رمقني أبو ابراهيم بنظرة حائرة. أطرق قليلا، ثم توجه الي بسؤال بدا لي من أمارات وجهه أنه أمضى سحابة من الوقت في عراك معه.
“أريد أن أعرف يا أخي.. كنت أشاهد شريط الأخبار على شاشة الجزيرة، وقرأت فيه أن أحمدي نجاد قال: أؤكد لكم أن اسرائيل اقتربت من النهاية”.
ما الجديد في الأمر؟ سألت جليسي، لقد قالها أحمدي نجاد أكثر من مرة.
لكن أريد أن أفهم هل هو فعلا يعني ما يقول؟ وماذا لو صدر هذا الكلام عن زعيم عربي؟ ألا تقوم قيامة العالم عليه؟ لماذا أحمدي نجاد دون غيره يجرؤ على الاتيان بهذا الكلام؟
“لا يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” بهذه الآية الكريمة حاولت تلطيف مرارة أبو ابراهيم. الرجل الفلسطيني الذي لطالما سمعت منه الشكوى من حال العرب التي لا تسر صديقا.
و”أبو ابراهيم” يتسقط أخبار ايران الاسلامية ومواقف قادتها ويحملها الي خاما طالبا مني “تكريرها” في عجالة ارتشاف فنجان القهوة الذي نلتقي حوله بالصدف التي باتت أقرب الى المواعيد.
لا أبخل على صاحبي بتحليل مرتجل من هنا، وتعليق سريع من هناك، محاولا ارضاء فضوله لمعرفة حقيقة ما يجري في بلادنا. لكن “أبو ابراهيم” تبدو عليه أعراض الحيرة المزمنة من “زعماء بلادنا” كما يحلو له الاشارة اليهم.
يلتقط أبو ابراهيم الاشارات الصادرة عن أحمدي نجاد ويحملها الي كالصيد الثمين الذي يهدىء قلقه والملايين من أقرانه الفلسطينيين الذين يشاهدون هذه الآونة كيف تضمحل قضيتهم أمام أعينهم بالصوت والصورة المنقولين عبر الفضائيات.
“يا أخي هادولا اليهود شعب مكّار” عبارة لطالما رددها أبو ابراهيم على مسامعي وأقرنها بشواهد من تجربة بدايات حياته تحت الاحتلال قبل هجرته الى أميركا.
لا يخفي صاحبي امتعاضه ويأسه من الموقف الأميركي المنحاز بصورة عمياء الى جانب الباطل اليهودي على حساب الحق الفلسطيني والعربي.
أحسست في المرة الأخيرة من جلسة استعراض واقع العرب والمسلمين التي يعقدها معي ابو ابراهيم “على الواقف”. أن علي عدم الاكتفاء بتعليقاتي المقتضبة وترك صاحبي نهبا للأسئلة التي تؤرق استقراره النفسي والعاطفي على ضوء الحال المزرية التي انتهت اليها قضية شعبه الفسطيني:
اسمح لي يا ابو ابراهيم، توجهت اليه بالسؤال، من يصنع سياسة أميركا؟
الرئيس والكونغرس، أليس كذلك؟
هز رأسه موافقا، فأردفت: من يمول الحملات الانتخابية في اميركا؟ أليست الشركات الكبرى، وأصحاب رؤوس الأموال البارزين؟
بالتأكيد، أجابني.
من يملك هذه الشركات ورؤوس الأموال؟
“اليهود”، صرخ “أبو ابراهيم” واثقا من اجابته وضرب بكفه على “الكاونتر” بحركة تمزج بين القناعة والغضب.
“هاي هيي الكصّة كلها.. معك حك والله يا رجل احنا اللي ما بنسواش”، قال أبو ابراهيم بلكنته الفلسطينية البكر.
أردت تبسيط “القصة” أكثر ليكون ابو ابراهيم على بينة مما اقول:
اليهود في أميركا اذا جاءهم زائر من اسرائيل “عليه العين” ماذا يفعلون؟ يقومون بتكريم اسرائيل من خلاله باحتفال واحد او اثنين على الأكثر لجمع التبرعات لدولة اليهود وتمويل مشروعاتها الاستيطانية والتوسعية؟
لكن ماذا نفعل نحن عندما يأتينا زائر من البلاد العربية؟
صمت صاحبي وعلى وجهه علامات الاستفسار قبل أن أضيف: نقيم للزائر دزينة أو دزينتين من المآدب “التكريمية” نصرف لها عشرات ألوف الدولارات، خلال أيام قليلة دون أن يرف لنا جفن، ونمضي مطمئنين الى أوضاعنا “الزعامية” والوجاهية لكأننا حققنا فتحا مبينا في عالم الاجتماع والسياسة، بانتظار زائر جديد نتقيأ في حضوره وأمام حشود المدعوين كل العقد التي تنتفخ بها نفوسنا، ونملأ بطوننا بلذيذ الموائد، فيما عقولنا تستمر في خوائها وعقمها.
“والله حالتنا حالة، يارجل” قالها ابو ابراهيم قبل ان ينصرف كلانا الى عمله، بانتظار صدفة جديدة تجمعنا وهم آخر نتقاسمه.
Leave a Reply