بعد معاناة ونضال طويل، عادت الإبتسامة الى العراقي عماد الجاسم الذي سعى لسنوات طويلة الى استعادة حضانة ابنته «معصومة» وشقيقتها «آية»، واتهم خلالها -زوراً- بالاعتداء الجنسي على إحدى الطفلتين، قبل أن تثبت براءته مؤخراً. فيما قررت المحكمة في ١٣ أيار (مايو) الجاري إزالة اسمه من اللائحة المركزية للمتحرشين جنسياً، بعد شهادة «آية» التي قلبت كل الموازين ودفعت الإدعاء العام الى إسقاط التهم.
العراقي الجاسم مع ابنته معصومة وشقيقتها آية |
الفرحة لم تسع الجاسم، عندما قررت القاضية في محكمة مقاطعة وين، ماري بيث كيلي، إغلاق ملف القضية، «إنها حياة جديدة.. لأول مرة أشعر بأنني حر»، يقول جاسم الذي عاش محنة طويلة بدأت مع طلاقه من زوجته السابقة.
الجاسم، وهو من سكن هامترامك، عاش تجربة أليمة قبل أن يتمكن من لم شمل عائلته الصغيرة، بات يدرك «عمق المشكلة» في نظام رعاية الأطفال في ميشيغن مبدياً استعداده لمساعدة أي عائلة عربية قامت السلطات بانتزاع أطفالها. يضيف «كنت أدعو الله دائماً أن يخلصني من هذه الأزمة.. والآن أدعو الله الى أن يحمي أطفال العرب كلهم خاصة هؤلاء الذين يتم وضعهم في حضانة وصاية عائلات أميركية من ثقافة مختلفة أو تحت وصاية دور رعاية ظالمة».
مأساة الجاسم، التي واكبتها «صدى الوطن» منذ سنوات، بدأت في العام 2000 عندما جاء الى الولايات المتحدة كلاجئ مع زوجته التي ارتبط بها في باكستان. وفي غضون أربعة أشهر تطلق الزوجان شرعياً بعد أن كانا قد رُزقا بـ«معصومة» التي انتقلت الى حضانة والدتها وهي تبلغ من العمر ثلاثة أشهر وأسبوعين.
تزوجت الزوجة مرة أخرى وأنجبت «آية» أختاً لـ«معصومة» ثم عادت وتطلقت من زوجها الثاني وعاشت هي وابنتاها لفترة وجيزة، ثم ما لبثت أن تزوجت للمرة الثالثة برجل عراقي وغادرت معه أميركا تاركةً طفلتيها، حسب الجاسم، الذي تلقى رسالة من السلطات المختصة تفيد بأن طفلته «معصومة» باتت تعيش في دار للرعاية، فبادر إلى التحرك لإستشكاف ما حصل محاولاً إسترداد طفلته، ليفاجأ بأن لـ«معصومة» أختاً إسمها «آية»، تقيم معها في دار الرعاية.
طلبت منه السلطات حينها الحضور والتعرف على الطفلتين وترتيب جدول للزيارات مع العاملة الاجتماعية المختصة. وبالفعل بدأ الجاسم، بمساعدة المرشدة الإجتماعية في «المجلس العربي الأميركي والكلداني» (أي سي سي)، لبيبة رضوان، إجرءات استرداد «معصومة» ونجح في ذلك عام ٢٠٠٥ ليبدأ بعد ذلك فصل جديد من المعاناة، عندما حاول تبني «آية» لتعيش مع أختها التي ظلت تزورها في دار الرعاية بشكل دوري بعد أن عاشتا فيها لأكثر من ثلاث سنوات جعلتهما شديدتي التعلّق ببعضهما البعض.
زاد إصرار الجاسم على جمع الطفلتين تحت سقف واحد مبدياً استعداده الكامل لتحمل كافة النفقات، كما قامت المحامية انتصار الخفاجي بتولي قضيته بشكل تطوعي بعدما «لمست مدى الظلم الواقع على الطفلتين فلم توفر جهداً في منحي كل الدعم المعنوي والتطوعي» حسب الجاسم. وفي العام 2006، وبعدما أدرك المسؤولون مدى إصرار جاسم على لم شمل «آية» و«معصومة»، تم إدراج اسم الأخت الصغرى على لائحة التبني وطُلب من الجاسم تقديم طلب بهذا الخصوص إسوة بكل الراغبين بتبنيها. ولكن دار «سبولدنغ فور تشيلدرن» رفضت طلب الجاسم ومنحت حق التبني لعائلة أخرى.
غير أن المحامية خفاجي نجحت في عرقلة قرار دار الرعاية، بعدما قدمت أدلة تثبت أن الجاسم كان لا يزال الزوج القانوني (مدنياً) لوالدة «آية» في تاريخ مولدها، حيث أن الطلاق تم إسلامياً فقط. ومن هذه «الثغرة» نفذت الخفاجي لتبدأ تمهيد الأرضية القانونية لتبني «آية».
هنا بدأ «فصل تآمري» في مأساة الطفلتين، حيث لجأ المسؤولون -وفق ما يقول الجاسم ومحاموه- الى «وسيلة خبيثة» بتلفيق حادثة تعرض «آية» لاعتداء جسدي من قبل الجاسم أثناء إحدى الزيارات التي قام بها لدار الرعاية برفقة ابنته «معصومة»، وبلغ حد التآمر على الجاسم بأن وضع مسؤولو الدار الجبس (الجفصين) على يد «آية» للادعاء أمام المحكمة بعدم أهليته لحضانة الطفلة.
