لم أشعر بالفخر منذ انتصار المقاومة على إسرائيل وأذيالها عام ٢٠٠٦، كما شعرت وأنا أستمتع، مثل الملايين أمثالي، بقراءة بطولات وصولات وجولات جنود الشبكة العَنْكبوتية، المعروفين بـ«الهاكرز»، الذين شنَّوا حرباً شعواء وضَروساً على المواقع الإلكترونية العَنْكبوتية الإسرائيلية وشلُّوها تماماً وأَثبتوا، كما قال سيِّد المقاومة، إنَّ إسرائيل هي أَوْهن من بيت العنكبوت. لقد حقَّق أبطال الحرب الإلكترونية الرقمية الإنتصار النَّوْعي الثَّاني، بعد حرب تمّوز، على دولة الإحتلال والإرهاب وأجبروها، لأول مرَّة في تاريخها الأَسود، على الدِّفاع لا الهجوم وأذاقوها من سُمِّها الزُّعاف الذي كانت تدسُّه للعرب أيام الإنهزامات الى أنْ أطلَّ عصرُ المقاومة والإنتصارات. فكل «هاكر» وانتم بخير. ولأَنَّ كلّ مصيبةٍ عند «قوم» إسرائيل فيها مليون فائدة عند قومنا، فما أحلى الشماتة. وأول هذه الفوائد هي إزالة الحاجز النفسي العربي من أمام مقاومة إسرائيل وأذنابها من العرب.
لقد ارتكبت الأنظمة العربية أخطرَ «هاكر» ضد شَبَكة عزَّتنا وكرامتنا وداسَتْ على شعوبها بطُغيانها وفَسَادها وانحرافها وكانت خير مَعينٍ لدولة العدو بترويج روح الإنكسار على أساس أنَّ إسرائيل تملك جيشاً لايُقهر وبالتالي لا جدوى من محاولة هزيمتها فيجب أنْ «نزمُطْ» بجلدنا من الفناء ونعقُدْ معها صُلحاً وسلاماً ولو كان مُهيناً ومُذلَّاً. هؤلاء الجبناء لم يربحوا، ولو إفتراضياً، معركة واحدة ضد إسرائيل وكان الفضل، بعدالله، للمقاومة العظيمة في لبنان بكسر هذه المعادلة الوهمية واجتراح معجزة النصر لنا والهزيمة المُنكَرة لإسرائيل التي كان جنودُها يصرخون ويستغيثون في بطاح الجنوب الطاهر التي تعرف دَعَسات أبنائها وتلفظ الغزاة الطامعين. المقاومة سمّاها العرب مجموعة مغامرين ومتهورين أمام «تعقُّل» ورُشد الأنظمة الصفراء، لكنَّهم خسروا وما ربحت تجارة الخنوع!
هذا الإنجاز الإلكتروني الهائل لم يلقَ أُذُناً إعلامية صاغية من قبل الإعلام العربي الساقط بل وصَمَه بالإرهابي كما ذكرَتْ صحيفة «الرياض» وقناة «التزويرة». وأكثر من ذلك، ذكَرتْ التقارير أَنَّه كان هناك استنفاراً أكبرَمن قبل الحُكَّام العرب الذين خرجَتْ الأمور من تحت سيطرتهم بعد أن وقفوا طويلاً ضد التكنولوجيا وحركة التاريخ. وفي اليوم التالي، وقع تفجيرٌ إرهابيٌّ إجراميٌّ إنتحاري ضدَّ الشعب السوري الصامد ربَّما انتقاماً لإسرائيل الجريحة!
أمَّا «شَبَه خيال الصحرا» فكان مشغولاً باحتفالية مذهبيَّة مقيتة وبإنجازٍ مناطقي بغيض يفرضه النظام الطائفي الفاسد القائم على توزيع الحصص الفارغة. فقد عَلَتْ الأهازيج بعودة «الحق البيروتي» السليب الى موقعه بعد ٢٢ عاماً، واحتفل البيارتة بعقد قِران «العريس» تمَّام سَلَام على رئاسة الوزارة بعد انتظارٍ طويل وزغردَتْ النُسوة لأَنَّهُنَّ سَيَرَيْنَ بعد التكليف نهايةً للمشكلات المعيشية الضاغطة وكله سيصبح «تمام بتمام»، بحيث سنضاهي السويد وسويسرا في التقدُّم والرقي وسوف «نشيل الزير من البير»! لا أعلم لماذا يفرحْ شعب أو أبناء طائفة ما بوصول «أحد أبناء دينه» الى موقعٍ حكومي؟ وكأنَّ هذا الواصل الوصولي سيوصل معه أحداً من الذين أوصلوه، أوأنَّه لن يصْلِيهِمْ جُحُوداً ونُكران جميل وانصرافاً الى تحسين وضعه الخاص ووضع عائلته وبعد ذلك «فُخَّار يكسِّرْ بعضه»! يقْتُلُ اللبناني نفسَه أَمام الزعيم النصَّاب الذي لا يخدمه بشيء لكنَّه يبقى ينتخبه كل أربع سنوات! إنَّها مازوشيَّة لبنانية فريدة لا تشبه إلا وطنَ الصفة المُشبَّهة!
المواطن اللُبناني بحاجة إلى «هاكر» في وجدانه يهزُّهُ من الأعماق ويجعله ينتفضْ فعلاً على بلدٍ منكوبٍ في تخلُّفه حيث يُعلن شخصٌ ترشيحه من بيتٍ حزبي منحازلكنه يُصبح بسحر ساحر توافقياً فتنقلبْ الاكثرية الى معارضة والعكس صحيح، بل يُسارع أحدهم إلى تسمية نفسه بالأكثرية السابقة وكأنَّه متشوِّق لذلك قبل الأخصام، ثم يُكلَّف من قِبل رئيس مثل «الأطرش بالزفَّة» برئاسة الحكومة بعد تكليفه في الخارج، وهو كالميقاتي لا لون له ولا طعم بل مُدجَّنٌ ضد معادلة الشعب والجيش والمقاومة، ثمَّ يغادر الأسير لبنان (درب يسِدْ) للإسْتجمام في تُركيّا فيُفتح له صالون الشرف في المطار.
سياسة بلا وازع ولا شَرَف!
Leave a Reply