سامر حجازي – «صدى الوطن»
«هذه هبة من السماء»، قال فرانسوا، وهو مواطن بلا مأوى فـي ديترويت كان ينتظر دوره فـي الصف للحصول على وجبة طعام ساخنة بعد ظهر يوم الأحد الماضي. وأضاف «من دون هؤلاء الناس الذين يأتون الى هنا، فإننا ربما نموت جوعاً. انَّي فعلاً ممتن لهؤلاء الاشخاص لما يفعلونه من أجلنا».
سبب امتنان فرانسوا هو انه منذ أشهر عديدة، يستفـيد مع العشرات من المشردين الآخرين امثاله من طعام وإيواء منظمة «خدمات الأحياء السكنية» (ان أس أو) الواقعة على ٣٤٣٠ «ثيرد أفنيو» فـي منطقة «ميدتاون» وسط ديترويت، حيث يقومون بمشاركة الخبز معاً كل يوم أحد.
وحتى الآن يبدو أنَّ الطعام الذي يقدَّم للمشردين فـي كل أسبوع قد يكون الضمانة الوحيدة لديهم. فهم جميعاً يدركون أنه فـي الأشهر القليلة المقبلة، سيقعون فـي الحرمان من جديد حيث سيتم إغلاق المأوى الواقع على شارع «ثيرد آفنيو» وتدميره وتسويته بالأرض لتقام مكانه مواقف سيارات لاستاد رياضي جديد.
و«مشروع الكرامة» هو منظمة خيرية غير ربحية اسستها الناشطة العربية الأميركية ناهد أيوب العربية، المقيمة فـي ديربورن، وقاد المشروع مبادرة لإطعام المشردين فـي وسط المدينة بالتعاون مع منظمة «خدمات الأحياء السكنية».
«صدى الوطن» شهدت فـي أحد الأيام تقديم أصناف طعام شهية شملت الستيك والبيتزا والفاصوليا وأصابع الدجاج والذرة والمعكرونة، من قبل متطوعين وأعضاء من المنظمة.
ويتم التبرع بالطعام الذي يقدمه «مشروع الكرامة» بشكل رئيسي من قبل المطاعم والمحلات التجارية فـي منطقة ديربورن وديربورن هايتس. مطعم «لافا لاونج» فـي ديربورن هايتس، ومتاجر «غرينلاند» و«مطعم حبيب» فـي ديربورن، هم من بين أكبر المساهمين.
فـي بعض الأسابيع، قد يصبح هناك شُح فـي الموارد ولكن هذا لم يثن قطّ أيوباً وثلة من المتطوعين الآخرين على الحضور الى «ثيرد أفنيو» بغض النظر عن الامكانات والظروف، من اجل الاستمرار فـي خدماتهم التطوعية لمساعدة المشردين، الذين يقدر عددهم بحوالي ٣٤ ألفاً فـي ديترويت بحسب موقع «مشروع الكرامة» الالكتروني.
قبل أسابيع قليلة أرادت عائلة أيوب الاحتفال بعيد ميلادها. لكن بدلاً من ذلك، اجبرتهم على النزول إلى الشارع مع قالب الحلوى والاحتفال بعيدها مع الجميع هناك.
«لم يسبق لي أن غبت فـي أي يوم من أيام الأحد» قالت أيوب، «اثناء المطر والصحو الثلوج أو الصقيع. أنا دائماً هنا».
وقد نمت حالة من الثقة المتبادلة والتواصل الشخصي بين أيوب والمشردين فـي المحلة. فهي باتت تعرف أسماءهم، وتشارك فـي المحادثات معهم وتحتضنهم بالعناق الحميم مع كل صحن طعام.
«أنا أعلم أنه من الصعب تصديق ذلك، ولكن لم يطلب مني أحد اعطاءَه دولاراً واحداً قط»، أكدت أيوب، وأضافت «يطلبون مني اشياء تتعلق بمستلزمات النظافة.. وقد يطلبون مني العناق. إنه لأمر مدهش».
العديد من المتطوعين المشاركين فـي أنشطة الآحاد الخيرية «لمشروع الكرامة» هم من العرب الأميركيين. والمشروع دائماً يدعو باستمرار دعم الجالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
سولان درويش من سكان ديربورن، بدأت بالتطوع مع المنظمة قبل بضعة اشهر بعد ان علمت عن «مشروع الكرامة». وأردفت درويش ان الجهود الخيرية منحتها نظرة جديدة للحياة. وأشارت إلى أنها تشعر الآن بالذنب إذا فوتت يوم الأحد لدرجة انها تفكر فـي إلغاء مشاريع عطلة نهاية الأسبوع القادمة لتقديم المزيد من الخدمات.
متطوعون في «مشروع الكرامة» يوزعون وجبات الطعام للمحتاجين في ديترويت.(صدى الوطن) |
«لقد كان هذا فـي قلبي لفترة طويلة جداً»، اضافت درويش، وتابعت «الجميع يحب جمع الملابس للاجئين وإرسالها إلى الخارج، وهذه قضية نبيلة. ولكن يبدو أن الناس ينسون أن مدينة ديترويت تحتاج إلى مساعدة أيضاً. إذا لم نساعد هذه المدينة فالمشكلة ستطوف لعندنا». وتعد درويش، جنباً إلى جنب مع غيرها من المتطوعين، طاولة طعام على رصيف «ثيرد آفنيو» مع صواني تحتوي على أطعمة ساخنة لتخدم الواقفـين فـي الصفوف الطويلة.