غير أن المرشدة رضوان «صعقت المتآمرين» بشريط فيديو يظهر «آية» خلال تلك الزيارة وهي تلعب بحرية تامة في أرجاء الغرفة. وقالت رضوان حينها إن هذه «اللعبة» لن تنطلي على المحكمة، و«سيتم فضحها».
إزاء هذا التطور، وُضع سيناريو جديد ومفبرك لحرمان الجاسم من تبني الطفلة، وهذه المرة كانت «المؤامرة» أكثر خبثاً وإيلاماً من أي شيء سبق، بحسب الجاسم. فقد لجأت الموظفة الممسكة بملف «آية» في وكالة حماية الأطفال الحكومية -وبالتواطؤ مع دار الرعاية- الى تلقين الطفلة «آية» رواية لتخبرها للإدعاء العام، ومفادها أنها تعرضت لتحرش/اعتداء جنسي على يد الجاسم. كان هذا الإتهام كفيلاً بقلب حياة الجاسم الى جحيم، حيث تم استدعاؤه والتحقيق معه حول «التهمة» الموجهة اليه (جريمة اعتداء جنسي من الدرجة الأولى)، ليتم سجنه وفرض كفالة بقيمة 100 ألف دولار، كما تم تجريده من حقوق حضانة «معصومة» التي نقلت الى دار الرعاية مرة أخرى، ليتولى بعد ذلك المحامون، دريد الدر وشريف عقيل وانتصار الخفاجي، ملف القضية بعد اقتناعهم بحدوث «المحاولة الدنيئة» التي لجأت إليها الوكالة الحكومية.
خيضت حملة سريعة لجمع التبرعات لصالح الإفراج عن الجاسم ونجحت الحملة بفضل عدد من الخيرين وأصحاب النخوة والحمية، وأبرزهم طبيبة أطفال عربية أميركية، بجمع 10 آلاف دولار (القيمة الجزئية للكفالة)، وخرج الجاسم من السجن بعد 15 يوماً قضاها خلف القضبان بدت له ١٥ دهراً.
وبحلول كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عقدت جلسة برئاسة القاضية كيلي وبحضور الطفلتين.
في تلك الجلسة وقف الادعاء ووجه «سؤال المليون دولار» الى الطفلة البريئة «آية» (عمرها الآن 7 سنوات): أخبري المحكمة ماذا فعل بك هذا الرجل؟
صمتت الطفلة لبرهة ومررت نظراتها الحائرة في أرجاء القاعة ثم التفتت نحو أختها «معصومة» التي سارعت الى حثها على النطق قائلة لها: «آية.. قولي الحقيقة.. قولي بالضبط ماذا حصل لك».
نظرت «آية» الى ممثل الادعاء ونطقت بـ«الحكم» الذي صفع كثيرين ممن تآمروا على طفولتها البريئة: «لقد طلبت مني السيدة أن أكذب وعلمتني ما يجب أن أقول لم أتعرض لهذا الشيء أبداً. أنا أحب أبي (عماد الجاسم) كثيرا وأريد أن أبقى معه ومع أختي».
حل صمت رهيب في قاعة المحكمة للحظات قبل أن ينبري ممثل الإدعاء مخاطبا القاضية. «حضرة القاضية، أعلن بطلان كل التهم بحق السيد الجاسم وإقفال ملف التحقيق». كانت كلمات الادعاء برداً وسلاماً على قلب «القاضية النزيهة التي لم تؤمن يوما بفصل الأختين»، برأي الجاسم، حيث سارعت القاضية الى النطق بحكم العدالة: هاتان الطفلتان، بأمر المحكمة تعودان للعيش متحدتين مع أبيهما عماد جاسم. أقفل الملف… لدى المعنيين ساعة واحدة لاتمام ترتيبات اعادتهما الى رعاية هذا الإنسان الطيب..».
ومؤخراً، حضر الجاسم برفقة ابنتيه حفلاً نظمته المرشدة «الديناميكية» لبيبة رضوان في مبنى قسم الصحة السلوكية التابع للـ«أي سي سي» على شارع الميل السابع في مدينة ديترويت بحضور المحامين والناشطين في هذه القضية، احتفالاً بـ«النهاية السعيدة».
«فرحة كبيرة غمرتني بعودة ابنتي» قال الجاسم لـ«صدى الوطن»، وأضاف «لن أجد العبارات التي تفي بوصفها، لكن هذه الفرحة لم تكن لتكتمل، وتلك المعاناة الطويلة لم تكن لتنجلي، لولا الجهود الكبيرة والخيرة والداعمة التي محضتني إياها كوكبة من أبناء الجالية العربية في مقدمتها: المحامية الإنسانية انتصار الخفاجي والسيد عامر الخفاجي والمرشدة اللامعة لبيبة رضوان والدكتورة المخلصة والخيرة رغدة شويكاني والمحاميان شريف عقيل ودريد الدر والقنصل اليمني عبدالحكيم السادة والشيخ صالح الجهيم ومؤسسة «مسلم فاميلي سرفيس» وآخرون من رجال دين ونشطاء، ومع شكري وتقديري لصحيفة «صدى الوطن» لدورها في إبراز هذه القضية.. شكراً لكم جميعا».
Leave a Reply