خليل رمَّال
تشير بعض الأبحاث الجديدة إلى حقيقة أنه حتى أخف أشكال العقوبة البدنية، مثل الضرب والتقريع والزجر، تسبب تغييرات فـي كيمياء الدماغ لدى الأطفال وتؤدي الى جروح نفسية عميقة على المدى الطويل.
ومؤخراً إحتل إسم لاعب فريق كرة اليد «مينيسوتا فايكنغ»، النجم إدريان بيترسون، العناوين الرئيسية فـي الأيام القليلة الماضية، ليس بسبب مهارته الرياضية المتفوِّقة فـي الملعب فقط، بل أكثر من ذلك بسبب طريقة تأديبه لأولاده.
فقد اتُّهم نجم «رابطة الفوتبول الوطنية» «أنْ أف أل» بالتسبُّب الطائش أو المهمِل بأذية إبنه البالغ من العمر ٤ سنوات فـي الأسبوع الماضي عبر استخدام فرع شجرة لضربه، مخلِّفاً على جسده علامات وندوباً وجروحاً مرئية وواضحة. وأثار الخبر الجدل حول ماهية حدود الضرب عندما يتعلق الأمر بتأديب الأطفال، وما إذا كان الضرب بالأصل ينفع فـي تربية الأولاد. وقالت أبريل مان، البالغة ٣٨ عاماً من سكان مدينة «ساوث غيت»، وهي أمٌّ لثلاثة أولاد تتراوح أعمارهم بين ٧ و ١٠ و١١ سنة، إنها لا ترى مشكلة فـي الضرب الخفـيف ولكنها تعتقد أنَّ بيترسون تجاوز الحدود إلى حد بعيد.
وأضافت وهي تهز رأسها باستنكار «عندما تخرج من البيت خصِّيصاً من أجل إيجاد فرع من شجرة وإزالة الأوراق عنها واستخدامها «لضرب طفل» بالغ من العمر ٤ سنوات شيء، واستخدام يدك أو الحزام لتأديبه شيءٌ آخر. ولكنك أبداً لا تعنِّف طفلاً فـي سنته الرابعة بهذه الطريقة، لأن الاطفال لا لا تفيدهم هذه الوسيلة».
وأردفت مان قائلةً «أنا واثقة من أن هناك أناس يقومون بما هو أسوأ بكثير، ولكن إدريان بيترسون وأطفاله هم فـي عين الجمهور، ولهذا يحظون بكل هذا الاهتمام».
وأقرَّت مان بأنَّها قد تضرب أولادها عندما تتطلَّب الظروف ذلك، فأنا لست خائفة من زجر أطفالي. فالضرب لم يصب بأذى أي من «جيلنا»، وهو كذلك لن يؤذيهم. إذا كانوا لا يسمعون الكلام يحصلون على إنذارات متعددة، ثم «إذا لم ينفع هذا الإجراء التأديبي» عليهم الذهاب إلى غرفهم. فـي نهاية المطاف، الضرب سوف يأتي لا محالة إذا كان له ما يبرِّره.
وخلصت إلى القول «أيضاً نود أنْ نستخدم مع الأولاد الإغراء الإيجابي. فإذا كانوا يسمعون الكلام، قد يحوزون على مكافأة قدرها ساعة كاملة لمشاهدة التلفاز».
وقالت الدكتورة شونا لي، وهي أستاذة مساعدة بقسم الإرشاد الاجتماعي فـي «جامعة ميشيغن»، إنَّ البحوث تبين بأنَّ اثنين من كل ثلاثة آباء أميركيين يضربون أطفالهم. وتظهر الأبحاث التي قامت بها إقرار ٣٠ بالمئة من الآباء بأنهم يضربون الأطفال حتى الصغار منهم فـي سنتهم الأولى. وأضافت «إنَّها مسالة مثيرة للقلق لأن هذا التأديب يُنظر إليه على أنه غير مؤذٍ وأنه نوعٌ من الانضباط».
وأشارت الدكتورة لي، التي تعاونت على البحث مع الدكتور أندرو غروغان-كيلور وهو أيضاً أستاذ مساعد بقسم الإرشاد الاجتماعي فـي جامعة ميشيغن، إلى أنَّ الناس يقولون أمي استعملت الضرب وأنا كبرت ولم يحصل لي شيء، ذلك أنّ معظمنا كنَّا نواجه الضرب حين كنا أطفالاً … ولكن ما ينبغي لنا أنْ نقول للآباء هو أنْ يستعملوا استراتيجيات أخرى وليس الضرب فقط. وما كنا نعتبره انضباطاً عادياً فـي لحظة الغضب أو الإحباط يمكن أن يتحول بسهولة الى «تأديب» مفرط جداً بقساوته.
وأوضحت «أنَّ ملخَّص البحث واضح وهو: حتى الضرب فـي بعض المناسبات يمكن أنْ يكون له تأثير ضار على الطفل، مما قد يؤدي به لاتباع سلوك أكثر عدائية أو ينتابه القلق والاكتئاب».
