طارق عبدالواحد – «صدى الوطن»
«الزبون دائماً على حق» و«البضاعة التي تباع لا ترد ولا تبدل»… تحكم هاتان المقولاتان عادات التسوق في العالم العربي على نحو واسع، ويستقدمها المهاجرون العرب معهم إلى بلدان المهاجر المتنوعة، ومنها الولايات المتحدة، المعروفة أسواقها بتقديم أفضل خدمة للزبائن في العالم، فهذه بلاد الـ«كاستمر سيرفيس».
في المقابل تتمايز عادات المتسوقين الأميركيين عن متسوقي الشعوب الأخرى الذين يميل معظمهم إلى المساومة على الأسعار والانتقاء المبالغ فيه للبضائع التي يريدون شراءها.
لدى إعداد هذا التقرير، وفور دخولي إلى أحد المتاجر العربية، سقطت أمامي بطيخة صفراء. فقد كان أحد الزبائن يقوم بنبش الصندوق الكبير للحصول على أفضل ثمرة. وبعد لحظات قليلة، وبينما كنت أتحدث مع مدير المتجر حول المشاكل التي يعانونها من زبائنهم، قاطعتنا إحدى السيدات طالبة منه أن يجلب من البرادات الخلفية صندوقاً آخر من ثمار المشمش. فعلق المدير اليمني -الذي فضل عدم الكشف عن اسمه تجنبا للحساسيات – بالقول: هذه إحدى المشاكل التي نعاني منها يومياً، فبعض الزبائن يعتقدون أننا نحتفظ بالبضائع الجيدة في الأماكن الخلفية، ويلحون علينا بالطلب لكي نأتي بكميات إضافية مع أن الكميات المعروضة تكون أصلاً كبيرة جداً.
وعودة إلى البطيخة الساقطة، فيبدو واضحاً.. أن ذلك الزبون كان يعتقد أن البطيخة الأفضل لا بد وأن تكون في قعر الصندوق، فتوجب عليه نبشه بالكامل.. دافعاً هذه وجاذباً تلك، ما أدى إلى تدحرج إحدى البطيخات وسقوطها أرضاً.
أخذني المدير بجولة في المتجر وأراني ما اعتبره بعض الممارسات غير اللائقة من قبل الزبائن، الذين يقوم بعضهم بفتح البضائع المغلفة، وتذوقها، ثم تركها في مكانها، أو في غير مكانها في أحيان أخرى. وقرب الطاولات المخصصة لعرض الثمار، كانت بذور الكرز والمشمش والخوخ والدراق مبعثرة على الأرض. قال: إننا نقوم بتنظيف هذا المكان عدة مرات في اليوم.
ولدى عرض هذه المشاكل على أحد أصحاب محلات الرضا (بابايا)، أبدى مصطفى بعض التقبل لسلوكيات الزبائن وأدرجها ضمن التصرفات الطبيعية، وقال: هذا أمر طبيعي ومتوقع من بعض الزبائن ولا يسبب لنا أي نوع من الإزعاج. وأضاف: هناك زبائن مؤدبون إذا أرادوا تذوق أي منتج يقومون بطلب إذن من موظفي المحل.
لكن مصطفى لم يخف استئياءَه من بعض الزبائن، خاصة أولئك الذين يقومون بفتح الأكياس المختومة وفضّ أغلفة البضائع، وقال: هذه التصرفات تتسبب لنا بالخسارة، لأنه في مثل هذه الحالات، لا يمكننا بيع تلك المنتجات.
بدنا ندوق!
ولدى الحديث مع أحد الزبائن، ويدعى سعيد، وصف تلك التصرفات بالأمر المتوقع، خاصة وأن المتاجر العربية لا تعرض على الزبائن نماذج للمنتجات الغذائية، وقال: في المتاجر الأميركية، مثل «كروغر» «وولمارت» و«كوسكو»، يضعون نماذج من مختلف المشروبات والأغذية، ويعرضونها أمام الزبائن، ويمكنك أن تتذوقها وبدون إحراج، بدون أن تشعر بضرورة شراء أية كمية من تلك المنتجات، سواء أأعجبتك أم لا.
ولدى إحالة هذه الفكرة على بعض أصحاب الأسواق العربية، قال مصطفى: لا أعتقد أننا بحاجة إلى عرض مثل تلك النماذج، فالغالبية العظمى من زبائننا هم من العرب، والبضاعة التي نعرضها في محلاتنا ليست غريبة عليهم، أما في الأسواق الأميركية، فدائما هنالك سلع جديدة تعرض أمام متسوقين من جنسيات وثقافات عديدة، قد لا يعرف معظمهم طعم تلك المنتجات، وما تلك العينات المعروضة إلا دعاية للمنتجات. وفي السياق ذاته، وصف نبيل، صاحب متجر «الهدى» في ديربورن، المقارنة بين الأسواق العربية والأسواق الأميركية بالمقارنة الظالمة، وقال: إن عرض تلك النماذج يكون على حساب الشركات المنتجة لتلك الأطعمة والأشربة، وليس على حساب «كروغر» أو «كوسكو» أو «وولمارت»، وتأتي هذه العروض في إطار اتفاق بين المتاجر الكبرى والشركات المنتجة، وفي الغالب جميعها شركات ذات ميزانيات عملاقة، لا يمكن مقارنتها بالأسواق العربية، ذات الرأسمال المتواضع نسبياً.
