لم يعد مفاجئا أن يصدر سيادة الرئيس قرارا من المنصة أثناء إلقائه كلماته التاريخية فقد تعودنا منه ذلك كثيرا، حيث أصدر مئات القرارات الإرتجالية في خطبه مع الجماهير التي تصفق وتنسى تلك القرارات التي ينساها الرئيس بعد فراغه من الحديث مباشرة، لأنه يصدر قراراته بدون تخطيط مسبق أو استشارة لمستشاريه الكثر وتشاور مع أركان حكمه ونظامه، وهو بأسلوبه هذا يثبت لنا أنه أبعد الناس عن معرفة دولة المؤسسات التي قال لنا أنه بناها وأوجدها، مثلما أنه أيضا أبعد الناس عن معرفة المعاهد والمدارس الإستراتيجية التي روى لنا إعلامه العرمرم أنه في قراراته يستند الى توصياتها.
في غضون أسبوع واحد أصدر الرئيس من المنصة قرارين متناقضين في مشكلة واحدة، فالأول جاء ليؤكد أنه سينهي التمرد في صعدة بقوة السلاح مع من يريدون إعادة الحكم الإمامي الى البلاد حسب وصفه، والثاني جاء ليقول أنه قد أنهى الحرب في محافظة صعدة منذ ثلاثة أيام وبشر بنهايتها وعدم عودتها الى الأبد، وذلك بالطبع ما نتمناه ونرجوه لأن تلك الحرب الخاسرة حرب عبثية سالت فيها دماء الأبرياء وأعاقت الوطن بأكمله، وإن كانت محافظة صعدة الأكثر تأثراً حيث كانت بأمس الحاجة لصرف جزء يسير من نفقة الحرب التي قيل أنها تجاوزت المليار دولار في التعليم والصحة وشق الطرقات لا أن تكون مسرحا للقذائف والصواريخ والدمار، ولو حدث ذلك لكانت في غنى عن اعتبارها محافظة تنمية كما قال فخامته في خطابه الأخير وقراره المرتجل.
من المنجزات العظيمة للرئيس قدرته العجيبة في ابقاء الشعب في دوامة التساؤلات عن حقيقة الأحداث التي تعصف بالوطن، والتي تتحول لمجرد أحداث عادية تتوه خطورتها وتتقزم مآسيها في تحليلات وتصريحات النخبة السياسية والاعلامية. لذلك، وسيرا على ذلك المنجز الرئاسي لم نعلم حتى اليوم، كشعب من حقه أن يعلم، السبب الحقيقي لتلك الحرب، مثلما أننا الآن نتسائل عن السبب الحقيقي في إيقافها، وذلك ما يبقينا في دوامة التساؤلات بهدف معرفة الحقيقة التي ستظل وحدها خلاصة الدرس الذي يجب أن نتعلم منه حتى لا تتكرر الأخطاء مرة أخرى.
لا يمكن أن تبنى الأوطان بأسلوب كأسلوب نظام بلادنا، ومن أراد أن يعرف السبب الحقيقي لفشل النظام فعليه أن يتمعن في حرب صعدة التي بدأت واستمرت خمس سنوات سقط وجرح فيها الآلاف وشرد عشرات الآلاف، دمرت مئات المنازل والمباني بدون أن نعرف لماذا!، ومن المستفيد، ومن يتحمل المسؤولية!. ولأننا نعيش في دوامة رئاسية خاصة فقد عجزنا عن الوصول الى الحقيقة التي تاهت في تحليلات وتخمينات قد تكون مجتمعة أو منفردة سبب تلك الكارثة التي قيل أنها حدثت نتيجة للأسباب التالية:
– قال البعض أن الحوثيين رددوا ورفعوا شعار الموت لأميركا-الموت لأسرائيل، وذلك ما أغضب السلطة الموالية لأميركا فشنت الحرب بغرض إسكات ذلك الترديد وإنزال ذلك الشعار، وزاد البعض بقولهم أن أعلام حزب الله وصور السيد حسن نصر الله رفعت أيضا في سماء صعدة من قبل الحوثيين وهو ما بدا أمرا غير مرغوب فيه من قبل السلطة.
