أوباما يدافع عن انتهاج الدبلوماسية فـي السياسة الخارجية
بعد أشهر من تعرض إدارته لانتقادات لاذعة، لم يقدم الرئيس الأميركي باراك أوباما، أي جديد في خطاب ألقاه يوم الأربعاء الماضي في أكاديمية «وست بوينت» العسكرية في نيويورك، بل كرّس انطباعاً سائداً بأن أميركا لم تعد «ترغب» بلعب دور «شرطي العالم» إنما بدأت تميل الى لعب دور «إطفائي العالم» وذلك على خلفية تطورات الأزمتين، السورية والأوكرانية، اللتين كرستا قاعدة جديدة متعددة الأقطاب على الساحة الدولية.
ودافع أوباما في خطاب «وست بوينت» عن سياسته تجاه الأزمة السورية، مشدداً على انه سيواصل إلى جانب حلفائه في أوروبا والعالم العربي الضغط من أجل حل سياسي لهذه الأزمة و«التأكد من أن تلك الدول، وليست الولايات المتحدة فقط، تساهم بشكل عادل في دعم الشعب السوري». وقال أوباما «بصفتي الرئيس فقد اتخذت قرارا بضرورة عدم الزج بالقوات الأميركية في خضم هذه الحرب التي تتزايد طبيعتها الطائفية واعتقد ان هذا هو القرار الصائب».
وقال «بقدر ما يبدو الأمر محبطاً، ليس هناك جواب سهل، ولا حلاً عسكرياً يمكن أن يوقف المعاناة في مستقبل قريب»، وأضاف «كرئيس اتخذت قراراً بعدم إرسال قوات أميركية إلى وسط هذه الحرب الأهلية، واعتقد انه كان القرار الصائب، لكن هذا لا يعني أننا لا ينبغي أن نساعد الشعب السوري في النضال ضد ديكتاتور يقصف شعبه ويجوعه». ووعد بزيادة الدعم الأميركي للمعارضة السورية، وقال «سأعمل مع الكونغرس لزيادة الدعم لهؤلاء في المعارضة السورية الذين يقدّمون أفضل بديل عن الإرهابيين والديكتاتور الوحشي». واعتبر أن مساعدة المعارضة المسلحة تجيز للولايات المتحدة «كذلك تقليص عدد المتطرفين الذين يجدون ملاذاً وسط الفوضى».
ورسم أوباما في كلمة بقاعدة وست بوينت أسلوبا عاما للتعامل مع الشؤون الخارجية خلال الفترة المتبقية من رئاسته يتضمن نقل المعركة ضد الإرهاب من أفغانستان إلى مواجهة تهديدات متفرقة في أماكن أخرى من العالم.
الرئيس أوباما لحظة وصوله الى أكاديمية وست بوينت في نيويورك، الأربعاء الماضي. |
صندوق دولي لمكافحة الإرهاب
وأعلن أوباما عن تقديم بلاده خمسة مليارات دولار لانشاء صندوق لـ«مكافحة الارهاب» لدعم جهود الحكومات حول العالم لمواجهة «التطرف».
وقال، أوباما في خطاب ألقاه في قاعدة «وست بوينت» العسكرية، إن الأموال ستوجه بالاساس لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ودول شرق آسيا. وأضاف أن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان سيوفر بعض مصادر الدخل لدعم جهود مواجهة التهديدات الجديدة.
وقال «أدعو الكونغرس إلى المصادقة على انشاء صندوق لمكافحة الارهاب بقيمة خمسة مليار دولار الذي سيمكننا من تدريب ودعم الدول التي تقف في الخطوط الامامية». وأضاف أن الأموال ستوجه لمهام مثل تدريب قوات الأمن في اليمن ودعم قوات حفظ السلام في الصومال والتعاون مع الحلفاء الاوروبيين لدعم وتدريب القوات في ليبيا ومالي.
كما تعهد أوباما بزيادة دعم المعارضة السورية مشددا على أن بلاده لا يجب أن تندفع في التدخل العسكري في دول اجنبية.
وجاء الخطاب كمحاولة لاعادة صياغة للدور الذي تقوم فيه الولايات المتحدة في الصراعات الدولية من الدولة التي تتدخل عسكريا عند الضرورة إلى الدولة التي تحاول مد يد العون في اطار اجماع دولي، بحسب «بي بي سي».