المكسيكيون أرحم
وأضاف متحدثا عن «خصوصية المتسوقين والزبائن العرب» وقال: بالإضافة إلى العرب لدينا الكثير من الزبائن المكسيكيين، وبصراحة التعامل معهم أسهل بكثير من التعامل مع الزبائن العرب الذين لا يزال بعضهم يفضل المساومة وتخفيض الأسعار وكأنه في سوق الحميدية بدمشق، مع العلم أنهم لا يفعلون ذلك عندما يذهبون للتسوق في المتاجر الأميركية.
وعزا مبالغة بعض الزبائن بالمساومة والمفاصلة على الأسعار إلى كثرة الأسواق العربية في ديربورن، وقال: كل الأسواق، تقوم يومياً بتقديم تنزيلات على بعض المنتجات، وهذا أمر طبيعي، لجذب المتسوقين وترويج بعض المواد الكاسدة، ولكن المشكلة تكمن في أن الزبائن العرب يطالبون بتنزيلات وحسومات في الأسعار على أي منتج يريدون ابتياعه، بدعوى أن المحل الفلاني يعرضه بسعر أرخص من أسعارنا.
تجار لا يشبعون
الزبون م. م. يفضل التسوق من المتاجر العربية بسبب قربها من مكان إقامته في شرق ديربورن، ولعدم إجادته للغة الإنكليزية رغم أنه يعيش هنا منذ 17 عاماً، ويقول: في النهاية كل طرف يريد أن يحقق مصلحته، فالبائع يريد تحصيل أكبر قدر من الأرباح، والزبون يريد توفير أكبر قدر ممكن من المصاريف. ويضيف: بعض أصحاب المتاجر لا يشبعون، فرغم الإقبال الكبير على أسواقهم، تراهم يترددون في توظيف مزيد من المحاسبين، الذين لا تتجاوز أجورهم سبع دولارات في الساعة، مما يتسبب في إطالة مدة الانتظار ضمن طوابير طويلة. وقال: أحيانا أنتهي من التسوق خلال نصف ساعة، واضطر للانتظار في الطابور أكثر من نصف ساعة، مع أن توظيف شخصين إضافيين أو ثلاثة أشخاص لا يكلفهم الكثير من المال.
وقال: في البداية يفتتح سوق جديد، يوفر بضائع بأسعار مخفضة ويحرص أصحابه على رضا الزبائن، وبعد فترة قصيرة يصبح «مثله مثل غيره».. وبعد سنة أخرى يفتتح أصحابه فرعا ثانياً ثم ثالثاً.. إنهم يجنون الكثير من الأرباح فلماذا لا يحرصون على رضا الزبائن الذين هم سبب النعيم الذي هم فيه؟
مكره أخوك لا بطل
الحاج أبو حسين يفضل التسوق من الأسواق الأميركية بشكل عام، ولكنه يضطر إلى التبضع من الأسواق العربية وشراء بعض المنتجات العربية واللحوم الحلال التي لا توفرها المتاجر الأميركية، فهو تقريباً يزود بيته بالحاجات الضرورية بشكل أسبوعي من «كوسكو» لكنه يضطر في كثير من الأحيان الى زيارة المتاجر العربية. يقول: صحيح أن بعض البضائع في كوسكو قد تكون أغلى ثمنا ولكنها تكون ذات نوعية أفضل.. في النهاية هذا الأمر اختياري وكل شخص يذهب إلى المكان الذي يشعر بالراحة فيه.
وأضاف: في الفترة السابقة، ارتفعت أسعار البيض بشكل كبير، ثم انخفضت في السوق الأميركية وعادت إلى مستواها الطبيعي، لكن معظم المتاجر العربية احتفظت بالأسعار الجديدة، وبعضها قام بتزيلات طفيفة.. لماذا هذا التلاعب؟
وحول هذه المسألة، أكد صاحب «أسواق الهدى» أن الأمر صحيح فيما يخص رفع الأسعار والاحتفاظ بالأسعار الجديدة لبعض الوقت، وقال: عندما يرتفع سعر سلعة ما، ونقوم بشراء كميات كبيرة من تلك السلعة، فإننا نبقي على السعر مرتفعاً لحين نفاد كامل البضاعة، فرؤوس أموالنا ليست بحجم الأسواق الأميركية العملاقة التي يمكنها تحمل بعض الخسائر، في حال هبوط سعر سلعة ما.
علاقة يمكن إصلاحها؟
وفي سياق آخر، أكد مصطفى، أن العلاقة مع الزبائن يمكن إصلاحها وتجاوز مظاهرها غير المريحة، لكن هناك بعض الزبائن الذين يثيرون الاستياء، لاسيما المحتالين منهم، وهم قلة قليلة، الذين قد يقومون بسرقة بعض البضائع المعروضة خارج المحل، أو إخفائها للتهرب من دفع أثمانها.
هناك تصرفات لا يمكن قبولها، بحسب مصطفى الذي أشار إلى أن محلات «الرضا»، اكتشفت خلال الفترة الأخيرة، أن بعض الزبائن قاموا بدفع أوراق نقود مزيفة، من فئة الـ50 والـ20 دولاراً، ولا يعرف فيما إذا كان ذلك الأمر مقصوداً أم لا.
وفي سوق آخر، فضل أصحابه عدم الإشارة إلى اسمه، لفت مديره إلى بعض حالات الاحتيال التي يمارسها بعض الزبائن، خاصة فيما يتعلق بالمواد المعروضة بأسعار متفاوتة حسب أصنافها. وقال تواجهنا يومياً عدة حالات، حيث يقوم بعض الزبائن بانتقاء بضائع ذات أسعار أعلى ويدّعون أنها من فئة الأصناف الأرخص سعراً.
Leave a Reply