دمشق – شيّع بعد ظهر الثلاثاء الماضي من مستشفى المجتهد في دمشق جثمان الفنان السوري المخضرم ياسين بقوش الذي قتل الأحد الماضي بعد تعرض سيارته لقذيفة في منطقة عسالي حيث ينتشر المسلحون بالقرب من مخيم اليرموك الذي كان يسكنه الراحل.
ووسط لفيف من أصدقاء الفنان توجه الموكب الجنائزي إلى جامع محي الدين بدمشق، وصلي عليه صلاة الميت، قبل أن يشق الجثمان طريقه إلى مقبرة «التغالبة» في حي الصالحية الذي ولد فيه بقوش، ليدفن هناك بعد 75 عاما من العطاء.
وكان لافتا أن الجماهير الغفيرة التي حضرت قامت بزف بقوش من الجامع كعريس حيث علت أصوات العراضة الشامية التي تهلل باسم الفقيد في مشهد خرج به الناس عن تقاليد تشييع الموتى، وذلك لإيمان الجميع بأن الفقيد هو شهيد.
ولد الفنان ياسين بقوش ذو الأصول الليبية في دمشق في العام 1938 وتحديدا في حي الصالحية الذي شهد طفولته ودراسته في مدرسة ابتدائية ما تزال موجودة حتى الآن.
ومن هناك انطلق إلى العمل في الإذاعة مبكراً معتمداً على صوته الفريد قبل أن يظهر على الشاشة لكون التلفزيون لم يكن قد عرف في تلك الفترة.
شارك ياسين في مجموعة من المسرحيات بداية خمسينات القرن العشرين، وكان ذا مقدرة كبيرة على استخدام صوته في أكثر من شخصية ضمن العمل الواحد.
ولما أنشئ التلفزيون في سوريا كان ياسين من أوائل من انضموا إليه ليصبح أحد أبرز الأسماء التي أسست للشاشة السورية الى جانب العمالقة دريد لحام ونهاد القلعي وناجي جبر الى جانب آخرين. عرف بقوش على نطاق واسع بلقبه «ياسينو» عامل الفندق الطيب الساذج، المخلص للجميع، وضحية الجميع في آن. لم تشهد شخصيّة ياسينو تحولات دراماتيكيّة، إذ بقي الشاب الساذج، الذي ينسى ويسامح، رغم وقوعه دوماً ضحية لشرور الآخرين وقسوتهم. وعلى تلك الصورة، رأيناه في «صح النوم 2»، و«ملح سكر»، و«وين الغلط»، و«وادي المسك». عرفت شخصية ياسينو نقلة نوعيّة، بعد انتقاله من موقع عامل الفندق إلى موقع زوج الستّ، أي بعدما تزوجته فطوم حيص بيص. ومع زواجهما، ولدت ثنائية ياسينو وفطّوم التي نافست ثنائية غوار الطوشة وحسني البروظان. وتجاوز حضور ياسينو وفطّوم مسلسل «صح النوم»، ليدخلا السينما، زوجين متنافرين، قبل أن يصبحا عاشقين، ولكن على طريقتهما، وقد كان لـ«ياسينو» عشرات الأفلام ما بين 1960 و1990. أما المسرحيات فتكاد لا تعد ولا تحصى، وحتى بقوش نفسه كان يعجز عن إيجاد رقم لعددها، حيث تقدر بأنها تجاوزت الـ400 وذلك ما بين 1950 و1990 على مسارح القباني والحمراء والمسرح الوطني ومسرح الفرسان.
غير أن ياسين عاش أعوامه الأخيرة على هامش الوسط الفني وابتعد عن أقرب زملائه في المهنة، ونسيه المخرجون السوريون، ولم يبقَ له سوى خشبة المسرح التجاري، مصدر رزقٍ وحيد، فلم تصبه طفرة الثراء التي أصابت أهل الوسط الفني السوري. عاش الرجل فقيراً، ومات فقيراً، كغيره من نجوم الكوميديا العرب مثل نجيب الريحاني، واسماعيل ياسين.
وكان فيديو نشر على اليوتيوب قبل أسبوع من مقتله يظهر فيه ياسين بقوش برفقة ولده في سيارة أوقفها حاجز لمسلحي المعارضة في دمشق وواجهوة بأسئلة قبل أن يسمحوا له بالمرور. وبعدها بأيام استهدفت سيارته بقذيفة صاروخية في المنطقة نفسها.
وقد أكّدت وكالة «سانا» السورية الرسمية مقتل بقّوش بقذيفة أطلقها «إرهابيون» على سيارته في مخيم اليرموك في دمشق. قبل أن يعلن التلفزيون الرسمي تعازي وزارة الإعلام «لأسرة الفقيد والشعب السوري ورفاق المبدع الذي استشهد بقذيفة أطلقها إرهابيون ظلاميون».
وكحال الأزمة السورية تتضارب تفاصيل الخبر، وتصير له روايتان أو أكثر. ولكن تبقى الحقيقة الثابتة أن «ياسينو»، قد قتل في زمن «الربيع العربي».
Leave a Reply