ديربورن – خاص «صدى الوطن»
رغم الازدهار العمراني والتجاري في مدينة ديربورن، لايزال هناك الكثير من السلبيات التي تشوّه المشهد العام لعاصمة العرب الأميركيين، ولعل أبرزها مشكلة النظافة العامة الناتجة عن السلوكيات غير المسؤولة لبعض السكان والزوار الذين لا يتوانون عن رمي النفايات بكافة أشكالها وأنواعها في المنتزهات وعلى جوانب الطرقات دون أي اكتراث أو دراية منهم بمدى تبعات هذا السلوك المشين.
رئيس البلدية عبدالله حمود اختار التحرك والضرب بيد من حديد لمعالجة هذه الآفة التي تسيء لعموم أهالي المدينة وتؤثر سلباً على جودة المعيشة فيها، حيث بادر إلى اتخاذ عدة خطوات لتأكيد جدية إدارته في ملاحقة المخالفين وتنبيه السكان وأصحاب الأعمال التجارية إلى أهمية الالتزام بلوائح النظافة العامة.
جهود حمود
وفي السياق، قام حمود –بنفسه– في أوائل شهر آب (أغسطس) المنصرم، بإعادة كومة من النفايات إلى منزل رجل اعتاد على رمي مخلّفاته اليومية بأحد المنتزهات المجاورة بدلاً من استخدام الحاوية المنزلية المخصصة لجمع القمامة. وقد قام حمود أيضاً بتسليم صاحب المنزل غرامة مالية بقيمة 500 دولار، في خطوة نالت ثناء الكثيرين من سكان ديربورن الذين يدركون أهمية الحفاظ على نظافة وجمال منتزهات الأحياء.
الحادثة آنفة الذكر، جاءت بعد بضعة أيام من زيارة ميدانية لرئيس البلدية اللبناني الأصل إلى منتزه «ليفاغود» بغرب ديربورن، حيث بثّ مقطعاً مصوراً حول الفوضى والمهملات التي خلّفها بعض مرتادي الحديقة الواقعة على شارع سيلفري لاين، مؤكداً بأن نظافة منتزهات وشوارع المدينة تتطلب جهداً جماعياً من المسؤولين والمقيمين والزوار على حد سواء.
وقال حمود إن بلدية ديربورن تقوم بدورها في تنظيف المدينة، ولكنه من غير المقبول أن يرمي الناس النفايات كيفما اتفق، متجاهلين الأعداد الكثيرة من حاويات القمامة المنتشرة في كل مكان، واصفاً تلك التصرفات بـ«قلة الاحترام» و«انعدام حسّ المسؤولية العامة».
وأكد حمود بأن الطريقة الوحيدة لضمان جمال ونظافة مدينتنا تكمن في تضافر جهود الإدارة المحلية وعموم المقيمين وأصحاب الأعمال التجارية والزوار، وقال: «إذا لم يكن لدينا الاحترام الكافي للاهتمام بشوارعنا وأحيائنا ومنتزهاتنا، فماذا نتوقع من الآخرين؟»، مضيفاً: «ما يجري أمرٌ مخزٍ حقاً، ونحن بحاجة إلى القيام بواجباتنا لتفادي انتشار الأوساخ والقاذورات التي تجذب الحشرات والقوارض إلى مدينتنا»، فضلاً عن تشويه المنظر العام.
على مسار آخر من جهود حمود للحفاظ على نظافة ديربورن، حرص رئيس البلدية على اقتطاع 300 ألف دولار من إجمالي مستحقات شركة جمع القمامة «غرين فور لايف» GFL، بسبب عدم التزامها بمواعيد ترحيل النفايات ضمن المواعيد المعتمدة، مما أثار تذمر وسخط السكان وأصحاب الأعمال التجارية.
وجاء قرار حمود في أغسطس الماضي بعد اجتماع مع مسؤولي الشركة، لمناقشة أسباب التقصير اضطراب الخدمة خلال الشهور الأخيرة بما يتناقض مع الشروط المنصوص عليها في العقد المبرم مع البلدية. وخلص حمود إلى قرار معاقبة الشركة في إطار موقف احتجاجي وتحذيري للشركة التي يقع مقرها الرئيسي في مدينة تورونتو الكندية.
جولة ميدانية
جالت«صدى الوطن» في العديد من منتزهات وأحياء ديربورن خلال الأسبوع الماضي، حيث رصدت انتشار الأوساخ والمهملات وبقايا الوجبات الغذائية في معظم الحدائق العامة، ولاسيما في الجانب الشرقي من المدينة، هذا عدا عن تراكم النفايات حول حاويات المطاعم والأسواق التجارية في الأزقة الخلفية، ومشاهدة بعض الأفراد من مختلف الأعمار وهم يرمون باستهتار مخلفاتهم على الأرض، سواء كان طفلاً قد فرغ لتوه من تناول لوح شوكولاتة أو رجل انتهى من تناول سندويش شاورما.
