بقلم: مريم شهاب
الكلام سهل.. لكن الواقع صعب.
والكلام عن تربية الأولاد هنا في الغرب تحديداً شيء، والتطبيق شيء آخر مختلف تماماً، خاصة بالنسبة للآباء من جيلي الذين يحاولون ما بوسعهم لتطبيق النظريات الحديثة في تربية الأبناء والبنات والأحفاد، من الولادة مروراً بسنوات الطفولة الأولى وصولاً الى الزواج وما بعد الزواج.
و المعضلات والصدمات التي تواجه الأهل كثيرة وشائكة، ولعل من أبرزها «تحدي الزواج»، فهل على الآباء أن يدفعوا أبناءهم نحو الزواج التقليدي أم ترك الحرية للإبن أو الإبنة في اختيار الشريك المناسب؟.
بروفسور جامعي صديق يعيش في ديربورن، يعتبر نفسه أحد «فلاسفة عصره»، وقد نصب نفسه مستشاراً في عالم الحب والزواج، فإلى جانب عمله الناجح، كوّن الأستاذ عائلة ناجحة أيضاً، نصف دزينة صبيان، زيّنهم بأخت سابعة، فكانت حبيبة أبيها ومدلّلته.
كان الأب «العصري» يخبر ابنته بعد أن شبّت عن الحب ومعاناته، والزواج ومشاكله وتبعاته، فعاهدته الإبنة بأنها سوف تشترك معه في تحديد ملامح ومواصفات فارس الأحلام عندما يأتي ليخطفها منه!!
وفي أحد الأيام عادت الإبنة من الجامعة، وزفّت الخبر إلى أبيها العالم المفكّر والذي ما كاد يسمع «البشرى» حتى فقد القدرة على التفكير والتعبير. وأدرك ساعتها «أن الكلام غير الفعل»، وبذهول راح يستمع لمواصفات الشاب، إبن الحلال، الذي تريده ابنته.
هو شاب خريج جامعة لم يجد عملاً، فقام مع زميل له، بواسطة قروض صغيرة، بإفتتاح كاراج لتصليح السيارات ولكن البزنيس ليس ناجحاً والدائنون بدأوا بمطاردة الشاب الذي ضاقت أحواله، الى درجة اعترفت فيها البنت لأبيها بأنها أعطته مبلغاً صغيراً كان معها لمساعدته..
أدرك الأب أن ابنته قد ذهبت بعيداً في علاقتها هذه، وفي اليوم التالي لم يتمكن الأب من كبح فضوله فركب سيارته وذهب إلى الكاراج ليتفقد «عريس الغفلة» عن بعد.
ومن «موقع استراتيجي» لا يثير الشبهات، أخذ الأب يراقب الشاب المكيانيكي الذي خطف قلب «حبيبة البابا»، إذ لم يكن عسيراً أن يتعرف عليه، لأنها كانت قد وصفته له وصفاً دقيقاً.
كان الشاب يجلس وراء مكتب صغير، يقرأ الجرائد ويتصفح الإنترنت، ويدخن وأمامه فنجان قهوة من «ستاربكس» يرشفها على مهل، بينما زميله كان يعمل بجدٍ ونشاط مع عامل آخر.
لاحظ الأب أن حركة العمل أكثر من جيدة، ولكن الشاب كان يقضي معظم وقته بالحديث مع الزبائن وممازحتهم والتدخين وتناول القهوة وتصفح «الآي فون». لاحظ أيضاً أن الشاب يهتم كثيراً لمظهره وأناقته رغم عمله في الكاراج، فشعره وحواجبه وذقنه منسقة ومسبسبة.
كان يبدو أنه زبون دائم لصالونات التجميل.
ظل في مكانه لوقتٍ طويل، ويقول في نفسه: «ابنتي لم تجد في السوق إلا هذا الشاب العيّوق؟!» ثم قاد سيارته راجعاً إلى مكتبه حيث جلس وحيداً يفكر. وبعد أن هدأت أعصابه قليلاً إتصل بزوجته التي كانت تعلم بحب ابنتها وقال لها جملة واحدة: هذا النصاب لا يصلح لإبنتنا…
في المساء وبعد عودة الإبنة من الجامعة، قالت لأبيها، إن حبيبها بحاجة إلى مبلغ من المال لسداد مخالفات البلدية، وطلبت من والدها أن يقرضها المال وقد تعهد الشاب بأن يردّه لها خلال ثلاثة أشهر على الأكثر.
أما كيف تصرف الأستاذ الوالد، سوف نعرفه في العدد المقبل..
Leave a Reply