مريم شهاب
كل أسبوع أكتب مقالتي فـي مكتبة هنري فورد العامّة، فـي مدينة ديربورن. تضم المكتبة قاعة مسرح تعرض فـيها الأفلام والفنون. وتشمل برامجها حفلات موسيقية فولكلورية ودينية لمختلف الشعوب وجلسات نقاشية وحكواتية، وهذا هو سر ترددي عليها.
إدارة المكتبة تعتبر الموسيقى وسيلة للحوار بين مختلف سكان ديربورن، ولهذا السبب تستضيف من وقت الى آخر فنانين من مختلف الثقافات، وقد قصدتها الأسبوع قبل الماضي لسماع مغنية أوبرالية قادمة من كندا، ولكنني وصلت قبل الموعد بكثير.
توجهت إلى ركنٍ بعيد وجلست أستمع لبعض الموسيقى الكلاسيكية،وانطلقت فـي تسبيحة روحية أفكر وأتأمل. بعد دقائق قليلة دخل شابان وجلسا فـي زاوية مقابلة. ثم ما لبثا حتى دخلا فـي نزوة غرامية. راحا يتحاضنان ويتعانقان ويطفئان نار العشق بينهما بالهمس واللمس، بالآهات، وبالنظرات الصامتة. رأيت فـي ذلك خروجاً سافراً عن الأدب والأخلاق، فهذا مكان عام مخصص للفنون الجميلة والإجتماعات الثقافـية وليس عشاً للغرام. هممت بالتكلم اليهما ولكنني عدت لمساءلة نفسي، تذكرت أن المحكمة الأميركية العليا قد أجازت لهؤلاء المتورطين ذوي الاحتياجات الشاذة أن ينالوا ويستمتعوا بحقوقهم غير الطبيعية تلك الحقوق الذي يذوب بها المستأنثون من الغلمان والمسترجلات من النسوان والمنظرون من الفريقين، فهبوا مزهوين بمطالبهم المتحضرة أمام الصيصان، كالديك ذي العرف الأحمر الذي كان يصيح على مزبلة بلدتنا.
غضضت بصري وأنا أتحسّر على زمنٍ كان يتحيّر المحبون فـيه أين يتسترون ويلتقون.
من يدري؟ هذه مدينة ديربورن وليست قريتي الصغيرة.
هنا يستطيع الشاب أن يقبّل صديقته ويحتضنها فـي أي مكان يشاء، هذا المشهد قريباً سوف يكون من الماضي. الآن هو زمن الغلمان والغلمانات.
التطور والحرية أعادت الإنسان المتحضر، المتعلم إلى زمن عاد وثمود وهو يمشي واثق الخطوة بمباركة الشيطان الخناس للوقوع فـي مشكلة قلما تخطر على باله، وهي مشكلة انتشار الإلحاد، وبالطبع ترتبط بالأمراض والعلل والعجز والإباحية حتى مسمى حقوق الإنسان.
حصول الإنسان على حقوقه يجب ألّا يتناقض مع خصائصه ومميزاته الطبيعية. كأن تفقد المرأة أنوثتها بفعل حصولها على هذه الحقوق. وأن يفقد الرجل رجولته وذكورته. وأبلغ ما فـي مضمون تلك الحقوق ألّا يكون هناك تشويه فـي حكمة الله تعالى عندما خلق آدم وإيف
(حواء) ولم يخلق آدم وستيف!!
من يدري أيضاً؟ أن تنتشر موضة أن يتزوج الناس أنفسهم. قد يؤلفون «لوبي» وكل واحد حر فـي جسده، يتزوج روحه ويخلف من جسده. ما المانع فـي ذلك، فالدنيا سايبة وإعادة النظر والتنقيحات فـي الدين وصلت إلى حدّ إنكار الآخرة وتعذيب الآثمين الفاجرين. وعقد الزواج بين اللوطيين والسحاقيات صار جائزاً، كذلك تبنّي الأطفال وتعيينهم قساوسة وأساقفة فـي الكنيسة، وغدا الزنى بين المحارم شيئاً معتاداً بل وحقاً من «عقوق الإنسان» وبنداً من بنود حرية الإنسان فـي التعبير عن مشاعره.
أنا مع من يقول أن آفة الشذوذ موجودة منذ بدء الخليقة. وهي خطيئة ذميمة فـي الإنسان. لكنني أؤمن أيضاً بأن من لا يستطيع ردع نفسه عن ممارسة الفحشاء والرذيلة أمام العامة، فليذهب ويفعلها وراء الأبواب المغلقة.
لا كانت الحرية التي تسمح بعلانية التباهي بذلك الخطأ الجسيم!!
ورحت أفكر، أليس من حقي أن أطلب من هذين الشابين أن يجدا مكاناً آخر للحب، وفـيما كنت أفكر بالجواب سمعت الساعة تدق لتذكرنا، يا إبن آدم، تذكر الزمن، آن الوقت لسماع الموسيقى، فخرجت وتبعني «العاشقان».
Leave a Reply