وأفادت الدكتورة اليزابيث غيرشوف، وهي أستاذة مساعدة بقسم الإرشاد الاجتماعي فـي «جامعة تكساس – أوستن» عكفت على دراسة آثار الضرب لمدة ١٥عاماً «لقد وجدت من خلال دراسات مختلفة بأنه كلَّما زاد ضرب الأطفال كلَّما تضاءل إحتمال تحسين سلوكهم، بل أنه فـي الواقع يؤدي إلى تأثير معاكس لما يريده الآباء».
وأضافت «هذا مصدر إقلاق راحة للأطفال عندما يتعرضون للضرب من قبل شخص يحبونه ويثقون به. تخيَّل أنَّ شخصاً يقدِّرونه يقوم بأذيتهم وتخويفهم. إنهم ربما يصبحون دائماً خائفـين وقلقين جداً، وهناك الكثير من الأوقات سيشعرون فـيها بالغضب من الأهل ويمكن لتلك المشاعر أنْ تكون لها آثار متعددة مع مرور الوقت مما يجعلهم يفقدون الثقة. وكلما زاد ضرب الأطفال، كلما ازدادت عدوانيتهم، وخفَّ إحتمال أنْ ينخرطوا فـي السلوكيات الاجتماعية«البنَّاءة» مثل المشاركة، كما من المتوقع أنْ يُعانوا من مشاكل إجتماعية مثل القلق والاكتئاب».
بالنسبة إلى الآباء والأمهات الذين قالوا إنهم ضربوا أطفالهم البالغين من العمر سنة واحدة أثناء الدراسة التي أجراها الدكتوران لي وغروغان- كيلور والتي نُشرت فـي آذار (مارس) فـي المجلة «الدولية لإساءة معاملة الأطفال وإهمالهم»، فقد تم التحقيق مع حوالي ١٠ بالمئة من هؤلاء الأهل من قبل خدمات «حماية الأطفال الحكومية» مع بلوغ الطفل سن الخامسة.
وقال الدكتور غروغان – كيلور «يعتبر الناس بأنَّ العقاب البدني أو الضرب هو إجراءٌ تصحيحي، ولكن ما يظهره هذا البحث هو أنه جزء من استمرار العنف، وأنه يمكن أنْ يكون منزلقاً يؤدي إلى سوء المعاملة».
الدكتورة غيرشوف لاحظت أنه لا يوجد تعريف فـيدرالي حول متى ينقلب الانضباط من تأديب إلى سوء معاملة، بدلاً من ذلك، تُرك الأمر لكل ولاية لوضع الضوابط وتحديد التعريفات، ورغم ذلك فإنَّ تعريف الإساءة يمكن أن يبقى غامضاً. العديد من حكومات الولايات تقول إنَّ الإساءة تقع إذا استخدم الوالدان العقاب البدني المفرط. ويُترك الأمر عادة للقضاة والأخصائيين الاجتماعيين ليحدِّدوا ما هو المفرط والمعتدل. ومعظم الوقت، فإن ما يدفع هؤلاء «لرد الفعل» هو عندما يُصاب الطفل بجروح لا تندمل حتى بعد ٢٤ ساعة، مثل الإصابة بشق جلدي أو كدمات أو كسر فـي العظم.
وأضافت «هذا هو السبب فـي أنَّ إدريان بيترسون تخطَّى الحدود بتركه جروحاً دائمة. وتشير بعض الأبحاث الجديدة أنه حتى أخف أشكال العقاب البدني مثل الضرب، تسبب تغييرات فـي كيمياء الدماغ لدى الأطفال».
واستطردت «لقد عرفنا أنَّ الإعتداء الجسدي سيء جداً للأطفال، ليس بسبب الإيذاء البدني فقط، بل أنَّ أي نوع من الضرب يمكن أنْ يضر الأطفال، وربما يتسبب فـي الواقع بتغيير عقولهم … هناك شيء ما يحدث فـي الدماغ، حيت تتوقف بعض أنواع من الوصلات العصبية عن العمل بشكل طبيعي فـي مخ الطفل الذي يتعرَّض للتقريع كثيراً، مقارنةً مع طفل لا يواجه «نفس التأديب البدني».
وقالت ستايسي ميللر، التي تبلغ من العمر ٣٩ عاماً وهي أمٌّ لطفلين ومقيمة فـي بلدة «براونستاون»، أنها لن تضرب طفليها البالغيَن ٤ و ٧ سنوات قائلةً أنها تستعيض عن ذلك بإستخدام «وقت الهدوء والتروي».
