنية في عالم يسيطر عليه الذكور لكن الوضع أكبر من ذلك في العائلات العربية الأميركية بسبب التعددية في ثقافتنا والنصيحة الفضلى التي يمكن أن أعطيها للفتيات من الجيل الجديد هو أن يواصلن أحلامهن وتعليمهن من خلال إيجاد مدرب أو معلم يمكنهن التطابق معه أو معها فكرياً. لقد كنت أنا محظوظة بما فيه الكفاية لأجد مدربين عديدين خلال فترة الدراسة وخلال بدء مهنتي العملية».
Leave a Reply