خليل إسماعيل رمَّال
لا تنمو ظاهرة هكذا فجأةً ومن دون مقدِّمات كظاهرة أحمد الأسير الإرهابية المقيته ويكون بطلها شخصية وضيعة مجهولة نكرة لا تحمل أي نوع من الكاريزما، إلَّا فـي بلد مثل لبنان. فمسخ الوطن بيئة حاضنة لهذه الأشكال التي انفجرت على الشاشات التلفزيونية ليس فـي غفلةٍ من الزمن لعدة عوامل (سنأتي على ذكرها لاحقاً)، بل بسبب فشله كنظام فـي أنْ يحكم نفسه بنفسه من دون «ريموت كونترول» خارجي، وبسبب القصور البنيوي فـي هيئات ومؤسسات الدولة السائبة منذ إعلان الكيان الجهيض.
حظ أحمد الأسير أنه نما فـي ظل انهيار منظومة الحكم الفاشل فـي عهد السيِّء الذكر ميشال سليمان. ربَّما لهذا السبب بادر سليمان الخشبي الى وصف «شيخ الإرهاب» بالأسير بعد وقوعه فـي أسر القوى الأمنية فـي المطار مما استدعى ردَّاً مُفحِماً من قبل العميد مصطفى حمدان، عضو الهيئة القيادية لحركة «المرابطون». فميشال سليمان كان قد اتخذ قراراً مدفوع الثمن بالتكويع ضد سوريا والمقاومة وترك البلاد مرتعاً لتسرب المجرمين الإرهابيين الذين اعتدوا على الجيش وكبدوه خسائر فـي الأرواح بينما اختار سليمان النأي بنفسه مع رفـيقه الناعي الاَخر، نجيب ميقاتي ولكن هذا لم يمنعه من أنْ يقم بسابقة تقديم شكوى ضد سوريا إلى الأمم المتَّحدة لأول مرة فـي تاريخ البلد التعيس الجاحد. وَإِنْ ننسى فلا ننسى «تاكسي الصفدي لنقليات القَتَلة والإرهاببين» التي زفَّتْ السفّْاح المجرم شادي المولوي من السجن إلى بيت ميقاتي، الذي حقَّق للحريرية فـي حكومته الساقطة ما لم تكن تحلم به رغم جحود ونكران ومقاطعة سعد الحريري وتياره له حتى اليوم.
يُقال أنَّ رؤوساً كبيرة ستتدحرج نتيجة اعترافات الأسير لكن المتفائلين هولاء ينسون أنهم فـي مسخ وطن لا مكان فـيه للعقاب كما حصل مع شادي المولوي الذي أُطلق سراحه فتسبب ذلك بمعارك وزهق أرواح بريئة كان يمكن تفاديها.
وقد برزت ميوعة ميشال سليمان بالتعامل مع ظاهرة الأسير من خلال وزيره الذي كان يتسلم حقيبة الداخلية انذاك، مروان شربل، فعقد معه اتفاقاً برأه فـيه من كل الاتهامات الاجرامية وأطلق يده فـي إكمال مخططه الجهنَّمي. وعندما خضع للمساءلة تنصل ودلَّ على من «اجتمعوا مع الأسير وأكلوا معه السمك». وهكذا بقي الأسير، الشيخ الدونكيشوت المهرج والمضحَكَة والذي كان يدبك ويركب الدراجة الهوائية، يلعب فـي الوقت الضائع، وظل يحارب طواحين الهواء ويُستَخدَم كممسحة من أجل الفتنة المذهبية تحت شعار واهٍ هو مظلومية أهل السُّنة، رغم شخصيته المنفِّرة وغير المستقطِبة لأحد لولا المال الذي يفعل العجائب!
فالأشخاص الذين تحدث عنهم شربل لم يأكلوا السمك «الهاري» فقط مع الأسير بل قدموا له ما لذ وطاب من ذخيرة ومال وغطاء سياسي، وهم اليوم يتحسسون رقابهم بعد أنْ قرر الاعتراف عنهم جميعاً ومن بينهم أسماء كبيرة. أول الأسماء التي نعرف بأنها دعمت ظاهرة الأسير وبرزت حتى الآن إسم سالم الرافعي ولا مفاجآت هنا فهو هدَّد فـي عدة مناسبات باستخدام قوات «داعش» و«النصرة» فـي الصراع الداخلي، وعلاقاته بالارهابيين معروفة، كما برز دور «هيئة علماء المسلمين» وخالد الضاهر ودعي الاسلام الشهَّال وحتى مقربون من بهيَّة الحريري، ولا نعرف دور عميد حمود فـي طرابلس وبعض نواب تيار المستقبل وحتى أشرف ريفـي والوسائل الإعلامية (أم تي فـي مثالاً) التي لعبت دوراً أساسياً فـي تكبير الأسير رغم حقارة ووضاعة الرسائل الفتنوية التي كان ينفث من خلالها سمومه كل يوم وقطعه للطرق ولأرزاق النَّاس طيلة عامين.
والخطورة فـي الموضوع أنَّ الأسير كان مستعداً لكي يتحالف حتى مع الشيطان من أجل تنفـيذ مخططه التآمري حتى وصل به الحد أنْ يتعامل مع تنظيم «بوكو حرام» فـي نيجيريا ولا يُستبعد تواصله مع كتائب عبدالله عزَّام و«داعش» وتركيا التي زارها قبل فترة من معركة عبرا. أما الخطورة الثانية فتتمثل باستمرار بعض أنصاره متوارين عن وجه العدالة وهم قد يلجأون الى التفجيرات الانتحارية خصوصاً بعد اكتشاف أحزمة ناسفة فـي منازل بعضهم ومخططات لاغتيال علماء دين شرفاء من بينهم الشيخ المناضل ماهر حمود.
وليس هناك أكثر من عهر سياسي كذلك المتمثل بالتهنئة من الذين شجعوا سابقاً أحمد الأسير ولم تصدر عنهم كلمة واحدة ضده حتى بعد معركة عبرا، التي أدت لمقتل ١٨ جندياً وضابطاً من الجيش وجرح ٥٠ آخرين. والأنكى من كل هذا وذاك أنَّ الذين هاجموا الجيش وطالبوا حتى باغتيال قائده يبدون اليوم بمظهر الذي انتصرت خياراته والمريد للدولة وجيشها بسبب اعلامهم ومسارعتهم لتلقف الخبر وتحويل الهزيمة إلى نصر، فقط لأن جماعة ٨ آذار يغطُّون فـي سُبات عميق لولا حركة الجنرال ميشال عون وانتصارات المقاومة.
هكذا هو البلد المقلوب دائماً والأسير قد يواجه أحد مصيرين إثنين قد يكون لهما ثالث: أما يلقى مصير «زفة» شادي المولوي بسبب التدخلات الإقليمية والمحلية وهنا بدأ الحديث عن تجزئة ملفه الأمني لتبرئة المستقبل و١٤ آذار وسليمان وحتى جعجع من مرحلة ما قبل عبرا وتوريطه لوحده، وأما يدبر له مشغلوه رحلة، هذه المرَّة ستكون أبدية ليس الى كفر ذبيان حيث أراد ذات مرة أنْ يذهب من أجل الاستجمام والتزلج والتزحلق على الثلج، وذلك فـي حال فشل الخيار الأول. أو اذا حدثت معجزة ما فـي بلد المعاجز فقد يكشف الجميع وتتم محاكمته معهم وينالوا معاً قسطهم من العدالة. المهم أنْ لا يطلع الأسير غداً بطلاً!
Leave a Reply