رغم تأكيد جميع من قابلتهم الصحيفة على ضرورة الاعتناء بالأماكن العمومية تحت عناوين: «النظافة مسؤولية الجميع»، و«النظافة تبدأ من المنزل»، و«النظافة ذوق وأخلاق»، إلا أن أحدهم لم يكد ينهي قوله حتى ألقى بعقب سيجارته أرضاً، وكأن شيئاً لم يكن.
من جانبه، حذّر شريف الجهمي من مغبة تراجع النظافة في ديربورن خلال الأعوام الأخيرة التي شهدت قدوم الكثير من المهاجرين الجدد الذين يجهلون حجم تأثير هذه المسألة على جودة المعيشة وأسعار العقارات في أحيائهم.
وأعرب الجهمي عن أسفه من تهاون الكثيرين مع النظافة العامة، وأضاف: «النظافة من الإيمان، الجميع يعرفون هذا، لكن البعض يعتبرون أنفسهم غير مسؤولين عن النظافة خارج منازلهم وأعمالهم التجارية بدعوى أنها تندرج ضمن مهام البلدية، ولكن الحقيقة هي أن الأمور لا تتجزأ، فمن يكن نظيفاً في منزله، سيكن نظيفاً في أي مكان».
الجهمي الذي يواظب على زيارة منتزه «فورد وودز» الكائن عند تقاطع شارعي فورد وغرينفيلد، أكد بأن بلدية ديربورن تقوم بمسؤولياتها بقدر الإمكان لضمان تنظيف وتجميل المدينة، «لكن ليس من المعقول أن توظّف مراقبين على جميع الأشخاص للتأكد من تقيدهم باللوائح المعمول بها». وأضاف: «إن سلوكيات احترام القوانين والأماكن العامة يجب أن تنبع من القناعة الشخصية للأفراد والعائلات وأصحاب الأعمال الذين ينبغي عليهم اعتبار الشوارع والحدائق والمرافق العامة جزءاً من منزلهم الكبير، وأن يحافظوا على نظافتها كما يحافظون على نظافة بيوتهم»، مستبعداً أن تنجح سياسة المخالفات الباهظة في ردع المستهترين عن مخالفة الأنظمة العامة.
من جانبه، عزا حسن بيضون انتشار الأوساخ والقاذورات في بعض أحياء ومنتزهات ديربورن إلى عادات المهاجرين الذين يفتقدون في بلدانهم الأصلية لثقافة الاهتمام بنظافة الشارع، وقال: «في بعض بلدان الشرق الأوسط، لازال بعض الناس يرمون زبالتهم من النوافذ أو الطوابق العليا بدون خجل أو تأنيب ضمير»، مضيفاً بالقول إن الكثير من المهاجرين لم ينجحوا بالتخلص من تلك العادات الرديئة، رغم أن البعض منهم قد انتقل للعيش في الولايات المتحدة منذ سنوات عديدة، ولكن «من شبّ على شيء، شاب عليه»، بحسب تعبيره.
ولفت بيضون إلى «التفاوت الواضح» في نظافة الأحياء والشوارع والمنتزهات بين غرب ديربورن وشرقها، وقال: «ما إن تقطع طريق الساوثفيلد وأنت تتجه شرقاً حتى تدرك الفرق فوراً». وأضاف: «الناس في غرب ديربورن يحرصون حتى على إزالة براز كلابهم من الشوارع بأكياس النايلون ويطرحونها في الحاويات المخصصة لجمع القمامة، وهذا يمكن أن يكون أكبر درس لمن يريد أن يرتقي بحسه الحضاري والمدني، لكن للأسف البعض يسخرون من تلك التصرفات بدلاً من تقديرها والاحتذاء بها».
وأكد بيضون –الذي يعمل في شركة محلية– بأن تراكم القمامة يبعث روائح كريهة ويجذب الذباب والبعوض خلال فصل الصيف، إلى جانب اجتذاب الجرذان والقوارض الأخرى، محذراً من تفاقم مشكلة الجرذان على وجه الخصوص. وقال: «إذا لم يتم تبني خطط صارمة لفرض النظافة العامة، في الشوارع والمنتزهات والأحياء، فقد تخرج مشكلة الجرذان عن السيطرة في مدينة ديربورن، كما يحدث في بعض المدن الأميركية الأخرى».
وحذّر بيضون من أن التقاعس في اتباع قواعد النظافة ورمي المهملات والأوساخ في الصناديق المخصصة تمهيداً لترحيلها أسبوعياً، يمكن أن يفاقم مشكلة التلوث البيئي، خاصة في فصل الشتاء، حيث تنطمر المهملات والفضلات تحت الثلوج لعدة شهور ما يزيد في صعوبة جمعها وترحيلها في الوقت المناسب.