– ذهب البعض في رأيهم الى إلقاء اللوم على سياسة «لعبة التوازن» التي يمارسها الرئيس من أجل الحفاظ على كرسيه وحكمه، فهو من دعم الحوثيين وأوجدهم بغرض التصدي للدعوة السلفية النشطة في محافظة صعدة، والوقوف أمام حزب الاصلاح الذي لم يعد «كرتا» بيده، وبقدرة قادر فقد الرئيس سيطرته على الحوثيين وانقلب السحر على الساحر وحدث ما حدث.
– رأى البعض في تصريح وتحليل عجيب بأن الأمر مدبر بين الطرفين أي الرئيس والحوثيين واستدلوا على ذلك بإيقاف الحرب أثناء الانتخابات الرئاسية التي صوتت فيها المحافظة للرئيس الصالح.
– في رأي آخر قال البعض بأن الرئيس قدم الدعم المالي والعسكري للحوثيين من أجل استخدامهم في إسكات معارضيه خاصة في محافظات الجنوب، وعند طلبه منهم ذلك تم رفض الأمر فشن الحرب عليهم.
– من التحليلات أيضا، قول البعض أن الدولة سعت في بسط نفوذها على المحافظة بهدف كسر نفوذ القبيلة بفعل ضغوط دولية، فلقيت مواجهة تحولت الى حرب استمرت خمس سنوات.
– المؤامرة الخارجية لم تغب من التحليلات فتم إتهام دول بدعم التمرد والمتمردين وكانت إيران المتهم الأول ثم لحقتها ليبيا والبحرين.
– من الآراء أيضا ذهاب البعض الى مسألة الخلافات داخل دار الرئاسة «عسكريا»، فكان الهدف من تلك الحرب إضعاف جناح يقوده علي محسن الأحمر من أجل تقوية جناح يقوده احمد علي «ابن الرئيس» حتى يصل الى سدة الحكم ويجلس على الكرسي بهدوء وسلام.
– يعتقد البعض أن حرب صعدة مثلت مكسبا ماديا مربحا للسلطة التي عرف عنها المتاجرة بكل شيء، فتم استغلال المملكة العربية السعودية التي فتحت خزائنها بسخاء كما يقال خوفا من وصول تأثير أحداث صعدة ألى أراضيها القريبة من المحافظة.
تلك أقرب الأسباب التي يقال أنها سببت الحرب، ومن الواضح أن أحدا لم يستطع الخروج من الدوامة بالسبب الأصح ولعل ذلك أيضا ما جعل الجميع يعتمدون على الآراء في معرفة من المهاجم ومن المدافع، ومن أفشل الوساطات المتكررة خاصة الوساطة القطرية. غير أن الأمر اختلف قليلا في معرفة من أوقف الحرب وأعلن نهايتها مع ملاحظة بقاء سبب وقف الحرب في دائرة التحاليل، حيث اتضح أن الرئيس نفسه أوقف الحرب بمكالمة تلفونية واحدة مع السيد عبدالملك الحوثي القائد الميداني للحوثيين، حدث فيها تفاهم شفهي أدى الى نهاية طالب بها الشعب منذ خمس سنوات، وسيظل سر تلك المكالمة محل تحليل دائم بغرض معرفة سبب وقف الحرب، وحتى هذه اللحظة انحصرت التحليلات في التالي:
1-عجز القوات المسلحة عن تحقيق أي نصر ملموس بل على العكس من ذلك تعرضت لخسائر في كل المحاور والواضح أن كلام السيد يحيى الحوثي بحصار قادة عسكريين بدا حقيقيا خاصة مع مقتل قادة كبار في الأسابيع الماضية فجاء قرار نهاية الحرب بقناعة استحالة تحقيق أي نصر بعد أن شارك الجيش بمختلف مسمياته مستخدما كافة أنواع الأسلحة الثقيلة.
2-توسع المعارك وافتتاح العديد من الجبهات الجديدة كبني حشيش-حرف سفيان واشتعال المعارك في محافظ الجوف ولعل ذلك ما دفع الرئيس الى اعلان نهاية الحرب خوفا من تطور الاحداث لمصلحة الحوثيين.
