دمشق – تقف الأزمة السورية على مفترق طرق حاسمة عشية سريان «هدنة الأضحى» التي قوبلت بترحيب دولي واسع بعد نجاح المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي في التوصل لتوافق إقليمي لوقف إطلاق النار فيما أجلت القيادة السورية موافقتها على الهدنة بإنتظار تقييم الجيش للموقف وذلك توجساً من تكرار سيناريو المراقبين العرب الذي ساهم في تمكين المسلحين من عدة مناطق في البلاد، كما أكدت دمشق في معرض موافقتها على الهدنة احتفاظها بحق الرد على أي خرق يرتكبه المسلحون.
وتخوض الهدنة في سوريا ابتداءاً يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد) اختبارها الميداني حتى يوم الاثنين المقبل، بينما ستظل الانفاس محبوسة، والقلوب خائفة، من سقوط سريع للهدنة، أو انفجار العنف لحظة انتهائها.
وإذا كان هناك من تنفس الصعداء مع إعلان الجيش السوري «وقف العمليات العسكرية»، وهو ما أرفقه بشروط تحذيرية واضحة لمسلحي المعارضة، فإن مواقف الجماعات المسلحة، أظهرت أن الأمل بثبات الهدنة، هش، وأن العيد قد لا يكون مباركا كما يأمل كثيرون.
وعلى الرغم من الحذر السوري من الافراط في التفاؤل، فان سلسلة من المواقف الدولية البارزة، أوحت أن اللاعبين الكبار، كروسيا والصين والولايات المتحدة، بالاضافة الى الامم المتحدة، يعولون على وقف اطلاق النار، ولو بأهميته الرمزية، لكسر حلقة العنف المفرغة المستمرة منذ 20 شهرا.
وذكرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية، في بيان، «لمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، تعلن القيادة العامة للقوات المسلحة السورية وقف العمليات العسكرية على أراضي الجمهورية العربية السورية اعتبارا من صباح الجمعة لغاية يوم الاثنين 29 من هذا الشهر».
وأضاف البيان «انسجاما مع مسؤوليتنا في حماية المدنيين والممتلكات العامة والخاصة، تحتفظ قواتنا المسلحة بحق الرد على الآتي: أولا، استمرار الجماعات الإرهابية المسلحة بإطلاق النار على المدنيين والقوات الحكومية، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة واستخدام السيارات المفخخة والعبوات الناسفة، وثانيا قيام الجماعات الإرهابية المسلحة بتعزيز مواقعها التي توجد فيها، مع بدء سريان هذا الإعلان أو الحصول على الإمداد بالعناصر والذخيرة، وثالثا، تسهيل دول الجوار تمرير الإرهابيين عبر حدودها إلى سوريا، انتهاكا لالتزاماتها الدولية بمكافحة الإرهاب».
وحاول «رئيس المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر» مصطفى الشيخ أن يؤكد تماسك المسلحين رغم الضربات الموجعة التي يتلقونها بشكل يومي، حيث قال لوكالة «فرانس برس»، «نحن ملتزمون بوقف النار اعتبارا من صباح الجمعة إذا التزم النظام بذلك. لكن إذا أطلقت رصاصة واحدة، فسنرد بمئة». وأضاف ان «هذا القرار يلزم المقاتلين الخاضعين للمجلس العسكري الأعلى، وعددهم لا بأس به، الا ان هناك فصائل مسلحة أخرى تتبع قيادات أخرى». وتابع «للأسف لا توجد قيادة موحدة حقيقية للمقاتلين المعارضين للنظام في سوريا».
وأعلن المتحدث باسم جماعة «أنصار الإسلام» أبو معاذ ان مقاتليه لن يلتزموا بالهدنة، وذلك بعد ساعات من إعلان «جبهة النصرة» الإسلامية المتشددة أنها ترفضها.
ردود فعل دولية
وتوالت الردود الدولية المرخبة بالهدنة وسط صمت خليجي ومحاولات تركية للخروج من مأزقها السوري عبر البوابة الإيرانية. وقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش ترحيب موسكو بإعلان القيادة السورية وقف العمليات العسكرية خلال عيد الأضحى. وقال «نعتبر أن قرار السلطات السورية الرسمي بتأكيد السعي إلى وقف إراقة الدماء، ما يفتح المجال للانتقال إلى تسوية سياسية للازمة السورية الداخلية عبر حوار شامل، يتسم بأهمية مبدئية».
ونوه «بإعلان عدة مجموعات مسلحة عن موافقتها على وقف إطلاق النار، لكن ليس كلها وفقط بشرط موافقة الجيش السوري على ذلك أولا». وتابع «تعول موسكو على أن الهدنة، التي أيدها مجلس الأمن بمبادرة روسية، ستنفذ وسيستطيع ملايين السوريين المسلمين الاحتفال ضمن ظروف العيد، من دون خوف على حياتهم وحياة أقربائهم، ومن دون عنف مسلح أيا كان مصدره».
وأعربت واشنطن عن أملها في أن تحترم الحكومة السورية والمسلحون الهدنة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند «ما نأمله ونتوقعه هو ألا يكون الأمر بالنسبة لهم مجرد حديث عن الهدنة، لكن (عليهم) أن يثبتوا ذلك، بدءا من النظام، وسنراقب عن كثب». وأضافت «النظام السوري بارع بشكل خاص في تقديم الوعود وأقل براعة في الوفاء بها».
وفي بكين، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هونغ لي «نتمنى أن تستطيع كل الأطراف المعنية في سوريا اتخاذ موقف مخلص وإجراءات ملموسة لدعم مقترح الإبراهيمي والتعاون معه ومع جهود الوساطة التي يقوم بها، واستغلال الفرصة جديا لتنفيذ الوعود لوقف إطلاق النار ووقف العنف».
كما عبرت بكين عن أملها في أن تكون هذه فرصة «لتنفيذ وقف لإطلاق النار طويل الأمد وفعال لتهيئة الظروف لتخفيف معاناة الشعب السوري وبدء الحوار السياسي وعملية الانتقال السياسي في أقرب وقت ممكن».
والجدير بالذكر أنه ما ان أعلن الأخضر الإبراهيمي ان الرئيس السوري بشار الأسد وافق على هدنة الأضحى، حتى رمى مجلس الأمن الدولي بثقله خلف الهدنة، مطالبا جميع الدول الإقليمية والدولية باستخدام نفوذها لوقف العنف، وهو ترحيب استمهلته دمشق لحين موافقة الجيش التي جاءت عشية موعد الهدنة.
Leave a Reply