فئة قليلة؟
أوضح سلام الكوفي، وهو من سكان ديربورن، بأن النظافة العامة هي «مشكلة مستعصية» في معظم المدن داخل وخارج الولايات المتحدة، بما في ذلك العواصم العالمية. وقال: «من الصعب ضبط الجميع وإلزامهم بخطة محددة في أي شأن من الشؤون… معظم الناس يلتزمون بالقواعد والأنظمة العامة، لكن عدم انصياع فئة قليلة للقوانين والأخلاقيات العامة يؤدي إلى ظواهر غير محبذة».
واقترح الكوفي مضاعفة المخالفات على منتهكي المراسيم المحلية المتعلقة بالنظافة واستثمار عوائدها في زيادة طواقم النظافة وتمويل فعاليات دورية لتنظيف الشوارع والمنتزهات وبقية الأمكنة الأخرى. وقال: «إن حادثة تغريم الشخص الذي اعتاد على رمي قمامته في الحديقة العامة بـ500 دولار، ستلقن الجميع درساً لا يُنسى، أما المواعظ فلن تأتي بالنتائج المطلوبة».
الحاجة منيرة الريحاوي، أكدت بأن منتزه «هيملوك»، القريب من شارع شايفر في شرق ديربورن، يستطقب الكثير من العائلات المحلية طيلة شهور الصيف، لافتة إلى أن معظم الناس يهتمون بنظافة الحديقة «قدر المستطاع»، لكن من «الصعب السيطرة على الأطفال الذين يأتون مع عائلاتهم»، على حد تعبيرها.
وأكدت منيرة التي تعيش في ديربورن منذ حوالي عشرين عاماً بأن الحفاظ على نظافة المنتزه هي من «مسؤولية الجميع، لكنك في نهاية الأمر لا تستطيع التدخل في تصرفات الآخرين»، وقالت: «النظافة هي أمر شخصي، لا أحد يمكنه أن يكون ضد النظافة، لكن البعض يتكاسلون ويتساهلون في هذا الموضوع بكل أسف».
وفي منتزه «ليفاغود» بغرب ديربورن، أكدت مريم بزي أن معظم الناس يحرصون على النظافة العامة في العموم، خاصة الأفراد والعائلات الذين يسكنون في الأحياء المجاورة، والذين يعرفون بعضهم البعض، لافتة إلى أن الحديقة الكبيرة تشهد العديد من الأنشطة الرياضية والاحتفالية لطلبة المدارس الذين يخلّفون في أحيان قليلة، بعض «الفوضى والمهملات البسيطة» وراءهم.
وأهابت مريم بجميع مدارس ديربورن توعية وتثقيف الطلبة حول مواضيع وسلوكيات النظافة العامة التي «لا ينبغي أن تكون مجرد فرض واجب، بقدر ما تكون سلوكاً طوعياً يعكس تحضر وأخلاق الفرد». وقالت: «في النهاية، هذا المكان للجميع، ولا يحق لأي شخص الإضرار بنظافته أو جماله»، واصفة بعض المهملين والمستهترين بقواعد النظافة بأنهم «أشخاص بلا ذوق».
واعتبر محمود الرفاعي أن التقيد بقواعد وسلوكيات النظافة هو «أمر ضروري وحضاري، لكن لا يمكن التعويل عليه إذا أردنا أن تكون ديربورن نظيفة كما نتمناها»، مشيراً إلى أن المدينة تجتذب الكثير من المهاجرين الجدد، إلى جانب المهاجرين القدامى الذين يقطنون في أحياء ديترويت المجاورة، ممن يعتبرون مسألة النظافة العامة «قضية ثانوية» بسبب تردي الخدمات البلدية في مدينتهم.
وقال الرفاعي إن الكثير من المهاجرين العرب الذين يسكنون في الأحياء المجاورة لديربورن يفضلون التسوق في المدينة، وكذلك ارتياد منتزهاتها «الآمنة» عوضاً عن زيارة الحدائق المنتشرة في مناطقهم التي تعاني من آفات عديدة مثل العنف وتعاطي المخدرات.
وحثّ الرفاعي جميع سكان ديربورن على التعاون مع إدارة رئيس البلدية عبدالله حمود في مجمل القضايا التي يحملها على عاتقه، وفي مقدمتها مكافحة القيادة المتهورة وتكريس سلوكيات النظافة العامة.
وقال إن العرب الأميركيين في ديربورن أثبتوا جدارتهم في المدينة التي تتميز بالأمان الملحوظ، وبنجاح الأعمال العربية التي تستقطب أسواقها ومطاعمهما ومقاهيها الكثير من سكان المدن المجاروة، مستدركاً بأن أهالي المدينة تقع عاتقهم أيضاً «مسؤولية إضافية» تتمثل بالحفاظ على سمعة ومكانة ديربورن، بوصفها «عاصمة العرب الأميركيين» في الولايات المتحدة.
Leave a Reply