عباس الحاج أحمد
عرض في مسرح «متحف ديترويت للفنون» يوم الأحد الماضي، فيلم «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد.
تدور أحداثه في القاهرة، ويحمل معه دهاليز بغداد وبيروت. يغوص في التفاصيل الحياتية. يدخل إلى المقاهي والمصاعد والشقق لينقل إليك خلاصة الأحداث بصور مُعلقة ومظاهرات متفرقة وأحاديث جانبية عابرة تشكل حدوداً لوطن مجهول الهوية.
ففي العام 2009، وداخل مدينة القاهرة العريقة، تدور حياة خالد، المخرج الشاب الذي يحاول أن يصنع فيلماً عن تلك المدينة وما تحمله من أحلام في الوقت الذي يعاني فيه من احتمالية أن يُطرد من شقته، والمرأة التي يحبها تريد أن تهاجر خارج مصر، متذكراً في نفس الوقت أيام طفولته عندما كانت القاهرة مكاناً أكثر إشراقاً.
يلتقي المخرج المصري بأصدقائه السينمائيين، مخرجين عراقيين، الأول يعيش في بغداد والثاني في برلين، أما الصديق الثالث فهو أيضاً سينمائي لبناني يعيش في بيروت. وتبدأ بنقاشهم صراعات الأمكنة والأزمنة.
يعتبر أحدهم أن الحرب ترفع من قيمة الحياة. ففيها يصبح لمعجون الأسنان قيمة مضاعفة ولرغيف الخبز قيمة أكبر. فيما يتحدث المصري عن القاهرة باعتبارها مدينة شفافة جداً، ويصف اللبناني بيروت بأنها مخادعة فهي براقة من الخارج بينما يأكلها «السوس» والعفن من الداخل. لا تعتبر بغداد بحسب العراقي مكاناً أو مدينة، بل هي صديقة تتنقل معه أينما رحل.
في بداية المظاهرات لإسقاط نظام حسني مبارك تبرز المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتطفو على سطح الفيلم معارك زوجية وعائلية عبر سطوح المنازل وأزقة الشوارع إلى أن تأتي اللحظة التي يسجل بها المهاجم المصري هدف الفوز في الدقيقة الأخيرة من المباراة في كأس أمم أفريقيا. يتناسى الجميع آلامهم ويتراقصون فرحاً بإشعال النار والتنفيس عبر الصراخ.
ويمر الحديث العابر بين ابن القاهرة وحبيبته التي تريد الهجرة متمنية السفر مع حبيبها إلى مكان تستطيع فيه إن تقبله أمام الجميع. فقد سئمت من الاختباء الدائم خلف كواليس النفاق الجماعي العام.
تنتهي بعض الأحداث بانفجار في بغداد… وبحكايات تدور في حلقات محيطة بحياة ابن القاهرة، تلك المدينة الغنية بالصور البصرية التي لا تنتهي بحسب وصف اللبناني.. أحداث، سأترك تفاصيلها لكم أثناء المشاهدة.
«آخر أيام المدينة»، يخلط أدب نجيب محفوظ بفلسفة ألبير كامو. اللحظات العبثية التي تحملنا جغرافياً إلى مصائر لا نتوقعها، والتفاصيل البسيطة التي تُحفر في وجداننا فنبقى في سجنها إلى الأبد.
الفيلم الحاصل على العديد من الجوائز، مدته 118 دقيقة وقد ﺗﻢ ﻋﺮﺿﻪ ﻷول مرة بمهرجان برلين السينمائي الدولي في شباط (فبراير) 2016.
بعد نهاية عرض الفيلم في ديترويت، دارت بعض النقاشات بين أصدقائي من فلسطين ومصر وفرنسا وأميركا. تجسدت بشعور مرهف لأبناء العواصم العربية الذين عاشوا تفاصيل بلادهم عبر الفيلم، بينما اقتصرت وجهة نظر أصدقائنا الأميركيين على ما يلي: «فهمنا الآن بالتفاصيل المملة لما أنتم هنا».
Leave a Reply