3-الرأي الأقوى ماذهب اليه الكاتب المعارض عبدالرحيم محسن في تصريح لموقع «التغيير» حيث قال أن سبب قرار الرئيس بوقف الحرب أتى خوفا من ملاقاته لمصير مماثل لمصير الرئيس البشير الذي صدرت بحقه مذكرة إيقاف بصفته مجرم حرب.
4-من الآراء أيضا قول البعض باستياء الرئيس من كتابات لمعارضين في الخارج عيروا الرئيس بمحنته في صعدة.
لا يمكننا هنا أن نصل الى مرحلة تغليب رأي على آخر بهدف معرفة الحقيقة، سواء في اعلان الحرب أو إيقافها، لكن يمكننا القول أن الرئيس سيظل في نظرنا المسؤل عن تلك الحرب وذلك ما أعلنه بنفسه قبل سنوات، ولقد أثبت لنا باتصاله الأخير أن قرار الحرب بيده وما نرجوه هنا ان يكون قراره نهائيا ولا رجعة فيه.
قد يتسائل البعض عن سبب استحضارنا في هذا الموضوع للأسباب التي نشبت من أجلها الحرب ولأجلها وقفت أيضا، وتفسير ذلك يتمثل في رغبتنا التعلم من دروس التاريخ، إذ لا يمكن أبدا إخراج الوطن من محنته بدون القراءة الصادقة للأحداث أسبابا ونتائج، والاستفادة من ذلك في التعاطي مع الأحداث حاضرا ومستقبلا، لذلك نعتقد أن حرب صعدة تمثل درسا بليغا وسببا مقنعا يدفع الجميع للعمل من اجل الوطن قبل كل شيء خاصة وفي الطريق أحداث ينبغي التعامل معها بما يتوافق مع مصالح الوطن العليا ومطالب أبنائه.
سنكرر ترحيبنا بتوقف الحرب كما سنكرر أمانينا ودعواتنا بعدم عودتها، وعليه ندعوا سيادة الرئيس إلى الوفاء بوعده وعهده بعدم عودة الحرب الى الأبد، كما أننا أيضا نطالب بما يلي:
1- محاسبة ومحاكمة المتسببين في بقاء واستمرار حرب صعدة عبر تشكيل لجنة وطنية من مختلف القوى السياسية والمدنية.
2- دعوة كافة القوى السياسية المعارضة في البلاد لتحمل مسؤوليتها من خلال عملها بعدم عودة تلك الحرب.
3- تعويض المتضررين وكفالة الأيتام الذين فقدوا آباءهم ومعيلهم في الحرب.
4- أطلاق كافة الأسرى لدى الطرفين والمعتقلين السياسيين وعلى رأسهم الأستاذ عبدالكريم الخيواني.
5- توضيح واضح وشفاف للشعب عن هذه الحرب من خلال نشر أسبابها ونقاط الأتفاق حول أيقافها.
6- الدعوة بأن تمثل نهاية الحرب في صعدة مدخلا لوقف كافة الصراعات والحروب القبلية التي ترعاها وتدعمها الدولة.
7- الأتجاه نحو بناء دولة المؤسسات من خلال منح كافة السلطات صلاحياتها للتعامل مع القضايا التي يتعرض لها الوطن.
سيادة الرئيس.. بإنتظار مكالمات أخرى..
سررنا كثيرا سيادة الرئيس بوقف الحرب بمجرد أنك أجريت إتصال تلفوني واحد، وبما أنك باتصالك ذلك ستكون ملزما بالعفو الكامل والشامل عن كل من قاتل في الحرب من أجل إغلاق ملفها نهائيا، فأننا ندعوك الى إجراء إتصالات أخرى حاسمة وحازمة لاطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين خاصة وأنهم لم يلطخوا أياديهم بالدماء وكانوا قادة حراك وأصحاب رأي سلمي في أوساط الجماهير وعلى رأسهم النوبة وباعوم وبن فريد وغالب والخيواني والقرني.. الخ.
ندعوك ان تنظر الى الناس بعين المساواة بما يتوافق مع مصلحة الوطن والمواطن ويتلائم مع منصبك كرئيس فهل تستجيب لطلبنا. نتمنى ذلك..
Leave a Reply