وذكرت ميللر«عندما تبدأ الأمور بالتدهور، تعلم الطفلين بالإشارة كيف يتناولان كتابين ويجلسان على الأرض. حتى ولدي البالغ من العمر ٤ أعوام ولا يستطيع القراءة بعد، إلا أنَّه يتخذ كتاباً وينظر إلى الصور فـي الكتاب. بدأت هذا التدبير عندما كان عمره عاماً واحداً، وأخته كان عمرها سنة وعشرة أشهر. ولم نطلق على هذا التدبير كلمة «مهلة العقاب الضائع» (تايم آوت)».
وختمت ميللر بالقول «بكل بساطة هذه هي القاعدة العملية وهي تصلح».
المنهج البديل للتأديب من خلال الضرب
ويقول الخبراء إنَّ التعزير الإيجابي هو أفضل وسيلة لتعليم الأطفال على حسن التصرف، ولتنمية ذلك السلوك لدى الأطفال الذين هم أصغر سناً، يُقترح إعادة توجيه الأطفال الى القيام بأنشطة مختلفة عندما يسيئون التصرف، حسب الدكتورة شونا لي، الأستاذة المساعد فـي الإرشاد الاجتماعي بـ«جامعة ميشيغن». وتقترح الدكتورة لي القيام بالتالي:
– التحضُّرللقيام بأشياء أخرى بالنسبة لهم وتشتيت ذهنهم عن ما لا ينبغي لهم القيام به.
– وضع افتراضات واقعية حول ما يمكن لطفل فـي هذا السن القيام به وإلى متى.
– الحديث مع الطفل عن سوء السلوك، وفـي نفس الوقت امتداح ومكافأة السلوك الجيد.
وقالت الدكتورة إليزابيث غيرشوف «بالنسبة للأطفال الأكبر سناً فإنَّ التركيز على الجانب الإيجابي يعمل أيضاً. واذا أُضفـي الثناء عليهم، فإنهم يتوقون إلى المزيد منه، ولكن عندما تقع الأشياء السلبية نسارع نحن إلى الرد، غير أن الضرب أبداً ليس ضرورياً فـي أي وقتٍ من الأوقات. اطلبوا منهم تعديل سلوكياتهم وتحدثوا معهم حول آثار السلوك على الأطفال الآخرين سلباً أو إيجاباً».
وأردفت «المهل العقابية (تايم آوت) ليست جيدة، وهي لا تعلِّم أي شيء حقيقي، يمكن أن تساعدهم على التهدئة قليلاً لكن على الأهل القيام بعملية التحدث معهم أكثر للتوضيح لهم خطأ ما فعلوه والطلب منهم إعادة المحاولة».
وقالت «يمكن أخذ بعض الامتيازات منهم وهذا قد يفـيد كذلك، ولكن منح امتيازات مجزية للسلوك الحسن هو نهج أفضل. فإذا قلت مثلاً لطفلك:إذا أنجزت فروضك المدرسية
عند السادسة مساءً ستحصل على ٣٠ دقيقة من مشاهدة التلفزيون، أفضل من أن تقول أنا سآخذ منك وقت مشاهدة التلفزيون إذا لم تنتهِ من أداء واجبك المدرسي. الطريقة الاولى أكثر فعالية».
وشرحت «إنَّ ذلك يعلمهم التخطيط ويمنحهم فرصة التحكُّم والسيطرة. انها نتيجة طبيعية، ويجعل الأمور أكثر ترابطاً. إذا قمت بإبراز الامتيازات التي يمكن للأطفال أن يكسبوها بدلاً من أن تنتزعها منهم، تصبح فرصة التعليم أفضل، ثم ان هذه الطريقة تتيح لهم العمل لغايةٍ ما، بدلاً من مواجهة احتمال فقدان شيء ما».
البلدان التي تحظر العقاب البدني
حسب ٣٨ بلداً حول العالم، يُعتبر الضرب فـيها -أو أي شكل من أشكال العقاب البدني ضد الأطفال- مخالفاً للقانون.
وقال الدكتور أندرو غروغان – كيلور «هناك ما يقرب من ٤٠ دولة قررت حظر العقاب البدني داخل الأسرة وفـي المدارس» وأضاف «إنَّ هذا الموضوع هو محل محادثات عالمية، ونحن خارج نطاق هذا الحديث عندما يتطرق الموضوع إلى كيفـية التعامل مع الأطفال».
أما البلدان التي حظرت العقاب البدني للأطفال فهي:
ألبانيا، النمسا، البرازيل، بلغاريا، كوستاريكا، كرواتيا، قبرص، الدنمارك، فنلندا، ألمانيا، اليونان، هندوراس، المجر، أيسلندا، إسرائيل، كينيا، لاتفـيا، ليختنشتاين، لوكسمبورغ، مالطا، هولندا، نيوزيلندا، النرويج، بولندا، البرتغال، جمهورية الكونغو، جمهورية مقدونيا، جمهورية مولدوفا، رومانيا، جنوب السودان، اسبانيا، السويد، توغو، تونس، تركمانستان، أوكرانيا، أوروغواي، فنزويلا.
عن صحيفة «ديترويت فري بريس»
Leave a Reply