جميعنا يعي اليوم أن خارطة الطريق لأي عمل مثمر هي أن نسير بخطة وإستراتيجية واضحة نحو الهدف. وكنا تحدثنا في مقال سابق أنه لا بد لنا كجماعة لها خاصيتها وحيثيتها وبُعدها الثقافي من إستراتيجية للنهوض بتجمعنا ككل وبأنفسنا كأفراد. وحين أتحدث عن خطة أو استراتيجية لست بالضرورة أعني أن نجلس ونضع خطة كاملة «عالورقة والقلم» كما يقال – بل يكفي أن نفكر كأفراد بالمسائل التي تعنينا وتعني محيطنا ونضع تصورات لمقاربتها. هذا الامر ينطبق على العرب عامة والمسلمين خاصة في الولايات المتحدة وينسحب ايضا على مجتمعاتنا الأم في العالم العربي.
لست من مؤيدي من يقول أن المرأة مظلومة في ظل المجتمعات العربية أو الإسلامية، فذلك «الظلم» الذي يتم الحديث عنه ينحصر بالقشور في مجتمعات تظلم الجميع برجعيتها وليست المرأة فحسب على مبدأ «ظلم بالسوية عدل في الرعية». لكنني لا أنكر أن المرأة تتعرض للغبن في بعض الاحيان بسبب ذلك الإزدواج الذي نعانيه والذي يتقمص هويتنا كعرب ومسلمين. لأن أي استراتيجية ناجحة للنهوض بالمجتمع يجب أن يساهم بها جميع أفراد ذلك المجتمع، أخصص حديثي اليوم عن المرأة، نصف المجتمع.
يفرض هذا النقاش علينا أن نقسم الحديث عن المرأة الى أربعة أقسام على الأقل بحسب الدور الذي تؤديه والموقع الذي تشغله فهي: الإبنة، المرأة الناجحة، المتعلمة، العاملة، الزوجة والأم.
كثير من الآباء والامهات يُعلنون ويجهرون بما جهرت به والدة مريم عليها السلام حين قالت: «رب إني وضعتها أنثى ولله اعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى» ولكن هذا المنطق لا يعني ابدا أن الابوين لا يحبان ابنتهما وانهما لا يريدان الخير لها. بل على العكس نرى الكثير من الآباء والأمهات في مجتمعنا يسعون جاهدين لتزويد الفتاة بأحسن أنواع التعليم ويدفعانها لكي تحصل على الشهادات وأن تنهي مراحلها التعليمية وتحقق ما تطمح اليه، وكل ذلك لأنهم يعلمون «انها انثى» فيريدون تحصينها وتزويدها بكل ما تحتاجه لتواجه الحياة ومصاعبها.
كل هذا ممتاز بل وإنه يحتم على الجميع أن يقتدي بذلك، لكن المشاكل تبدأ حين يأتي وقت إختيار الإختصاص الجامعي أو حين تنهي الفتاة المرحلة الجامعية الأولى ويبدأ الحديث عن متابعة الدراسات العليا، وهذا الوقت كما تعلمون هو بحسب أعرافنا هو وقت البحث عن شريك الحياة ومرحلة الزواج. هنا يبدأ الإزدواج في الاهداف والتطلعات، فالكثير من الأهل يرون أن على الفتاة البحث عن اختصاص جامعي يتلائم مع دورها المستقبلي كزوجة وأم وبالتالي يجب ان لا تختار مهنة تحتاج الى دراسة طويلة او انتقال الى جامعة بعيدة أو قد تحد من فعاليتها كالطب والمحاماة مثلا. وقد يذهب البعض بعيدا ليقول إن المرأة ليس عليها أن تكون مهتمة كثيرا بالعمل والنجاح فيه لأن ذلك وظيفة الزوج.
وعلى العكس، بعض الاهل يرى ان البنت كالشاب يجب ان تتابع تعليمها في أي اختصاص شاءت ويأتي الزواج في المرتبة الثانية. كِلا الامرين لها مبرراتها وسلبياتها، فالخيار الاول يجحف المرأة الطموحة المجتهدة ويحد من قدرة المجتمع على الاستفادة من مهارتها الفكرية ولكنه في الوقت نفسه يركز إهتمام المرأة نحو بيتها وأولادها لإعداد أجيال المستقبل. وأما التوجه الثاني فإنه قد يضع المرأة تحت طائلة العنوسة أو قد يبعد عنها واحداً من فئة كبيرة من طالبي الزواج تحت حجة أنها قد تعطي أولوية لعملها على حساب بيتها، ولكن هذا التوجه يعزز من انخراط المرأة في نجاح المجتمع ومساهمتها فيه وهناك أمثلة عدة على ذلك.