ستيفاني ويلكس، من سكان ديربورن ايضاً وطالبة فـي كلية «هنري فورد»، هي أيضاً من بين المتطوعين العاملين للمرة الاولى مع المشروع الخيري. «نحن نحب مساعدة الناس» قالت ويلكس، وتابعت «الناس بحاجة لتناول الطعام، وهذه حاجة أساسية على كل شخص أن يلبيها».
براين ستون، من ديربورن، وهو مرشح ديمقراطي لمجلس نواب ميشيغن عن ديربورن، كذلك يتطوع للعمل مع المشروع كل يوم أحد لمساعدة المحتاجين.
«هذا يبقيني وسطياً ومركّزاً» قال ستون، وأردف «هذا النشاط يذكرني بحسن حالنا نحن. أعتقد أنك عندما تقوم بالترشح لمنصب عام، فإنَّ من السهل أن تفقد مسار اهتمامات الناس الحقيقية… فالناس هنا لا يملكون شيئاً ولذلك يذكروني بما هو فعلاً مهم».
وخلال انتظار دوره فـي الطابور، قال غريغوري بيلانجر (٦١ عاماً)، وهو مشرد من ديترويت، انه كما سائر المشردين هنا «يقدرون اي مساعدة يمكنهم الحصول عليها».
واضاف ان «الخدمات كبيرة.. وهذه هي الوجبة اللائقة الوحيدة التي يمكننا الحصول عليها كل أسبوع. إنهم يخدمون الجميع ولا يقصون أي شخص بعيداً. فـي العديد من الأوقات يتعرضون لمشكلة وجود عدد كبير من الناس الذين لا يكفـيهم الطعام الموجود».
المزيد من التبرعات من المتاجر والمطاعم العربية
وعن هذه المسالة وافقت أيوب على أن نفاذ الطعام بسبب العدد الكبير من طالبي الخدمة هو فعلاً مصدر خوفها كل أسبوع ويتمثل بعدم وجود ما يكفـي من الطعام لخدمة عشرات الأشخاص الذين ينتظرون هذا اليوم.
وأشارت أيوب إلى امرأة فـي منتصف العمر تستخدم كرسياً متحركاً، استاءت منها لأنَّها قبل اسبوع كان عليها أن تصدها من الحصول على وجبة ثانية. فأيوب تريد ان تتأكد من أن الجميع لديهم فرصة لتناول الطعام قبل ان يعود البعض الآخر لطلب المزيد.
وقالت كيمبرلي إسماعيل، عضو مجلس إدارة «مشروع الكرامة» لـ«صدى الوطن» إنه فـي غضون الأشهر الستة الماضية، توسعت جهود المنظمة بفضل الدعم المتزايد من المؤسسات التجارية المحلية. واضافت «الذي دائماً يقلقنا هو هل لدينا ما يكفـي من الطعام؟ واليوم يبدو أننا سوف نكون مكتفـين وهذا يجعلني احس باني أريد أن أبكي فـي بعض الأحيان». وتابعت بالقول «نتمتع بمساعدة المؤسسات التجارية فـي الجالية العربية. والذي يحصل الآن اننا لا نذهب اليهم لطلب المساعدة بل هم اليوم يتصلون بنا ويطلبون المجيء اليهم لاستلام الطعام». ولا تقتصر خدمات«المشروع» على توفـير الطعام للمشردين والفقراء، فقد تم إعطاء المحتاجين فـي المنطقة الملابس ومستلزمات النظافة.
والأحد الماضي، تبرعت شركة «دلتا» للطيران بمستلزمات النظافة لتوزيعها على الحي شملت فراشي الأسنان ومعجون الأسنان وخيط تنظيف الأسنان ومزيل العرق والشامبو والبلسم.
واعربت أيوب «بأن المنظمة الخيرية قطعت شوطاً طويلاً فـي السنوات الثلاث ولكن وعلى الرغم من الدعم المتزايد، لا يزال هناك نوع من التردد فـي الجالية لتقديم يد العون. ذلك أن الغالبية العظمى من العرب الأميركيين يصبون اهتماماتهم على الأحداث فـي الشرق الأوسط، وفـي كثير من الأحيان يغضون الطرف عما يحدث هنا».
ومضت الى القول «أعتقد أننا يجب الإهتمام بالمآسي فـي ساحتنا الخلفـية قبل أي مكان آخر. أنا حاولت بالفعل الحصول عَلى تعاون مجتمعي أكبر ولكن قوبلت أحياناً برد فعل عنيف». وأضافت «لم يسبق لي ان طلبت من أحد عشرة سنتات. انا أطلب فقط بقايا الطعام. وإذا كنا نستطيع إرسال بقايا الطعام الى الخارج، لفعلت ذلك بلمح البصر، ولكن هنا ايضاً يوجد شعب وهم بشر مثلنا. فالفقر لا يعرف الدين أو العرق أو الأصل».
للتطوع فـي «مشروع الكرامة»، أو للتبرع بالملابس والمواد الغذائية، اتصل بناهد أيوب (٣١٣٤٤٣٢٢٢٢) أو كيمبرلي إسماعيل (٣١٣٣٧٧٠٥٤٢)، أو زيارة الموقع الالكتروني الخاص بـ«مشروع الكرامة» على: projectdignitymi.org
Leave a Reply