وشدد أوباما على ضرورة «تفعيل أدواتنا الأخرى من بينها الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية وفرض العزلة واللجوء للقانون الدولي وعدم اللجوء الى التدخل العسكري متعدد الأطراف إلا عند الضرورة القصوى». وأشار إلى أن القرارات الدولية الجمعية بشأن التدخل العسكري يزيد من احتمال نجاحه ويقلل من نسبة الاخطاء الفادحة التي قد تنتج عنه.
وجاء خطاب وست بوينت ضمن سلسلة مواقف يعتزم أوباما القاءها رداً على الانتقادات الموجهة الى السياسة الخارجية الحالية بأنها تتسم بـ«الضعف».
وطرح الرئيس خطة يوم الثلاثاء الماضي لسحب كل القوات الأميركية من أفغانستان باستثناء 9800 جندي بحلول نهاية العام الحالي على أن يتم سحب الباقين بحلول نهاية 2016 لانهاء أكثر من عقد من التدخل العسكري الأميركي هناك.
ودفع تركيز الرئيس على الدبلوماسية والاحجام عن استخدام القوة العسكرية بعض الدبلوماسيين الاجانب إلى التحسر في احاديث غير رسمية على ما يعتبرونه غياباً للزعامة الأميركية بعد أكثر من خمسة أعوام من رئاسة أوباما استغرق الكثير منها في انعاش الاقتصاد الأميركي المثقل بالمشاكل.
وقال بوب كوركر العضو الجمهوري الكبير في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي «يوجد تردد وحذر شديدان يثيران قلق الناس». وأضاف «لا أنادي بحراسة العالم لكنني اعتقد أن غياب زعامتنا خلق فراغا وأتصور ان المشكلات تنشأ داخل هذا الفراغ».
ودافع أوباما بقوة عن استخدام مؤسسات متعددة الأطراف لمعالجة مشكلات عالمية. وقال إن الزعامة الأميركية ساعدت بقية العالم في عزل روسيا بعد تدخلها في أوكرانيا وأن هناك امكانية حقيقية لتحقيق انفراجة مع إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي رغم الخلافات القائمة منذ فترة طويلة.
يحتفي بعيد الشهداء
بعد ساعات من عودته من زيارة مفاجئة للجنود الأميركيين في أفغانستان، شارك الرئيس باراك أوباما في مراسم عيد الشهداء، مكرّما الجنود الأميركيين الذين سقطوا في الحروب السابقة جميعها. وقال أوباما في خطاب ألقاه الاثنين الماضي في مقبرة آرلينغتون القريبة من واشنطن إن أقارب الضحايا هم «الوطنيون الذين قدموا أكبر تضحية لبلادهم» وإن الكثيرين «لن يعرفوا مستوى الشجاعة التي تمتع بها أولئك الذين فقدوا ابناً أو زوجاً أو أخاً أو أختاً أو صديقاً في الحرب».
وأشار أوباما الذي يستعد حزبه لخوض انتخابات نصفية حاسمة هذا الخريف إلى أن الحرب في أفغانستان وصلت إلى «لحظة محورية»، وذلك قبل إعلانه عن خطته لإنهاء الحرب التي بدأها سلفه جورج بوش.
وألمح أوباما إلى الفضيحة المتعلقة بتقارير عن تقصير وزارة شؤون المحاربين القدامى المتهمة بالتأخير في معالجة المصابين في ولاية أريزونا. وقال أوباما إن الولايات المتحدة مدينة لهؤلاء الجنود السابقين وينبغي أن تقدم لهم العناية الصحية التي يحتاجونها. وكان برفقة أوباما زوجته السيدة الأولى ميشيل ونائب الرئيس جو بايدن وزوجته جيل ووزير الدفاع تشاك هايغل والجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي.
وأقيمت في أنحاء الولايات المتحدة احتفالات في يوم ذكرى المحاربين الذي يقام يوم الاثنين الأخير من شهر أيار (مايو) من كل عام تتضمن مسيرات ونزهات وخطابات. ويقوم بعض المحاربين القدامى بجولات على الدراجات النارية تطالب بمزيد من العناية بالجنود السابقين واستمرار البحث عن مصير المفقودين الأميركيين في حرب فيتنام.
Leave a Reply