المرأة الزوجة تتجاذبها في احيان كثيرة تلك الازدواجية بين رغبتها في تحقيق طموحاتها والانطلاق في مجال عملها ودراستها وبين دورها في بيتها كزوجة وكأم. وفي أحيان كثيرة ينجم عن هذا الصراع الداخلي مشاكل بين الزوجين وبخاصة الرجل الذي ورث عن بيئته وتربيته ان اهتمام المرأة يجب أن ينحصر في البيت والاولاد. وكِلا الطرفين قد يكون مسؤولا عن هكذا خلاف، فالمرأة قد تطلب إستقلالية أكبر وتعطي وقتا أكثر لعملها على حساب منزلها، والرجل كذلك يمكن أن يكون متشددا اكثر من اللزوم فيحاول تكبيل المرأة ومنعها من ممارسة العمل أو متابعة التعليم بشكل تام. لذا لا بد من ان يتفق الطرفان وبكل صراحة على هذا الامر وان يكون واضحا وبعيدا عن اي ابهام لكي لا يخدع احدهما الآخر.
وأخيرا دور المرأة كأم وهو أهم الأدوار وأكثرها تأثيرا في حركة المجتمع وتطوره، هذا الدور الذي تتشارك فيه الام مع الاب هو الذي يحدد إيقاع الأجيال القادمة. تبدأ أهمية الأم في إعداد إبنتها وهي خير من يعرف بالمراحل والصعوبات التي ستمر بها، فالأم كانت إبنة في يوم من الأيام وجديرٌ بها أن تجنبها ما واجهته هي وأن تعدّها اعدادا أفضل من الذي ورثته عن ابويها، فالفرع فيه ما في الاصل وزيادة. كذلك يأتي دور الأب، الذي يجب ان ينظر الى ابنته من ذات العينين التي اختار بها امها لتكون شريكة حياة، فتلك الابنة ستصبح ذات يوم في عمر الزواج وسيأتي من يطلبها زوجة له كما طلب الأب امها للصفات التي فيها. لذا فإن دور الأب مهم أيضا في اعداد ابنته لتكون زوجةً صالحة وأما حانية.
هنالك ملاحظة مهمة تصلح لأن تكون مقالة بحد ذاتها لا بد من ذكرها وهي الازدواج في معايير تربية الاهل للذكور مقارنة مع الاناث فالأهل يحرصون على سمعة البنت، يضعون حولها القيود التي يفرضها المجتمع و «كلام الناس»، يمنعونها من كثير من الاشياء التي يسمح بها للإبن تحت حجة انها «انثى وليس الذكر (بعُرف المجتمع) كالأنثى».
ما ينتج عن ذلك أن الابن يعتبر أن هذا يعطيه الحق في ان يفعل ما يشاء، «وبس يدق» ببنات الآخرين يضع الجميع اللوم على الفتاة بينما تسمى فعلته «طيش شباب».
أيها الآباء والأمهات الأعزاء إذا كنتم حريصين على بناتكم فربّوا ابناءكم، وكل واحد منكم «يضبْ» ابنه، عندها تسلم بناتكم من أي أذى.
لا يستطيع أحد أن يعيش بمفرده وبمعزل عن مجتمعه، كلنا بحاجة للآخر للإستمرار والتقدم، لذا عندما نفكر بأنفسنا وعائلاتنا وأبنائنا يجب أن نتأمل لحظة بكيفية تفاعلنا مع من يشاركنا المحيط وأن نعي أنّ علة نجاحنا وسعادة ابنائنا وأسرنا مربوط بنجاح وسعادة محيطنا. إن أول علامات إزدهار أي مجتمع هو مدى إنسجام أفراده فكريا وثقافيا وتبنيهم لقواسم مشتركة تبدأ بتربية الأبناء ولا تنتهي بدور كل فرد في المجتمع.
Leave a Reply